كانت الإبليات، بجميع أنواعها، جزءًا لا يتجزأ من المجتمعات البشرية منذ آلاف السنين. وقد استطاعت هذه الحيوانات التكيف مع بيئات متنوعة مما جعلها تقدم خدمات حيوية للإنسان في مجالات النقل والزراعة وإنتاج المنسوجات. وإلى جانب مساهماتها العملية، تحمل الإبل أيضا رمزية ثقافية للعديد من المجتمعات، حيث تمثل الرفقة والقدرة على التحمل والتكيف مع الظروف المناخية القاسية.
يعتبر الجمل الحيوان المستأنس الأكثر ملاءمة للمناطق الصحراوية القاحلة والحارة وقليلة الأمطار. وتشير الدراسات العلمية إلى أن تدجينه حدث منذ ما بين 3000 إلى 6000 عام. وقد أفادت إبل العالم القديم البشر في الهجرة عبر القارات من خلال نقل الأشخاص والسلع، وإنتاج الحليب واللحوم والوبر. في الوقت الحالي، تواجه تربية هذا النوع من الحيوانات الأليفة تحديات كثيرة بسبب توسع الصحاري نتيجة الظواهر الجوية المتطرفة والطلب المتزايد على اللحوم ومنتجات الألبان المنتجة بشكل مستدام.
وقد اتخذت الأمم المتحدة خطوة راقية لجذب الانتباه إلى الإبل بإعلان عام 2024 سنة دولية للإبليات ، اعترافا بالأدوار الحيوية التي تلعبها في مختلف الثقافات والاقتصادات والنظم البيئية في جميع أنحاء العالم. تهدف هذه الخطوة إلى معالجة التحديات المتعلقة بالحفاظ على التنوع البيولوجي لبعض أنواع الابليات وحمايتها من خطر الانقراض بسبب فقدان الموائل، إلى جانب إلقاء الضوء على دورها في المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي والتغذية في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة حيث قد تكافح الماشية الأخرى من أجل البقاء.
قرن ونصف من البحوث حول الإبل
حظيت الإبل باهتمام كبير من مجتمع البحث مقارنة بحيوانات المزرعة الأخرى. وتساعد زيادة الوعي بعدد الدراسات البحثية المتعلقة بالإبل التي تم إجراؤها، وبالدول الرائدة في أبحاث الإبل، في تحديد مجالات البحوث التي ينبغي تعزيزها في المستقبل.
في ورقة علمية نشرت في دورية (Frontiers in Veterinary Science) العلمية قام فريق من الباحثين ينتمي لجامعات مصرية وسعودية، بدراسة ببليومترية للأوراق العلمية المنشورة حول الإبليات منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى غاية عام 2022، بهدف رصد تطورها الكمي ومصادر تمويلها وتحديد المؤسسات الأكاديمية والدول التي ساهمت في انتاجها والتخصصات العلمية التي تناولت هذا الموضوع. وأظهرت نتائج الدراسة تطورا هاما في المتوسط السنوي لعدد البحوث المنشورة الذي قفز من أقل من عشرة أبحاث جديدة طوال الفترة ما بين عامي 1877 و1965 إلى أكثر من 200 بحث منشور سنويا منذ 2010. وهيمنت 3 مجالات علمية هي العلوم البيطرية والزراعة ومنتجات الألبان والتكنولوجيا على أكبر عدد من البحوث المنشورة.
تطور عدد المنشورات العلمية حول الإبليات (1877-2022)
(المصدر: الدراسة الببليومترية)
أحصى الباحثون وجود 7593 مقالة علمية في قاعدة بيانات Web of Science (WOS)، مخصصة لأبحاث الإبل إلى غاية أغسطس 2022. وحددوا ثلاث مراحل تاريخية لتطور الأبحاث في هذا المجال. تمتدّ المرحلة الأولى بين عامي 1877 و1965، وتميزت بمعدل نشر لا يتجاوز عشرة منشورات جديدة سنويًا. وتضمنت المرحلة الثانية (من 1968إلى 2005) نشر ما يناهز 100 منشور سنويًا. ومنذ بداية المرحلة الثالثة عام 2010، وصل المتوسط السنوي لعدد المنشورات إلى 200 ورقة بحثية جديدة كل عام.
شملت أبحاث الإبل 238 تخصصاً علمياً. وكانت أهم المجالات البحثية التي نشرت أبحاث الإبل هي العلوم البيطرية (بنسبة 39 بالمائة من مجموع الأبحاث المنشورة)، وعلوم الزراعة ومنتجات الألبان الحيوانية (14.4 بالمائة)، و تكنولوجيا علوم الأغذية (حوالي 9 بالمائة).
ترتيب الدول الأكثر نشرا للأوراق العلمية حول الإبليات
(المصدر: الدراسة الببليومترية)
تميز سعودي مصري في مجال البحوث حول الإبل
برزت المملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة التي لديها أكبر عدد من المنشورات، أي 1117 (ما يمثل حوالي 15 بالمائة من مجموع الأبحاث المنشورة) واحتلت مصر المركز الثاني بـ 921 بحثًا (12 بالمائة)، تلتها الهند بنشر 876 ورقة(11.5 بالمائة). كما احتلت دول عربية أخرى مراكز متقدمة في هذا الترتيب مثل الإمارات العربية المتحدة في المركز الخامس 500 منشوراً، والسودان في المركز العاشر 288 منشورا. ونشرت كل من تونس172 ورقة والمغرب 153 والجزائر 95 والأردن 92 وعمان 77 ورقة.
وفي ترتيب أكثر المؤسسات العلمية مساهمة في نشر الأبحاث حول الإبل برزت عدة مراكز بحث وجامعات عربية حيث احتل بنك المعرفة المصري صدارة الترتيب بنشره 824 ورقة علمية تلته جامعة الملك سعود في المركز الثاني (416 ورقة) وجامعة الملك فيصل (320). وحلت جامعة القاهرة في المركز السابع من القائمة بنشرها 201 ورقة وجامعة الخرطوم (187) وجامعة الإمارات العربية المتحدة (165) في المركزين الثامن والتاسع على التوالي.
ترتيب المؤسسات العلمية الأكثر نشرا للأوراق العلمية حول الإبليات
(المصدر: الدراسة الببليومترية)
يقول الباحثون إن النتائج المرصودة تتوافق مع التقارير السابقة عن مساهمة البلدان في تربية الإبل. وقد تم تصنيف المملكة العربية السعودية كواحدة من الدول التي ترتفع فيها نسبة تربية الإبل، حيث يقدر عددها بأكثر من 1.39 مليون رأس في عام 2018. لى جانب مصر التي حلت في المركز الثاني في قائمة المنشورات، رغم أنها تشهد تراجعا في نشاط تربية الإبل . كما سجلت تلك التقارير أيضا اهتماما متزايدا بالجمال في الصين في السنوات الأخيرة، حيث زاد الإقبال على شرب حليب الإبل بسبب فوائده الصحية بالإضافة إلى نمو صناعة الصوف وجلود الإبل البخترية . وفي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لا يوجد سوى 3000 رأس من الإبل موزعة على المزارع الخاصة الأمريكية، سُجل اهتمام متزايد بالإبل بسبب الاستخدام المفيد لحليبها في علاج مرض السكري والتهاب القولون والأمراض الأخرى.
ولاحظ مؤلفوا الدراسة أنه وبرغم زيادة الاهتمام بالإبل في مجال البحث العلمي خلال السنوات الأخيرة، فإن اتجاهات البحث في مجال صحة الإبل وإنتاجيتها تحتاج إلى دعم أكبر.
المصادر
– A century of “Camel Research”: a bibliometric analysis
– INTERNATIONAL YEAR OF CAMELIDS
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
السنة الدولية للإبليات 2024