مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

ماذا بعد انسحاب جامعات مرموقه من بعض التصنيفات الدولية للجامعات؟

التصنيفات الدولية للجامعات: ما لها وما عليها
الكاتب

أ.د. محمد فوزى رمضان حسانين

أستاذ الكيمياء الحيوية وكيمياء الأغذية / جامعة أم القرى - السعودية

الوقت

12:14 مساءً

تاريخ النشر

30, مايو 2024

التصنيفات الدولية للجامعات: ما لها وما عليها

منذ إصدار تصنيف شنغهاي للجامعات عام 2003 وهو أول تصنيف عالمي للجامعات والذى تلاه إصدار تصنيفات دولية عديدة ومن أشهرها تصنيف QS وتصنيف Times Higher Education (THE)، أولت معظم جامعات العالم أهمية كبرى للإنضمام لتلك التصنيفات والحصول على مراكز متقدمة بها عاما بعد عام، ومما لاشك فيه أن تلك التصنيفات ساعدت الجامعات والمؤسسات البحثية على تطوير أدواتها التدريسيه ومخرجاتها البحثية على مدار السنوات القليلة الماضية، إلا أن هناك دائما جدل دائر حول مدى دقة ومصداقية وموضوعية تلك التصنيفات والمعايير التي يتم استخدامها وإلى أي مدى يعكس التصنيف الأداء الحقيقي للجامعات. وبالرغم من عدم وجود تصنيف عالمي مثالي ومتفق عليه بين خبراء تصنيف الجامعات، ألا أنّ التصنيفات العالمية لها أثر كبير على تقييم أداء الجامعات وسمعتها وقدرتها على استقطاب أعضاء هيئة تدريس وطلاب ذوي مستوى عال وتسهيل قدرة الجامعات على تكوين شراكات مع المؤسسات الصناعية والبحثية ومراكز الأعمال المتميزة.

مؤخرا وفى شهر مارس الماضى من عام 2024 قامت جامعة زيورخ السويسريه العريقة والمصنفه من أفضل 100 جامعة على مستوى العالم -طبقا للعديد من التصنيفات الدوليه للجامعات- بإعلان انساحبها من تصنيف تايمز للتعليم العالى كما أعلنت أنها تدرس احتمال استمرار مشاركتها في التصنيفات الدولية الأخرى من عدمه. ومن ناحية أخرى كانت جامعه اوتريخت الهولندية قد أعلنت أيضا انسحابها من تصنيف تايمز في نهايه عام 2023 معتبرة أن التصنيف مجحف ويستخدم أساليب وبيانات مشكوك في نزاهتها. أيضا في عام 2022 انسحبت جامعات نانجينج ورنمين الصينية من بعض التصنيفات الدوليه كما شجبت جامعات هارفرد وييل وكاليفورنيا الامريكيه منهجية عمل التصنيفات العالميه للجامعات.

بصورة عامة تعتمد معظم التصنيفات الدولية للجامعات على معايير للتقييم تشتمل على جودة التعليم ومخرجات البحث العلمي وعدد أعضاء هيئة التدريس الحاصلين على جوائز دولية ومدى رضا الطلاب وأصحاب الأعمال وغيرها من المعايير. إلا أن أغلب التصنيفات الدوليه للجامعات -خاصة تصنيف QS وتصنيف THE- تحتسب حوالي 50% أو أكثر من مجموع نقاط التقييم من خلال رصد مخرجات البحث العلمي للجامعات متمثلا” فى عدد الأوراق البحثية المنشورة في دوريات عالمية باللغة الانجليزية وعدد الأستشهادات لتلك الأوراق في فترات زمينة محددة.

وهنا يكمن أحد أهم الاعتراضات على معايير تقييم الجامعات في بعض التصنيفات مثل تصنيف QS وتصنيف THE وهو حصر عدد الأوراق البحثية المنشورة في دوريات عالمية ورصد عدد الاستشهادات لتلك الأوراق العلمية. الأمر الذى أدى من ناحيه إلى تهافت العديد من الجامعات لزيادة عدد الأوراق المنشورة بصرف النظر عن جودة تلك الأوراق البحثية، ومن ناحية أخرى أدى ذلك إلى تسارع وتيرة النشر المفتوح Open Access في دوريات علميه بمقابل مادي مرتفع في الغالب ودور نشر غير رصينه. أيضا تحولت العديد من الدوريات العالمية المجانيه إلى دوريات تقبل نشر أوراق بحثية بنظام النشر المفتوح Open Access مما أدى الى التشكك في مصداقية تلك الدوريات. الأمر الآخر والذي يطرح العديد من التساؤلات حول مدى مصداقية حصر بيانات الجامعات هو اعتماد تلك التصنيفات على رصد مخرجات البحث العلمى من قاعدة بيانات واحدة وهى قاعدة بيانات سكوبس Scopus المملوكة لدار نشر السيفير والتي تقوم بنشر وتحرير العديد من الدوريات والمجلات في جميع التخصصات العلمية، ومنها بلاشك العديد من الدوريات التي تنشر بنظام النشر المفتوح Open Access!

تساؤل هام أيضا في هذا السياق وهو أن التصنيفات العالمية لا تفرق بين الجامعات الأكاديمية القائمة على تخريج الطلاب في مراحل التعليم المختلفه-التعليم الجامعي وبعد الجامعي- وغيرها من الجامعات والمؤسسات البحثية القائمة على البحث العلمي فقط!. فهل من المفترض أن ينتج عضو هيئة التدريس القائم بالتدريس والبحث العلمى نفس عدد الأوراق البحثية التي ينتجها عضو هيئة التدريس المتفرغ تماما للعملية البحثية؟

الجامعات العربيه: مدى إجحاف التصنيفات الدولية وهل من ضرورة لتغيير المعايير الحالية لتصنيف الجامعات؟

اتضح مما سبق أن تصنيفات مثل QS و THE تعتمد في حصر مدخلاتها على بيانات قاعدة سكوبس Scopus. ومن المعروف أن قاعدة بيانات سكوبس تشمل في الغالب الأعمال البحثية المنشورة باللغة الإنجليزية ولا تضم الأعمال البحثية المنشورة باللغة العربية. بالتالى فإن تلك التصنيفات تسلب الجامعات العربية الأكاديمية ما يقرب من 50% من أوزانها في التقييم نظرا لأن التصنيف لا يرصد النتاج العلمي المنشور باللغه العربيه لتلك الجامعات. وهذا هو العوار الرئيسي في تلك التصنيفات.

الاعتراض الآخر على تصنيف تايمز للجامعات العربية هو أن عددا من معايير التقييم تعتمد على رصد الأعمال البحثية المنشورة باللغة الإنجليزية فىي قاعدة سكوبس Scopus مع ربط تلك الأعمال (سواء كانت أعمال بحثية منشورة أو اقتباسات citations) بمجموع أعضاء هيئة التدريس الكلي بالجامعات (عدد أعضاء هيئة التدريس في جميع التخصصات العلمية سواء التي تنشر أعمالها باللغة الإنجليزية أو باللغة العربية). ونتيجة لذلك تفقد الجامعات العربية-خاصة الجامعات التي تضم تخصصات العلوم الانسانية والاجتماعية والتي تنشر أعمالها البحثية باللغة العربية- جزء كبير (قد يتخطى ال50%) من أوزان هذه المعايير وينعكس ذلك بالتالى على تصنيف الجامعات العربية مقارنة مع الجامعات العالمية.

يتضح مما سبق العوار القائم في التصنيفات العالمية للجامعات وأن هناك حاجة ملحة إلى تغيير المعايير الحالية لتصنيف الجامعات عالميا” بصفه عامة وعربيا” بصفه خاصة. ومن أهم النقاط التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار لكي نتأكد من حيادية وعدالة تلك التصنيفات في المستقبل هى:

1. عدم الاعتماد على قاعدة بيانات واحدة واستخدام أكثر من قاعدة بيانات لرصد مخرجات البحث العلمي للجامعات وهنا تكمن أهميه استخدام قواعدالبيانات التي تسمح بتسجيل مخرجات البحث العلمي باللغة العربية -وغيرها من اللغات- مثل Google Scholar و Research Gate

2. تعديل النقاط المحتسبة لبعض معايير التقييم حيث من الأهميه بمكان أن تزيد النقاط المتعلقة بجودة العمليه التعليمية وجودة الخريجين ومدى رضا أصحاب العمل وأن يتم تقليل النقاط المتعلقة بمخرجات البحث العلمي.

3. تعديل آليات ومؤشرات التقييم كي يتم الفصل التام بين الجامعات الأكاديمية القائمه على تخريج الطلاب في مراحل التعليم الجامعى المختلفة من ناحية وغيرها من الجامعات والمؤسسات البحثية القائمة على البحث العلمي فقط من ناحية أخرى.

فهل من المتوقع بعد اعتراض العديد من الجامعات المرموقة على الآليات والمعايير الحالية لتصنيف الجامعات أن يتم إعادة النظر في تلك المعايير لتصبح أكثر شفافية ومصداقية؟ سؤال نتمنى أن تكون إجابته بنعم!!

 



تواصل مع الكاتب:
mfhassanien@uqu.edu.sa

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
سعود عطيه
سعود عطيه
05/30/2024 4:36 مساءً

الكرة الارضية وطن واحد هدف واحد يدا بيد نحو مستقبل افضل

عنوان التعليق
نعمل بروح الفريق
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x