1- المقدّمة
تُمثِّلُ صناعة النسيج أحد أهم القطاعات الاقتصادية في الجمهورية التونسية؛ حيث يوجد بها أكثر من 2086 مصنعاً للنسيج، وتتركز أغلب هذه المصانع (%80) بشكل رئيسي على الشريط الساحلي للبلاد التُونسيّة، كما تُعتبر مُحافظات المُنستير وسوسة والمهديّة من أهمّ وأقدم مراكز الطباعات النسيجية والتي تحظى بطلب دولي كبير. عادة ما ترتبط صناعة النسيج باستهلاك مرتفع للمياه مِمّا ينْجرُّ عنه صرف كَميَّات كبيرة من المياه المستعملة. وقد وصفت البحوث السابقة التركيبة الكيميائية لهذه المياه المُستعملة على أنها معقدة؛ إذ تحتوي على مركبات مختلفة من الأصباغ، والمعادن الثقيلة السّامة، والأمينات المسببة للسرطان، ومواد مبيضة، ومواد غير عضوية، والمُنظِّفات، والأملاح، والمُبيدات الحيوية، والمُذيبات، والمُليّنات (الشكل 1). ويَكْمنُ خطرُ هذه المركبات السّامة في ثباتها في مياه الصرف الصحي للنسيج والتي يتمُّ التخلص منها في المحيط البيئي المجاور مِمّا يتسببُ في تلّوث المياه السطحية والجوفية، وهو ما يُعرّض صِحّة الحيوانات والنباتات والإنسان للخطر في حال لم يتم تطبيق تقنية المعالجة المناسبة (الشكل 2).
ووثقت العديد من الأبحاث العلمية السابقة العلاقة بين المخاطر السُّميّة الخلوية والجينية المرتبطة بمخلفات هذه المياه المستعملة، والطفرات، والسرطنة، واضطرابات الغدد الصماء، ومشاكل في التكاثر؛ وبالتالي، أصبح هنالك حاجة مُلِحة لمعالجة هذه المياه المستعملة من أجل إزالة المُلّونات والمواد السّامة. ويَكْمنُ خطرُ هذه المركبات السّامة في ثباتها في مياه الصرف الصحي للنسيج والتي يتمُّ التخلص منها في المحيط البيئي المجاور مِمّا يتسببُ في تلّوث المياه السطحية والجوفية، وهو ما يُعرّض صِحّة الحيوانات والنباتات والإنسان للخطر (الشكل 2). وبالتالي، أصبح هنالك حاجة مُلِحة لمعالجة هذه المياه المستعملة من أجل إزالة المُلّونات والمواد السّامة. وذكرت المقالات العلمية السابقة العديد من تقنيات المعالجة الفيزيوكيميائية مثل التخثر والتلبد ويرتكز مبدأ المعالجة الفيزيوكيميائية باعتماد تقنية التخثر والتلبد على تغيير الحالة الفيزيائية للأجسام العالقة والمادّة الغرويّة، وذلك عن طريق إضافة مواد كيميائية تسمح بتكوين تجمعات يتم التخلص منها من خلال الترسيب (الشكل 3). تُعتبر كلوريد الحديد وكلوريد الألومنيوم وبولي كلوريد الألومنيوم من المخثرات الكيميائية المتعارف عليها في معالجة المياه المستعملة المتأتية من مصانع النسيج . سمية بيئية على الكائنات المائية والأسماك والخضراوات. في الوقت الحالي ونظراً لسُميّة المخثرات الكيميائية، هنالك الكثير من الأبحاث الجارية لتطوير مواد تخثر بديلة تكون غير مكلفة، ومتوفرة، وقابلة للتحلل البيولوجي، وتكون خاصّةً صديقة للبيئة.
الشكل 1. التركيبة الكيمائية لمياه الصرف الصحي المتأتية من قطاع النسيج
الشكل 2. الأثار السلبية لمياه الصرف الصحي على البيئة
الشكل 3. مراحل معالجة مياه الصرف الصحي باستعمال تقنية التخثر والتلبد
2- المواد وطرق البحث
2-1 أخذ العينات
تمّ جمع عينات مياه الصرف الصحي النسيجي غير المعالجة من ثلاثة مصانع مختلفة للنسيج، تقع هذه المصانع في ثلاث بلدات متجاورة ) بوحجر، مصدور، بنبلة ( من محافظة المنستير- تونس ) (الشكل 4)
الشكل 4. مراكز جمع عيّنات مياه الصرف الصحّي الصناعي
2-2 التحاليل الفيزيوكيميائية للمياه قبل وبعد المعالجة
أُجرِيت التحاليل الفيزيوكيميائية لمياه الصرف الصحي للنسيج بواسطة أجهزة مختلفة لتحديد تركيز العديد من مؤشرات التلّوث (الشكل 5).
الشكل 5. الأجهزة المستعلة لقياس مؤشرات التلوث
2-3 المواد النباتية المستعملة لمعالجة مياه الصرف الصحّي
خلال هذه التجربة تم استعمال نوعين من النباتات لمعالجة مياه الصرف الصحي المتأتية من مصانع النسيج وهي كالآتي:
النوع الأول: مسحوق ألواح التّين الشوكي Opuntia ficus indica هو نبات من فصيلة الصبارية.
النوع الثاني: مسحوق قشور الباذنجان Solanum melongena هو نبات عشبي ينتمي إلى عائلة Solanaceae.
2-4 اختبار السُّمِّية خارج الجسم ( in vitro ) في أنظمة الخلايا حقيقية النواة (اختبار المذنب)
لاختبار السمية خارج الجسم تمَّ زرع خلايا من نوع C3a على طبق متكون من 12 بئراً بكثافة 105 × 2 خلية لكل بئر. وحُضِنت الخلايا لمدّة 24 ساعة في درجة حرارة 37 درجة مئوية و 5% من ثاني أكسيد الكربون. بعد ذلك، تمَّ التخلص من محلول النّمو، وتمت إضافة عينات المياه المعالجة وغير المعالجة بتركيزات مختلفة ( 25 %، 50 %،100 %). بعد مرور 24 ساعة من الحضانة، اتضح أنّ الخلايا كانت قد تعرضت لمفعول التربسين، حيث تم بعد ذلك إضافة محلول PBS وحفظ الخلايا في الجليد؛ لتجنب تلف الحمض النووي ومنع أي عملية تفاعل لإصلاحه (الشكل 8).
الشكل 8. مراحل اختبار السُميّة خارج الجسم في أنظمة الخلايا حقيقية النواة
2-4 عملية معالجة مياه الصرف الصحي باستعمال تقنية التخثر والتلبد
تمت عملية المعالجة في حرارة الغرفة، حيث تمَّ استخدام منضدة اختبار من نوع VELP, JLT 4USA) Jar-test)، متكونة من أربعة دوارق، وتمت إضافة 500 مل من المياه غير المعالجة . في كل دورق، ثم تمت إضافة تركيزات صاعدة (0.4 ، 0.8 ، 1.2 ، 1.6 غ/لتر) من مسحوق الصبار ومسحوق قشور الباذنجان ) (شكل 9) بالتوازي مع استعمال المخثرات الطبيعية تم استعمال كبريتات الألومنيوم كمخثر كيميائي تقليدي بنفس التركيزات السابق ذكرها. بعد عملية ترسيب المحاليل، والتي استمرت لمدة 20 دقيقة، تم جمع الطبقة الطافية وتصفيتها؛ لقياس مدى فاعلية المخثرات المُستعملة، قُمْنا بالتحاليل الفيزيوكيميائية بعد المعالجة.
شكل 9. معالجة مياه الصرف الصحّي باعتماد تقنية التخثر والتلبد
3- النتائج
بينت نتائج التحاليل الفيزيوكيمائية لعيّنات مياه الصرف الصّحي الغير المعالجة من ثلاثة مصانع مختلفة للنسيج بمحافظة المنستير، وجود تركيزات عالية لغالبية القيم. كما تجاوزت تركيزات TSS ،COD ،BOD والموصلية الكهربائية في جميع العيّنات غير المعالجة التي تمّت دراستها المعايير الخاصة بالمياه المستعملة لقطاع النسيج التي وضعتها السلطات التونسيّة، باستثناء مستوى المواد العالقة في مياه الصرف والتي تم جمعها من مصنع بنبلة. تمّت معالجة المياه المستعملة عن طريق اعتماد تقنية التخثر والتلبد، وذلك باستخدام تركيزات متفاوتة من كبريتات الألومنيوم، ومسحوق ألواح التّين الشوكي ومسحوق قُشُور الباذنجان وأَبْرَزت نتائج التحاليل أنَّ التركيز 0.8 غ/لتر مكّن من الحصول على أفضل النتائج بالنسبة لجميع المُخثرات الطبيعية المُستعملة. علاوةً على ذلك، أدت المعالجة باستعمال مساحيق المخثرين الطبيعيين إلى إزالة صبغة الكريستال البنفسجي .Crystal Violet (CV) حيث تم الكشف عن وجود هذه الصبغة في العينة غير المعالجة لمصنع مصدورفقط بتركيز 0.015 ميكروغرام/لتر.
تمَّ اختبار مدى قدرة عيّنات مياه الصرف الصّحِي المُعالجة وغير المُعالجة في إحداث تسمّم على مستوى الحمض النووي في أنظمة الخلايا حقيقية النواة من صنف C3a عن طريق قياس النسبة المئوية للحمض النووي في ذيل المُذنب بعد تعرّضه لمدّة 24 ساعة لتركيزات متفاوتة لهذه العيّنات. لِكلّ عيّنة تمّ اختبار ثلاثة تركيزات مختلفة ( 25 %، 50 %، 100 %). في نهاية التجربة، بالرجوع للنظر لاختبار NRU ، لم تتسبب أيّ من هذه التركيزات في إحداث أيّ خطر خلوي للخلايا
4- الخلاصة
أصبحت معالجة مياه الصرف الصّحي المُتأتية من مصانع النسيج قبل تصريفها في المياه السطحية أمراً ضروريّاً لمنع تلوّث البيئة في المستقبِل وحماية مصادر المياه. وبالاعتماد على البيانات الفيزيوكيميائية، أظهر كلٌّ من المخثرات الطبيعية (مسحوق ألواح التّين الشوكي ومسحوق قشور الباذنجان) تطهيراً أفضل لعيّنات مياه الصرف الصحّي المُجمعة من ثلاثة مصانع مختلفة للنسيج بمحافظة المنستير مقارنة بالمُخثّر الكيميائي. ولم يظهر التحليل الكروماتوغرافي وجود مُلّونات في عيّنات المياه ما عدا العيّنة غير المعالجة لمصنع مصدور فقد أظهرت وجود مُلوّن واحد وهو الكريستال البنفسجي. ومن المثير للاهتمام، أنّ تقنيات المعالجة كانت قادرة على إزالة هذا المُلّون. ولم نلاحظ أيّ سُميّة جينية لجميع العينات الثلاثة المعالجة، مِمّا يشير إلى أنّهُ قد يكون قد تمّ إزالة المركّب أو المركّبات المُسببة للسمية الجينية.
تواصل مع الكاتب: hdbenmansour@gmail.com
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة
