أظهرت نتائج دارسة مراجعة علمية جديدة أن ممارسة التمارين الرياضية خلال شهر رمضان يمكن أن يكون لها فوائد عديدة للصحة البدنية والعقلية إذا تجنب الصائم المجهود البدني غير المنضبط واتبع نظاما غذائيا غنيا ومتوازنا. ونشرت نتائج الدراسة التي أجراها الباحث المغربي سعيد أهبور أستاذ البيولوجيا العصبية في كلية العلوم والتكنولوجيا بجامعة السلطان مولاي سليمان بالمغرب، في دورية (International Journal of Sport Studies for Health) العلمية.
منظمة المجتمع العلمي العربي
رغم أن أغلب الدراسات العلمية أكدت على الفوائد الصحية لصوم رمضان بصفة عامة، فإن تأثير الصوم على الرياضيين والأشخاص المشاركين في الألعاب الرياضية والأنشطة البدنية التي تتطلب الكثير من القدرة على التحمل والطاقة، ظلت محل تحقيق من قبل الباحثين، لا سيما وأن هذه المجهودات البدنية يمكن أن تشكل مخاطر على الصحة البدنية، تشمل الجفاف ونقص السكر في الدم وتشنجات العضلات والتعب.
في الدراسة العلمية الجديدة قام الباحث بمراجعة 20 ورقة علمية منشورة سابقا حول تأثير الصيام خلال شهر رمضان المبارك على الأداء الرياضي والنشاط البدني للصائمين، بهدف استكشاف التأثيرات المختلفة التي يمكن أن يحدثها الصيام خلال شهر رمضان على الرياضيين وكيف يمكن تكييف تدريباتهم وأنظمتهم الغذائية للحفاظ على مستويات لياقتهم البدنية خلال هذه الفترة. يغطي الموضوع جوانب مختلفة من الرياضة خلال شهر رمضان، بما في ذلك الآثار الفسيولوجية للصيام على الجسم، وتأثير الجفاف على الأداء الرياضي، وفوائد الحفاظ على النشاط البدني (ومخاطره أيضا) خلال شهر رمضان.
وبشكل عام، تسلط الدراسة، كما يقول المؤلف، الضوء على قضية مهمة تواجه الرياضيين الذين يصومون شهر رمضان، وتقدم نظرة ثاقبة حول الطرق التي يمكنهم من خلالها تكييف تدريبهم وتغذيتهم للحفاظ على أدائهم ورفاهيتهم خلال هذا الشهر الكريم.
في البداية، استعرضت الدراسة المزايا الصحية للصيام لدى ممارسي الرياضة والأنشطة البدنية على ضوء النتائج التي توصلت إليها الأوراق البحثية التي شملتها المراجعة. في السنوات الأخيرة، تناولت العديد من الدراسات العلمية آثار الصيام على مختلف جوانب صحة الإنسان.
فوائد صحية عامة للصيام
من الناحية الفسيولوجية والنفسية، يقول المؤلف إن الصيام يمكن أن يكون له تأثيرات مختلفة على الجسم، اعتمادًا على مدة الصيام ونوعه. ويعتبر فقدان الوزن بسبب انخفاض السعرات الحرارية وتقلص نسب الدهون في الجسم، من بين أكثر التأثيرات شيوعا للصيام. وكشفت العديد من الدراسات عن ارتباط تحسن حساسية الأنسولين بالصيام، مما قد يؤدي إلى تحكم أفضل في نسبة الجلوكوز في الدم وانخفاض خطر الإصابة بمرض السكري من النوع 2.
وأظهرت دراسات أخرى أن الصيام يقلل بشكل كبير من الالتهابات المرتبطة بالأمراض المزمنة في الجسم مع تحسن العمليات الفسيولوجية الأخرى بشكل ملحوظ. ولاحظ الباحثون على سبيل المثال، زيادة نشاط آليه الالتهام الذاتي في أجسام الصائمين خلال شهر رمضان، وهي آلية يقوم الجسم من خلالها بتنظيف الخلايا التالفة وتوليد خلايا جديدة. وتشمل الفوائد العقلية للصيام تقليل التوتر وتحسين الحالة المزاجية لدى كثير من الأشخاص. كما ثبت أن التمارين الرياضية تقلل من أعراض الاكتئاب والقلق وتحسن المزاج العام، وهو تأثير مهم خاصة خلال خوض التجربة الروحية في شهر رمضان.
الصوم وممارسة الرياضة والأنشطة البدنية
بحسب الدراسة، فإن ممارسة الرياضة خلال شهر رمضان يمكن أن يُحسّن اللياقة البدنية والقدرة على التحمل، مما يؤدي إلى تحسن الصحة العامة. وقد أظهرت الدراسات أن النشاط البدني المنتظم يمكن أن يحسن صحة القلب والأوعية الدموية، ويقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، ويعزز طول العمر. وعلى الصعيد الاجتماعي، يمكن أن توفر الأنشطة الرياضية خلال شهر رمضان فرصا للمشاركة المجتمعية والتفاعل الاجتماعي، وهو ما قد يكون مهما للرفاهية العاطفية والصحة العقلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن ممارسة النشاط البدني خلال شهر رمضان يمكن أن يساعد أيضًا في زيادة الوعي الروحي واليقظة.
توصيات لممارسة الأنشطة الرياضية خلال الصيام
في المقابل، أشار المؤلف إلى أن نقص المغذيات، والاضطرابات الأيضية، والآثار النفسية يمكن أن يكون لها تأثيرات صحية سلبية على بعض الفئات مما يستوجب استشارة أخصائيي في الرعاية الصحية لضمان تناول التغذية المناسبة ومراقبة حالتهم الصحية العامة خلال الصيام.
يمكن أن يؤدي الصيام خلال شهر رمضان إلى نقص السوائل في الجسم، وهذا الجفاف يمكن أن يتفاقم بسبب ممارسة التمارين الرياضية الشاقة، لذلك يوصي الباحثون في العديد من الدراسات بالحرص على ترطيب الجسم بشكل صحيح قبل التمرين وبعده، مع تجنب الإفراط في الإجهاد أثناء ساعات الصيام. ومن تأثيرات الصيام المحتملة أيضا لدى بعض الأشخاص هي انخفاض مستويات السكر في الدم، مما قد يسبب الضعف والدوار ومشاكل صحية أخرى. ولتجنب ذلك يتعين على الذين يمارسون الرياضة خلال شهر رمضان أن يحرصوا على مراقبة مستويات السكر في الدم لديهم والامتناع عن ممارسة التمارين الرياضية الشاقة والإفراط في بذل الجهد أثناء ساعات الصيام.
ومع أن العديد من الدراسات وجدت أن للصيام تأثير محتمل على الأداء الرياضي نتيجة الجفاف والتعب والجوع، كما يقول المؤلف في دراسة المراجعة، فإن العديد من الرياضيين يختارون إجراء التدريبات وخوض المنافسات خلال شهر رمضان، مع تكييف برنامجهم لاستيعاب أثر الصيام. من ذلك، قيام لاعبي كرة القدم المحترفين بتعديل جداول التدريب واللعب خلال شهر رمضان لتجنب الجفاف والتعب. ويفضل بعض اللاعبين التدريب واللعب ليلاً بعد الإفطار، بينما يقلل البعض الآخر من كثافة التدريب ويركزون على الحفاظ على مستويات لياقتهم البدنية. وبالمثل، يواصل العديد من العدائين التدرب والمشاركة في الماراثونات خلال شهر رمضان، مع تعديل جدول تدريبهم لتجنب الجري خلال الفترات الأكثر حرارة من اليوم، والحرص على تناول السوائل والغذاء المتوازن خلال الساعات التي يُسمح لهم فيها بتناول الطعام والشراب.
وقد أظهرت الأبحاث أن الترطيب الكافي وتناول الغذاء الغني بالعناصر الضرورية مثل البروتينات للحفاظ على كتلة العضلات والكربوهيدرات لضمان الطاقة الكافية لأنشطتهم الرياضية، يمكن أن يساعد الرياضيين في الحفاظ على مستويات لياقتهم البدنية وتجنب التعب خلال شهر رمضان .
كما توصي بعض الدراسات الرياضيين بالتخطيط لوجباتهم وفقا لجدول تمارينهم بهدف ضمان الحصول على الطاقة الكافية والترطيب المناسب، بتناول وجبة ما قبل التمرين قبل ساعتين أو ثلاث ساعات من بدايته، ووجبة بعد التمرين في غضون 30 دقيقة بعد نهايته. وأشارت هذه الدراسات إلى أهمية الأطعمة الغنية بأيونات الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم، للحفاظ على توازن الماء أثناء ممارسة الرياضة، خلال شهر رمضان وهي عناصر متوفرة في بعض الأطعمة مثل الموز والتمر والزبادي خلال ساعات عدم الصيام للحفاظ على توازن المنحل بالكهرباء.
وخلص مؤلف دراسة المراجعة إلى أن ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية خلال شهر رمضان يمكن أن يكون لها فوائد عديدة للصحة البدنية والعقلية. ويمكن التغلب على المخاطر المرتبطة بالرياضة خلال شهر رمضان مثل انخفاض نسبة السكر في الدم وتشنجات العضلات والتعب، من خلال تناول كمية مناسبة من السوائل واتباع نظام غذائي غني ومتوازن والنوم الجيد.
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة
