فكرت أولاً في تركيز المقال على أنّ اللغة العربية كانت لغة العلم والعلوم لمدة قرون، حين أبدع العرب والمسلمون أيّما إبداع، ودوّنوا منجزاتهم العلمية والحضارية بهذه اللغة العميقة المعاني. وحين أصبح لزاماً على من يريد تعلّم مختلف العلوم أن يبدأ بتعلم هذه اللغة حتى يكون مؤهلاً لسبر أغوار تلك العلوم، حتى كان مثقفو الحضارات الأخرى يتعالون على أقرانهم ويظهرون تفوقهم بالتحدّث ببعض العبارات العربية. لكن من باب "أعطِ القوس باريها" قررت ترك الموضوع لمختصّي تاريخ العلوم، والذين سبق وأن أجادوا في الموضوع.
اليوم العالمي للغة العربية
ولنا أن نذكر في هذا الإطار أبحاث "ابن القيم" في البصريات، و"الخوارزمي" في الرياضيات، و"ابن النفيس" و"ابن سينا" في الطب وغيرهم. على أنّ ذلك في حدّ ذاته يعتبر إشكالاً مفتعلاً، وإلا فما معنى أن تكون هناك لغة قادرة على التعبير عن العلوم وأخرى عاجزة عن ذلك؟
إنّ كل لغة في العالم قادرة على أن تكون حاملة للعلوم والآداب وكل التعبيرات الإنسانية، بل لعل اللغة العربية هي الأكثر تأهيلاً لذلك، فهي لغة حية ثرية، وقد أثبتت على مر العصور بأنها قادرة على الصمود أمام كل التغيرات. ويقول الدكتور إبراهيم السامرائي بأنها "الوحيدة بين المجموعة الشامية التي تثبت على مر العصور". ذلك أنها لغة معروفة بكثرة المفردات و المترادفات، فللسيف مثلاً أكثر من أربعمئة وثمانين اسماً (480)، وللسفينة حوالي ثلاثمئة إسم (300)، وأنّ لها قدرة عجيبة على الاشتقاق. فالاشتقاق في العربية يكون من الأفعال والأسماء، ممّا يجعل مساحتها لا حدّ لها. وهنا، يقول الدكتور إبراهيم السامرائي إنّ "في العربية أبنية لم يلتفت إليها الصرفيون، ولم يقيدوها في مصنفاتهم، وهي تصلح أن تؤدي أغراضاً علمية"، مما يؤكد أن القول بصعوبة صياغة المصطلحات العلمية أو ترجمتها قول لا معنى له. ولعل هذه الصعوبة تعود أساساً إلى عدم فهم المصطلح أو عدم امتلاك اللغة العربية وفهمها كما ينبغي. والعجيب أن مجامع اللغة العربية في عددٍ من الدول العربية بينها مصر وسوريا، تقوم سنوياً بترجمة ما لا يقل عن مليون مصطلح علمي حسب دراسة قام بها عبد المنعم محمد جاسم صدرت في مجلة الدوحة القطرية عدد 44، والأغرب أنّ العلماء العرب اليوم وهم عدد لا يستهان به، لا ينشرون أبحاثهم بلغتهم الأم لاشتراط المجلات العلمية، وهي عادة غير عربية، للنشر باللغة الإنجليزية، نظراً لفهمها من قبل معظم دول العالم.
ولعل الإعجاز العلمي في القرآن في عدة مجالات علمية مثل علم الأجنة وعلم الفلك وعلوم البحار وغيرها من الأمور المشجعة للرجوع إلى اللغة العربية كلغة علمية.
إضافةً إلى ذلك، من خلال التجربة الميدانية في ممارسة التدريس باللغة العربية ومقارنتها بتدريس نفس المقرّر بلغةٍ أنلاحظ أن التحصيل العلمي للمعلم والمتعلم أعلى عند اعتماد اللغة الأم. كما نلاحظ أنّ مشاكل الطلبة في المواد العلمية في معظم الأحوال يكون ناجماً عن صعوبةٍ في فهم أو حفظ مصطلحات بلغة أجنبية، وليس ناجماً عن محتوى المادة العلمية في حد ذاتها.
هكذا إذاً نخلص إلى القول إنّ الإشكال يكمن في الإرادة وليس في اللغة العربية، فمن خلال تجربتنا في تدريس اللغة العربية على مدى أكثر من ثلاثين سنة اكتشفنا سنة بعد سنة، عزوف التلاميذ عن هذه اللغة و هروبهم من المطالعة، وتجنّبهم للتحدث بها خاصة إذا قمنا بمقارنتها مع الفرنسية أو الإنجليزية. ومن هنا، علينا أن نغير مناهجنا التعليمية و إعادة الاعتبار للغة العربية.
المراجع:
1- الدكتور إبراهيم السامرائي: مقدمة في تاريخ العربية. 1979
2- عبد المنعم محمد جاسم: لغة الضاد لغة العصر والأدب والبيان، مجلة الدوحة، عدد 44، 1979.
نجوى جابر
أستاذ أول مميز تعليم ثانوي. المعهد الثانوي محمد علي بصفاقس. تونس
شادية جابر
أستاذ مشارك تعليم عالي. المعهد العالي للبيوتكنولوجيا بالمنستير. المنستير. تونس
تواصل: sirsina@yahoo.com
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة