تُعتبَر الطبيعة مصدراً لا ينضب للإلهام والجمال، لأنها تحتضن بيئات متنوعة، وتشكيلات طبيعية ساحرة تحبس الأنفاس. ووراء هذا الجمال يكمن دورٌ مهمٌ للكيمياء في خَلق مناظر رائعة تأخذ بالألباب وتنال كل إعجاب. تَدرس الكيمياء تركيب المواد وخصائصها وتفاعلاتها في مختلف الأنظمة والعوامل الكيميائية التي تتداخل فيما بينها، لخلق لوحات طبيعية فريدة من نوعها. فمثلاً، يسهم تفاعل العوامل الجوية مع المعادن والصخور في تشكيل التضاريس الجبلية، حيث يتفاعل الماء والأكسجين في الهواء مع المعادن لتكوين تشكيلات صخرية وظاهرة للعيان تعكس سحر الطبيعة.
منظمة المجتمع العلمي العربي
إضافةً إلى ما يوجد في بطن الأرض من الأحجار الكريمة التي تشتهر بجمالها وندرتها، وهي مركّبات معدنية تشكّلت عبر عملياتٍ كيميائية طويلة ومعقدة في الأعماق الجيولوجية للأرض، وتتنوع ألوانها بفضل التركيب الكيميائي المختلف لكل حجر، فعلى سبيل المثال، الزمرد الذي صيغته الكيميائية Be3Al2(SiO3)6 يُعتبَر من الأحجار الكريمة الخضراء الجميلة والثمينة. و يعود لونه الأخضر إلى وجود الكروم والفاناديوم في تركيبه الكيميائي، في حين يعزى لون الياقوت الأزرق وصيغته الكيميائية Al2O3 إلى وجود الحديد والتيتانيوم، وبالتالي فإنّ تحليلنا الكيميائي للأحجار الكريمة يساعد على فهم تركيبها وأصلها، وسر مظهرها الجمالي.
ومن المدهش أن العوامل الكيميائية ليست مقتصرة فقط على الصخور والتضاريس، بل تتداخل أيضاً في عالم النباتات والحيوانات. فالكيمياء النباتية تلعب دوراً حاسماً في تكوين الأصباغ التي تخلق الألوان الزاهية في أزهار النباتات، حيث تتفاعل المركبات الكيميائية الموجودة في الأزهار مع الضوء، وتنتج مجموعة متنوعة من الألوان التي تجذب الحشرات وتضفي جمالاً لا مثيل له على المشهد الطبيعي. ولتوضيح ذلك أكثر يمكن القول إنّ الكلوروفيل هو نوعٌ من الصبغات الخضراء الموجودة في أوراق النباتات، ويعتبر مسؤولاً عن اللون الأخضر الزاهي، و جزءًا مهماً في عملية التمثيل الضوئي للنباتات، حيث يتفاعل مع ضوء الشمس لتوليد الطاقة الكيميائية التي تستخدمها النباتات في النمو والتطور.
وفي عالم الحيوان ترجع الألوان المتنوعة في ريش الطيور، وأجسام الحشرات إلى تفاعلاتٍ كيميائية معقدة، حيث يحتوي الريش والجلد والقرون على مركّبات تسمى الأصباغ، والتي تمنحها ألواناً مختلفة. وهناك نوعان رئيسيان من الأصباغ: الكاروتينويدات (صبغ الجَزَارين)، والميلانين، الكاروتينويدات، وهي عبارة عن مركبات عضوية توجد في النباتات وتعطيها الألوان البرتقالية والصفراء والحمراء. أمّا الميلانين، فهو مركب كيميائي يوجد في الحيوانات، ويعطي الألوان البنية والسوداء.
وكما تسهم الكيمياء في تشكيل الألوان في الطبيعة، فإنها تلعب أيضاً دوراً هاماً في تكوين المياه الصافية والبحيرات الزرقاء، ومردّ ذلك إلى تفاعل المعادن والمواد الكيميائية الموجودة في المياه مع الضوء، لإنتاج ظاهرة الانكسار فتعكس لأعيننا الألوان الزرقاء و الفيروزية التي نراها.
إنّ دور الكيمياء في إضفاء جمال طبيعي على الأرض ليس حكراً على الأماكن البعيدة والغابات الكثيفة فحسب، بل يمتد أيضاً إلى المشاهد الحضرية والمدن المزدحمة. فعلى سبيل المثال، يعمل التفاعل الكيميائي بين الملوثات الجوية، و بعض العوامل الجوية على خلق ظاهرة الإضاءة الحضرية، التي تتلألأ في الليل لتعكس جمال المدينة وتخلق أجواء ساحرة للناظرين.
ولا يتوقف تأثير الكيمياء على رسم المناظر الطبيعية الجميلة على الأمور المرئية، بل يشمل أيضاً العطور، التي تملأ الهواء بعبقها. فالعطور الطبيعية تتكون من مركبات كيميائية تنتجها النباتات بصفة عامة أو الحيوانات (عطر العنبر الذي يستخرج من بطن الحوت) وتعزز جمال الطبيعة وتثير الحواس.
يمكن القول إنّ الجمال الذي نراه في الطبيعة أو نحسه هو نتاج تفاعلاتٍ كيميائية تحدث بين المواد والعوامل الطبيعية، لتشكل مناظر طبيعية ساحرة، وتضيف عناصر جمال وإثارة لمحيطنا. إن فهم وتقدير هذا التأثير الكيميائي يمكن أن يزيد من الفهم للعالم الطبيعي ويحفز على الحفاظ على روعته واستدامته.
كما لا ينبغي أن نغفل أنّ الكيمياء تلعب دوراً حاسماً في حماية البيئة والحفاظ على جمالها الطبيعي. فتطبيق مبادئ الكيمياء الخضراء واستخدام تقنيات صديقة للبيئة يساهم في الحفاظ على التوازن البيئي والحدّ من التلوث الناتج عن العمليات الكيميائية.
المراجع
– How chemistry colors our world, Rob van Daalen, National Chemistry Week. October 2015.
– https://edu.rsc.org/download?ac=14870 [13.11.2023, 16:30]
– The Chemistry of Plants: Perfumes, Pigments and Poisons, 2nd Edition, Margareta Séquin, Royal Society of Chemistry, 2021
تواصل مع الكاتب: belkheirinadji@yahoo.fr
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة
