تتزايد أهمية الترابط بين المياه والطاقة والغذاء مع ارتفاع الطلب على هذه الموارد الحيوية. وتواجه العديد من مناطق العالم بالفعل تحديات أمنية متعلقة بهذه الموارد، مما يؤثّر سلباً على النمو الاقتصادي المستدام. وتتعلق هذه التحديات بعوامل مادية مثل: التغيرات المناخية التي تزيد في الضغوط على توافر المياه والطاقة والغذاء والطلب عليها، وعوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية مثل النمو الديموغرافي وسوء الإدارة.
منظمة المجتمع العلمي العربي
في دراسةٍ علمية جديدة قام فريق دولي من الباحثين تحت إشراف مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية، في المملكة العربية السعودية، بتحليل تأثيرات تغير المناخ على ندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتأثيرات الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على ندرة المياه في المنطقة، وتأثيرات هذين العاملين على الموارد المائية، وبالتالي على الإنتاج الزراعي وإنتاج الطاقة أي العلاقة بين المياه والطاقة والغذاء. وقد نُشرَت الدراسة في فبراير الماضي في دورية "Frontiers in Environmental Science" العلمية.
ويقول المؤلفون إن العلاقة بين المياه والطاقة والغذاء تعتبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ذات أهمية خاصة لاستدامة المنطقة واستمرار نموها، حيث أنها تواجه إجهادًا مائيًا وتتميز بمعدل هطول أمطار شديد التباين بسبب ظروفها الجغرافية والمناخية.
وعلى الرغم من أن حكومات المنطقة قد نجحت نسبياً حتى الآن في تلبية احتياجات السكان من المياه من خلال عدد من الحلول مثل: بناء السدود وأنظمة توفير المياه الجوفية، والحد من التسربات، وتحلية المياه، وإعادة الاستخدام، ونقل المياه، فإنّ نصيب الفرد من إمدادات المياه آخذٌ في الانخفاض بفعل تزايد عدد السكان، وزيادة التحضر وتوسيع نطاق الزراعة المروية، والمحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، إلى جانب تطوّر قطاعي الصناعة والسياحة.
وبحسب الدراسة، فإن البيانات المناخية التاريخية المتعلقة بكميات الأمطار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تظهر اتجاهاً سلبياً على المستويين الوطني والإقليمي. ومن المتوقع أن ينخفض متوسط الجريان السطحي السنوي وتوافر المياه في المستقبل بسبب تأثيرات تغير المناخ، مع ارتفاع درجات الحرارة والحرارة القصوى، مما يزيد في معدلات التبخر العالية وتقليل رطوبة التربة، وبالتالي زيادة متطلبات الري.
ومن ناحيةٍ أخرى، تعتمد المنطقة بشكلٍ كبيرٍ على الوقود الأحفوري لإنتاج الكهرباء. وكثيراً ما يُستكمل الاعتماد على الوقود الأحفوري بواردات الطاقة، مما يعني أن قطاع الطاقة قد يواجه تحدياتٍ خطيرة في المستقبل القريب. ولمعالجة هذه المشكلة، أطلقت بعض دول المنطقة برامج لتطوير الطاقة المتجددة لتنويع مصادر الطاقة لديها وتحقيق أهداف أمن الطاقة والاستدامة البيئية. ونظراً لأن المياه ضرورية لتوليد الكهرباء، فإنّ خيارات سياسة الطاقة التي تركّز على تقنيات توليد الكهرباء الأكثر كفاءة في استخدام المياه مثل الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح، يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على الموارد المائية وعلى التنمية.
ويُظهر تحليل نتائج ندرة المياه الحالية والمتوقعة الذي قام به الباحثون في الدراسة، بناءً على نموذج تقييم متكامل قاموا بتطويره، اتجاهاً عاماً تصاعدياً في غالبية بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في ظل مجموعة متنوعة من سيناريوهات المناخ والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويعود ذلك لزيادة الضغط على الموارد المائية (زيادة الطلب) نتيجةً للنمو السكاني والتنمية وعوامل أخرى. وقد لاحظ الباحثون أن نتائج مؤشر ندرة المياه متّسقة إلى حد ما بين ثلاثة نماذج مناخية مستخدمة (الجافة والمتوسطة والرطبة)، مما يشير إلى أن ندرة المياه يهيمن عليها الطلب على المياه، وليس توافرها المتأثر بالمناخ (المياه السطحية والجوفية). واستنتج الباحثون أن ندرة المياه في جميع أنحاء المنطقة ستتفاقم بشكلٍ ملحوظٍ خلال العقود القليلة المقبلة (أي حتى عام 2050) في جميع أنحاء المنطقة. لذلك، من المهم لدول المنطقة أن تكون استباقية في جانب العرض (توسيع المصادر، مثل تحلية المياه وإعادة استخدام المياه) وجانب الطلب (كالكفاءة الزراعية)، كما يقولون.
كما قام المؤلفون بتحليل سيناريوهين لإدارة الموارد المائية ) المياه المحدودة، وغير المحدودة( بشكلٍ مقارَن لفهم آثار تقييد استخدام المياه، في محاولةٍ للحدّ من الطلب عليها لاستخدامات متعددة. وتبين أن تقييد المياه يترجم إلى تأثيراتٍ على استخدام المياه في الإنتاج الزراعي، بالنسبة لبعض أنواع المحاصيل. ويمكن للبلدان تحسين عائدها من المياه عن طريق اختيار مزيجٍ مختلفٍ من المحاصيل، الأمر الذي سيؤدي إلى تحسين مردودية المياه الزراعية المستخدمة.
ويشير تحليل نتائج ندرة المياه كذلك إلى حدوث انخفاضاتٍ كبيرة نسبياً في الإنتاج الزراعي في شبه الجزيرة العربية حيث سيصل الانخفاض إلى ثلاثة أضعاف الإنتاج المتوقع في ظل سيناريو وفرة المياه. وسيكون الانخفاض الإجمالي في اليمن بنسبة 60 % تقريبا نتيجة لتقييد الطلب على المياه. هذا الانخفاض في إنتاج السلع الزراعية الذي ينشأ نتيجة لتقييد المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يعني بالضرورة انخفاضاً في استهلاك السلع الزراعية، ممّا يتطلب زيادة الاعتماد على الواردات الزراعية. وستكون نتيجة هذه التغيرات في معدلات التبادل التجاري هي انخفاض الإيرادات الزراعية بقيمة تراكمية تزيد عن 1.2 تريليون دولار في منطقة شبه الجزيرة العربية، على سبيل المثال، بحلول عام 2100.
وفيما يتعلّق بأمن الطاقة، يتوقّع المؤلفون أن تتحمل البلدان التي تعاني من ظروف الإجهاد المائي الأكثر شدة، مثل العراق ودول الخليج العربي واليمن، تكلفة أعلى بسبب الاستثمارات الإضافية في تقنيات الطاقة، وخيارات التبريد المكلفة. وقد قدروا قيمة الاستثمارات الإضافية للفرق بين سيناريوهات المياه المحدودة والمياه غير المحدودة بأكثر من 100 مليار دولار. لكنهم أشاروا إلى أن الاستثمار في الطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية سيعود بفائدةٍ مزدوجة تتمثّل في تقليل استخدام المياه وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة من قطاع الطاقة في نفس الوقت.
وخلص الباحثون إلى أن إدارة العلاقة بين المياه والطاقة والغذاء في المنطقة، وتلبية الاحتياجات المائية المستقبلية لجميع القطاعات تمثّل تحدياً استراتيجيا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في السنوات القادمة. وفي بعض أجزاء هذه المنطقة، قد تؤدي التأثيرات المجتمعة للنمو السكاني وزيادة التقلبات الهيدرولوجية وتغير المناخ إلى زيادة الاعتماد على خيارات إمدادات المياه كثيفة الاستهلاك للطاقة نسبياً. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تستمر الزراعة في فرض ضغوطٍ كبيرة على إمدادات المياه المتناقصة في المنطقة. ولا تفرض هذه العلاقة تحديات على الاستدامة فحسب، بل أيضًا تحديات على أمن الغذاء والطاقة والمياه في المنطقة، وتحسين استقرارها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
المصادر
– Impacts of water scarcity on agricultural production and electricity generation in the Middle East and North Africa
– https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fenvs.2023.1082930/full
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة