مقتطفات من حديث صادق ولطيف عن تجربة شخصية عاشها أنطوان زحلان بكل تفاصيلها في بداية حياته في مدينته حيفا قبل النكبة، يرويها لنا في آخر سنوات عمره بعد أن ألبسها حكمته وعصارة فكره وتجربته.
منظمة المجتمع العلمي العربي
كانت وما تزال بلادنا مسرحاً لحروبهم، وكنا وما زلنا غير قادرين على حماية أنفسنا منهم، ونفتقد القدرة على الدفاع عن أنفسنا، والحكومات العربية كانت وما زالت لا تقيّم طبيعة وأهمية القدرات الصناعية، ولم تتخذ الإجراءات المناسبة لامتلاك المعرفة عنها حتى تخفف من القدرة التدميرية للفجوة التكنولوجية مع الخصوم..
نكمل ما بدأناه مع مقتطفات من مقدمة كتاب “العلم والسيادة” مع شاهد العيان في فلسطين قبل النكبة، الدكتور أنطوان زحلان، حيث يقول:
“عندما انضمت إيطاليا إلى ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، توسعت مساحة الحرب إلى شمال أفريقيا، واحتل الإيطاليون اليونان. وهكذا أصبحت حيفا، التي كانت محطة حيوية للنفط العراقي، هدفاً استراتيجياً هاماً للطائرات الحربية الإيطالية. وفي يوم مشمس طارت طائرتان قاذفتان إيطاليتان فوق خزانات النفط قرب مدينة حيفا وألقتا قنابلهما. كانت القوات البريطانية غير مستعدة للهجوم، ولم يكن لديها أسلحة مضادة للطائرات لترد الهجوم. وفي الواقع، كما أذكر، استمرت النيران مشتعلة لأشهر، لأن البريطانيين في ذلك الوقت لم يكونوا يمتلكون حتى الوسائل التي تمكنهم من إخماد مثل هذه النار العظيمة.
وعندما وصل الألمان إلى العلمين زادت الأهمية الاستراتيجية لحيفا بشكل هائل؛ فقد نقلت هيئة أركان الأسطول البريطاني في شرق المتوسط من الإسكندرية إلى حيفا.
ولم تحاول القوات الجوية الإيطالية أن تهجم مجدداً على حيفا بعد أن أحضر البريطانيون دفاعات متواضعة ضد الطائرات. لكن القوات الجوية الألمانية قامت بهجمات مذهلة على الأسطول البريطاني المتجمع في خليج حيفا. كنا نراقب لساعات المعارك بين الأرض والجو، بين البحرية البريطانية والقوات الجوية الألمانية. كانت مشاهدة مذهلة لأنواع مختلفة من التكنولوجيات والشجاعة والمهارة.
محاولات بطولية متعددة للطيارين الألمان، ومقاومة لا تمل من البحرية البريطانية أدّت إلى إسقاط طائرة، ولكن لم تغرق أية سفينة. هذه الملاحظات ليست مبنية على تفحص أي تقرير عسكري، ولكن على المراقبة المباشرة مني وأنا أجلس على الشرفة التي تمتلك منظراً بديعاً لخليج حيفا. وبالطبع حُرمت بعد ذلك من المنزل ومن المنظر.
وقد علمتني تلك الاستعراضات للقوة ما كنا نفتقده للدفاع عن أنفسنا. كان من الواضح أن القيادة الفلسطينية التي كانت تسعى إلى إيجاد طريقة لتجنب تدمير بلدنا، لم تكن تدرك طبيعة القدرات الصناعية.
وحيث إن مجتمعي كان يمتلك معلومات ضئيلة عن طبيعة القدرات الصناعية، فقد فشل في اتخاذ الإجراءات المناسبة لامتلاك المعرفة عنها حتى يخفف -على الأقل ـ-من القدرة التدميرية للفجوة التكنولوجية مع الخصوم”.
إن امتلاك العلم والمعرفة قوة وحماية، فمتى تدرك الحكومات العربية ذلك؟
امتلاك وليس استيراد ومظاهر..
ثم يكمل الدكتور زحلان: “وقد فرحنا عندما علمنا أن جامعة الدول العربية قد تشكّلت، وأن الدول العربية كانت قلقة حول ما كان يجري في فلسطين. ولكننا لم نكن ندرك أن الدول العربية لم تكن بوضع أفضل من قياداتنا في فلسطين.
كانت المرحومة زوجتي متخصصة في تاريخ دول الخليج العربي. وقد كتبت كتاباً سجّلت فيه، كم كان سكان الخليج رائعين ومساندين [للفلسطينيين]. ولكن للأسف كان سكان الخليج حتى أكثر عجزاً عما كنا عليه نحن في فلسطين. وبالرغم من كل إيمانهم بالعدالة وجهودهم المستمرة على امتداد سنوات عديدة، فقد كان تأثيرهم محدوداً في الأحداث التي وقعت. فالحكومات العربية كانت ومازالت لا تقيّم طبيعة القدرات الصناعية.“
يمكننا التذكير أن هذه الأحداث التي يرويها الدكتور زحلان كانت أيام الحرب العالمية الثانية وقبل النكبة، أي قبل أكثر من 75 سنة، ونحن ما زلنا كما كنا رغم تغير المظاهر…
تواصل مع الكاتب: mmr@arsco.org
1- فلسطين قبل النكبة
2- نظرة على الجانب الفلسطيني
3- مقاومة التغير التكنولوجي
4- القدرات الصناعية (أنت هنا)