إن الغرب والصهاينة يوقنون بهذه الحقيقة، ولذلك تراهم (ومن خلال مستشاريهم) يوهمون ضعاف النفوس منا والمفتونين بهم أن العلم لا يؤخذ إلا باللغة الانجليزية أو الفرنسية، وأن اللغة العربية التي كانت لغة العلم العالمي على مدى عقود طويلة، لا تصلح له. بينما لغة يكاد يُعدّ المتحدثون بها والمتشتتون في أصقاع الأرض، تصلح لتدريس الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء وغيرها، بل وتأخذ أولى جامعتهم وقبل تأسيس دولتهم اسم "الجامعة العبرية" نسبة إليها وتأكيداً على تدريس كل المواد العلمية بها، والإعداد لهذا الغرض.
وفي هذا المقال، سنذكر ملامح من وضع الفلسطينيين في ذلك الوقت، ووضع العلم لديهم. سنستعين بما سطره شاهد عيان هو الدكتور أنطوان زحلان عن تجربته الشخصية، فهو مواطن فلسطيني من مواليد حيفا في عشرينيات القرن العشرين، أي قبل النكبة، والتي حدثت وهو في العشرينيات من عمره، أي أنه كان واعياً بما يجري، خاصة وأنه في مدينة تعتبر من أكبر مدن فلسطين في ذلك الوقت. يقول في مقدمة كتابه "العلم والسيادة":
"عندما كنت طفلا أنمو في حيفا في فلسطين، كان من البديهي بالنسبة إليّ أن حياتنا كانت متداخلة في شباك العلم وتطبيقاته ونواتجه. ولم تعلّم المدرستين الابتدائية والثانوية في حيفا العلوم، ومع ذلك فإن الأحداث حولي حدثتني بقصة مختلفة. لم يكن أحد من عائلتي يعرف الكثير من العلم، أو يأبه لذلك، كما لم يكن هنالك مكتبات لاستعارة كتب منها، ماعدا مكتبة المركز الثقافي البريطاني التي لم يكن فيها قسم للأطفال.
ولم يكن بمقدور الأطفال أو الراشدين أن يتجنبوا رؤية أننا "السكان الأصليين"، نفتقد القدرة على مقاومة "التسونامي" الذي كان يغمرنا وما حولنا. وبالرغم من أننا لا نملك أي سلاح، فقد تم تفتيش منزلنا عدة مرات من قِبل الجنود البريطانيين. وقد انزعجت والدتي كثيرا، ولكن لم يكن بإمكانها أن تفعل أي شيء ما عدا أن تنادي والدي، الذي هو أيضاً لم يكن يستطيع أن يفعل أي شيء لوقف هذا التعدي على حرمتنا. وهكذا عندما بلغتُ سن الثامنة كنت قد أصبحت معتاداً على حسّ عميق بالعجز".
… نعم، بالعجز والضعف والقهر… من معرفتي الشخصية بالدكتور زحلان، علمت أنه درس في حيفا الابتدائية والثانوية في مدرسة تدرّس بالإنجليزية، ولكن كما يذكر هو، لم تدرّس تلك المدرسة العلوم للطلاب الفلسطينيين. ولم يكن هناك جو علمي أو اهتمام بالعلم في المجتمع الفلسطيني ولا توجد مكتبات.. وفوق ذلك، كان الاحتلال البريطاني الذي لا يألو جهداً في مساعدة ودعم الصهاينة على بناء المعاهد العلمية والتمكين لها، مادياً معنوياً، فيُذكر أن بلفور صاحب الوعد المشؤوم والعديد من الشخصيات البريطانية حضرت حفل تأسيس الجامعة العبرية في القدس، في حين كان يقهر المواطنين الفلسطينيين بالقوة ويستبيح كل حرماتهم، ولا يمكنهم من العلم.
إن البريطانيين والصهاينة يعرفون تمام المعرفة أهمية العلم، وأنه قوة وسلاح لمن يحسن استخدامه وتطويعه لمشروعه، لذلك تبدو الصورة واضحة، دعم لجهة وقهر لأخرى. ولكن، ليسوا هم السبب الوحيد للضعف والعجز والجهل، فالأوضاع في فلسطين لم تكن أفضل من معظم محيطها العربي. وكما يقول الدكتور زحلان، في نفس المصدر:" كان من البديهي أن العرب في فلسطين كانوا يفتقدون قدرات مهمة، ما جعل من الممكن لآخرين أن يغزوا بلدنا ويدمروا طريقة حياتنا. وخلال هذه العملية من التطهير العرقي في فلسطين سمعنا بالطبع الكثير من المرتكبين لها ومفاهيمهم للقيم والديمقراطية وحقوق الإنسان!!! "
تواصل مع الكاتب: mmr@arsco.org
1- فلسطين قبل النكبة
2- نظرة على الجانب الفلسطيني (أنت هنا)
3- مقاومة التغير التكنولوجي
4- القدرات الصناعية
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة