إنّ قوة الصوت لها قدرة عجيبة على تحويل الهدوء إلى حركة، والسكون إلى عاصفة. فمنذ الأزمنة القديمة، اكتشف الإنسان قوة الصوت واستخدمها للتواصل. ولكن هل تعلم أنّ الصوت له تأثير عميق لا يقتصر فقط على الأذنين؟ فعلى الرغم من أننا قد نعتقد أنّ الصوت يؤثّر فقط على مشاعرنا وحالتنا المزاجية، إلا أنه في الحقيقة يمكن أن يتراوح تأثيره بعيدًا عن مجرد الأذنين، حيث يمكنه أن يؤثّر على الأجسام الحية وحتى التفاعلات الكيميائية التي تحدث بداخلها.
منظمة المجتمع العلمي العربي
في عالم الكيمياء، يُعتبَر التفاعل الكيميائي "رقصة معقّدة" بين الجزيئات والذرات. ولكن هل يمكن للصوت أن يكون "الموسيقى" التي تعزف لهذه الرقصة الحسية؟ بالفعل، تشير الأبحاث إلى أنّ الصوت يمكن أن يكون فعالًا للغاية في تغيير خطى هذه "الرقصة الكيميائية". فعندما يتعرّض النظام الكيميائي للموجات الصوتية، يحدث تأثيرٌ مدهش، فيتحول الهدوء المرتبك إلى تناغم، والسكون المكتوم إلى طاقة متفجرة.
من خلال دراسات مكثفة، تمّ اكتشاف أنّ الصوت يمكن أن يسرّع التفاعلات الكيميائية، ويؤدّي إلى تشكيل مركبات جديدة بسرعةٍ مذهلة. فكأنه "قائد موسيقى" يوجّه الجزيئات والذرات "للرقص على أوتار الكيمياء". ولكن التأثير لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعدّاه ليؤثّر على الخواص الفيزيائية والكيميائية للمواد، ويمكن أن ينتج عنه تحسينات هائلة في الأداء والكفاءة 2،1.
ونذكر هنا بعض آليات تأثير الصوت على التفاعلات الكيميائية:
1- التأثير المباشر: يقوم الصوت بالتأثير مباشرة على تركيب الجزيئات المشارِكة في التفاعل، حيث يتسبّب في تغيراتٍ طفيفة في المسافة بين الجزيئات وزوايا الروابط الكيميائية. هذه التغيرات يمكن أن تؤثّر على توزيع الشحنات الكهربائية، والكثافة الإلكترونية في الروابط الكيميائية، مما يؤدي إلى تغييرٍ في اتجاه التفاعل الكيميائي، وبالتالي في نواتجه.
2- عدم التوافق الترددي: يمكن للموجات الصوتية أن تتفاعل بشكلٍ أكبر مع بعض تردّدات الروابط الكيميائية مقارنةً بتردداتٍ أخرى. وعندما يحدث هذا التوافق الترددي، تتأثّر طاقة على بعض الوظائف الكيميائية، مما يؤدي إلى زيادة نسبة تفاعلها مقارنةً بوظائف أخرى.
3- تسريع التفاعلات الكيميائية: يمكن للصوت أن يساهم في تسريع التفاعلات الكيميائية، من خلال زيادة حركة الجزيئات وتحريكها بشكلٍ أسرع. فعند تعرُّض النظام الكيميائي لموجاتٍ صوتية، ينجم عنه تداخل بين هذه الأخيرة، والحركة الحرارية العشوائية للجزيئات ما يؤدي إلى زيادةٍ في حركتها، وسرعة تنقلّها داخل الوسط التفاعلي، واحتمالية أكبر في تصادمها. وبالتالي، تسريع التفاعل الكيميائي الحاصل.
فإذا كنت تعتقد أن الصوت لا يملك "سحراً حقيقياً"، فكن على استعدادٍ للدهشة. فالصوت، بقوته العظيمة، يمكن أن يحوّل الجزيئات الثابتة إلى عواصف كيميائية، ويمكن أن يكون المفتاح السري للتحولات الكيميائية العجيبة. ومع كل نغمة تتردد في الهواء، يظهر الصوت في كونه قوة مدهشة لتحفيز التفاعلات الكيميائية، والدفع بالعلوم الكيميائية إلى آفاقٍ جديدة. فلنستمع إلى هذه "السمفونية الكيميائية" ونستكشف القوة الساحرة للصوت في تحويل الأجسام وتغيير مسار التفاعلات الكيميائية.
المراجع:
1. Suslick, K. S., Sonochemistry. Science, 1990, 247(4949), 1439-1445.
2. Mason, T. J., & Lorimer, J. P., Applied sonochemistry: uses of power ultrasound in chemistry and processing. Wiley-VCH. 2002.
تواصل مع الكاتب: belkheirinadji@yahoo.fr
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة