مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

المزايا والمخاطر

الذكاء الصناعي في التعليم العالي والبحث العلمي

الكاتب

الصغير محمد الغربي

صحفي علمي

الوقت

08:54 صباحًا

تاريخ النشر

21, أغسطس 2023

أحدث الذكاء الاصطناعي ثورةً في مختلف المجالات، وتغلغل في العديد من جوانب حياتنا اليومية، مع تطبيقات الإنترنت الشائعة والهواتف الذكية وحتى الأجهزة المنزلية. وقد بدأ يفعل نفس الفعل في مجال التعليم والبحث العلمي، حيث يعدّ الذكاء الاصطناعي مجالًا ناشئًا سريع التطور مما سيوفر إمكانات قوية لتوسيع التدريس وتعزيز التعلم في التعليم العالي ودعم البحث العلمي.

منظمة المجتمع العلمي العربي

يُعرَّف الذكاء الاصطناعي بأنه “أنظمة حوسبة قادرة على القيام بعمليات شبيهة بتلك التي يقوم بها البشر مثل التعلم، والتكيف، والتوليف، والتصحيح الذاتي، واستخدام البيانات لمهام المعالجة المعقدة”. وقد طوّرت بعض التقنيات المرتبطة به فهمنا للذكاء الاصطناعي مثل: تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP)، ونماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، التي يدخل ضمنها تطبيق “تشات جي بي تي-4”.

وفي ورقة علمية جديدة نشرَت في دورية “Research in Social and Administrative Pharmacy” العلمية، ناقش باحثون في السعودية من جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية، تأثير الذكاء الصناعي وتطبيقاته على التعليم العالي والبحث العلمي، من خلال استكشاف مزايا هذه التقنيات وتطبيقاتها المبتكرة. وقدّمت المراجعة نظرةً شاملة حول كيفية قيام الذكاء الاصطناعي بإعادة تشكيل الممارسات التعليمية والبحثية في المستقبل، بما يساهم في تحسين النتائج. كما استعرضت بعض تطبيقاته في مجال البحث العلمي لإنشاء النصوص وتحليل البيانات وتفسيرها ومراجعة الأوراق العلمية والمساعدة في تحريرها، وكذلك في مراجعة الأقران.

دور الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي

بحسب المؤلّفين، يمكن للذكاء الصناعي أن يساعد المدرّسين في الدعم التعليمي، والتعلّم المخصّص من خلال تحليل البيانات المتعلقة بأداء الطلاب وسلوكهم، وتحديد المجالات التي يجد فيها الطلاب صعوبات، إلى جانب تقديم توصيات مخصّصة لتحسين مردودية التعلّم. كما يمكن أن يُستخدَم للمساعدة في تطوير أنظمة التعلّم التي تضبط مستوى صعوبة المهام والتقييمات بناءً على الاحتياجات والقدرات الفردية لكلّ طالب، مما يتيح للمدرسين تقييم الإنجازات التعليمية للطلاب بدقة، وتحديد مجالات التحسين ومساعدة الطلاب على فهم نقاط القوة والضعف لديهم أثناء تطوير عادات الدراسة الفعالة. بالإضافة إلى ذلك، يساعد الذكاء الاصطناعي في تطوير خطط تعلم فردية، مع مراعاة أسلوب التعلم لكل طالب واهتماماته وأهدافه، مما يؤدي إلى نتائج أكاديمية أفضل.

وأشار المؤلفون إلى أنّ البحث حول أتمتة الدرجات والتقييم باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومعالجة اللغات الطبيعية، نما بشكلٍ ملحوظ في السنوات الأخيرة. وقد تناولت العديد من الدراسات كيفية مساهمة هذه التقنيات في تعزيز كفاءة إسناد الدرجات، وزيادة دقتها واتساقها. وأظهرت هذه الدراسات ارتباط تطبيق تقنيات الذكاء الصناعي في مجال تقييم مكتسبات الطلاب التعليمية بالعديد من المزايا مثل: توفير وقت المدرسين وجهدهم مقارنةً بالعمليات اليدوية. كما أظهرت أيضاً أنّ هذه التقنيات تجعل التقييم أكثر اتساقًا ومنهجية مع تحليل البيانات المتعلقة بأداء الطلاب وتقديم رؤى حول المجالات التي قد يعاني فيها الطلاب أو يتفوقون فيها. ويمكّن استخدام تقنيات الذكاء الصناعي المدرسين من تطوير معايير تقييم مصممة خصيصاً لتناسب أساليب التدريس الخاصة بهم، وتعكس نتائج الدرس الذي يوفر تقييماً حقيقياً لإنجازات الطلاب.

كما تمتلك تقنيات الذكاء الاصطناعي القدرة على تسهيل تطوير المناهج ومواءمتها مع احتياجات سوق العمل. ويمكنها المساعدة في مواكبة الأساليب التربوية الناشئة وسوق العمل المتطور من خلال تبسيط تصميم الدورة، وتحديد أهداف التعلم، واستنباط منهجيات التقييم، بما يضمن اكتساب الطلاب المهارات والمعرفة اللازمة للوظائف التي يختارونها.

دور الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي

يقول مؤلفو الدراسة الجديدة إنّ تقنية “تشات جي بي تي” ونماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى، أحدثت تطورات جديدة في كيفية صياغة نصوص البحوث العلمية. وهذه النماذج يمكن تدريبها على كمياتٍ كبيرة من البيانات العلمية لإنتاج نصوص علمية عالية الجودة بناءً على تعليماتٍ محددة. وخلال هذه العملية، يقوم الباحثون بإدخال البيانات مثل: الأوراق البحثية والمقالات لإنشاء نص علمي، ثم يتولى نموذج الذكاء الاصطناعي بعد ذلك تحليلها وتوليفها لإنشاء نص علمي يعكس بدقة بيانات الإدخال. وتمكّن هذه العملية الباحثين من توفير وقت وجهد كبيرين حيث لم يعد عليهم قراءة الأوراق البحثية، أو كتابة أقسام معينة.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يوفر استخدام الذكاء الاصطناعي نقطة انطلاق وتحسين جودة المنشورات العلمية، إلى جانب مساعدة الباحثين على التأكّد من أن الملخّصات والمقدمات والاستنتاجات ملائمة ودقيقة. وتعدّ هذه الخطوة مهمة بشكلٍ خاص لمجالات الصيدلة والطب، حيث يمكن أن تؤثر الدقة في المنشورات العلمية بشكلٍ كبير على السلامة والصحة العامة. كما توفر أدوات الذكاء الاصطناعي، وفق الباحثين، حلولاً واعدة لتنسيق الأوراق العلمية وتحريرها. وتتمثل إحدى ميزاتها الرئيسية في قدرتها على تحليل الأخطاء اللغوية بسرعة وكفاءة ومن ثم تصحيحها، مما يحسّن قابلية قراءة البحوث ووضوحها.

وقد أحدثت تقنيات الذكاء الاصطناعي ثورة في استخراج البيانات وتحليلها عبر مختلف التخصصات، وأثبتت إمكانات كبيرة في مجالات مثل المعلوماتية الحيوية، واكتشاف الأدوية، والتجارب السريرية، وتحليل الصور، والصيدلة، والصحة العامة. ورغم أن تطبيق “تشات جي بي تي” على سبيل المثال، لا يمكن أن يحلّ محل العلماء في توليف جزيئات جديدة أو تقييم الأنشطة البيولوجية للمركبات المقترحة، فإنه يوفر طريقة سريعة وفعالة من حيث التكلفة لمعالجة مجموعات البيانات الكبيرة وتوصيفها، كما يقول الباحثون في الدراسة.

وقد مكّنت التطورات في الذكاء الاصطناعي أيضًا، من أتمتة عملية مراجعة الأدبيات العلمية، مما جعلها أسرع وأكثر كفاءة. وتتمثل الميزة الأساسية للذكاء الاصطناعي في مراجعة الأدبيات العلمية في قدرته على معالجة كمياتٍ هائلة من البيانات بسرعة وكفاءة، بما يمكّن الباحثين من توفير الوقت، ويسمح لهم بالتركيز على جوانب أخرى من مشاريعهم.

عيوب ومخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي والبحث

رغم كل هذه المزايا، يرى المؤلفون أنّ استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، لا يخلو من العيوب والمخاطر التي يجب أخذها بعين الاعتبار. فالموازنة بين استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والمشاركة البشرية في التعلّم أمر ضروري بالنظر لأهمية تواصل المتعلم مع الآخرين نظراً للتأثير الكبير للسلوك العاطفي الإيجابي والتعاطف على أداء المتعلمين.

ومن المخاطر الأخرى، إمكانية استخدام الطلاب تطبيقات الذكاء الصناعي لتوليد إجابات للواجبات أو الاختبارات بدلاً عنهم، لتتحول هذه الأدوات في حدّ ذاتها إلى عوائق أمام علمية التعلم، مما يحتّم إدارة استخدامها بعناية ودعمها باستراتيجيات تشجع على الفهم والتعلم الحقيقي. وقد يقلّل الاعتماد المفرط على أدوات الذكاء الاصطناعي من تطوير مهارات التفكير النقدي، بأن ينمو الطلاب معتمدين بشكلٍ مفرط على النصائح الناتجة عن الذكاء الاصطناعي بدلاً من اكتساب القدرة على اتخاذ قرارات بشكلٍ مستقل.

أمّا في مجال البحث العلمي فإنّ أدوات الذكاء الصناعي قد تجد صعوبة كبيرة في “فهم” تعقيدات بعض الموضوعات العلمية، وقد تكون مخرجاتها أكثر تعقيدًا من النصوص التي يولّدها الإنسان. وقد يصل الأمر إلى إثارة قضايا أخلاقية مثل الانتحال غير المقصود، أو توليد معلومات خادعة. وعند التعامل مع نتائج جديدة باستخدام مواد مرجعية محدودة، قد يفشل النص الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي في نقل الفروق الدقيقة وسياق “المؤلفين البشريين”، ممًا قد يؤدي إلى المساس بالجودة وسهولة القراءة.

ولضمان الاعتماد الفعال والاستخدام المسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي، يرى مؤلفو الدراسة أنّ المزج المدروس والمتوازن والمتكامل بين أدوات الذكاء الاصطناعي والدعم البشري، يمكن أن يطور أنظمة دعم شاملة مفيدة للباحثين والمعلمين والطلاب في مختلف المجالات.

تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com​

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x