منذ إطلاق تشات جي بي تي أواخر عام 2022، انطلقت "حمّى الذهب" الخاصة بالذكاء الاصطناعي بين شركات التكنولوجيا الكبيرة بحثًا عن فرص الأعمال التي يمكن استثمار نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي فيها. وقد جذب تشات جي بي تي المستخدمين من مختلف المجالات، بما فيها القطاع الطبي، حيث يمكن أن يتم الاستعانة به في الكتابات الطبية، والتوثيق وصولًا إلى التعليم الطبي. ممّا يشير إلى أنّ له تطبيقات مهمة محتملة في هذا المجال. وفي حين أنّ هذه التطورات تولّد مناقشاتٍ مثيرة للإهتمام في المجتمع العلمي، من المهم إلقاء نظرة على ما تذكره الأوراق البحثية حول تشات جي بي تي في الرعاية الصحية.
منظمة المجتمع العلمي العربي
ولعمل ذلك، شرعنا في قراءة ودراسة الأبحاث التي تعمل على تحليل تشات جي بي تي في المجال الطبي، منذ أواخر نوفمبر 2022 حيث كانت الإنطلاقة إلى نهاية شهر أيار – مايو 2023. وعليه، تقدّم هذه المقالة لمحة عامة حول أبرز الموضوعات والقضايا التي تغطيها هذه الأوراق، وذلك في محاولةٍ لتبيان الرأي العلمي الحالي بشأن إمكانات تشات جي بي تي في الرعاية الصحية.
واستنادًا للبحث في قاعدة بيانات المجلات والأبحاث العلمية (Web Of Science)، جرى تحديد أكثر من 35 دراسة عملت على تقييم تشات جي بي تي في المجال الطبي. ومن خلال البحث ظهرت ثلاثة مجالات رئيسية وهي: الاستخدامات السريرية، المساعدة في التعليم، إضافةً إلى البحث العلمي. لن ندخل في تفاصيل كلّ دراسة، بل سيتم تسليط الضوء على الخطوط العريضة للحقول الثلاثة.
الاستخدامات السريرية
لقد جرى اقتراح واختبار عددٍ من حالات الاستخدام السريري المحتملة لتشات جي بي تي من قبل الباحثين. ويشمل ذلك إدارة البيانات السريرية، والتوظيف للتجارب السريرية، بالإضافة إلى المساعدة في صنع القرار. وقد قيّمت الأوراق بعض هذه الإمكانات. فعلى سبيل المثال، قام باحثون في كلية الطب بجامعة هارفارد بتجربة أداة تشات جي بي تي في اتخاذ القرار في الطب الإشعاعي. ووجدوا أنه يستطيع تحديد الخطوات المناسبة للمرضى الذين يحتاجون إلى فحص سرطان الثدي بدقة متوسطة. وفي دراسةٍ أخرى، أظهر نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي دقة عالية في تحديد سير العمل السريري لحالات المرضى.
ومع ذلك، فقد أثار الباحثون أيضًا إشكاليات مرتبطة بالاستعانة بـ تشات جي بي تي في الاستخدامات السريرية. فهذه النماذج عرضة للتحيزات المضمّنة في مجموعة بيانات التدريب التي تكون عادةً من مصادر عبر الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تولد هلوسات أو مخرجات غير منطقية قد تبدو مقنعة للوهلة الأولى لكنها في الواقع مضللة أو مختلَقة تمامًا.
المساعدة في التعليم
بالنظر إلى تفاعلات الأسئلة والأجوبة في تشات جي بي تي، يبدو أن مثل هذه التطبيقات لتدريب طلاب الطب وإبلاغ المرضى تعدّ خطوة منطقية. وقد اختبر الباحثون كفاءة الأداة في مثل هذه المواقف. ومن خلال تقييم أدائها في إمتحان يسمى "فحص الترخيص الطبي في الولايات المتحدة"، وجدت دراسة أن درجة تشات جي بي تي يمكن مقارنتها بدرجة طالب طب في السنة الثالثة. وتضمّن الإمتحان أسئلة في مجالات مختلفة، كالمعارف العلمية والمنطق السريري وأخلاقيات علم الأحياء، وما إلى ذلك. واقترح الباحثون استخدام تشات جي بي تي كأداة تعلّم تفاعلية عند الطلب للطلاب والمناقشات الجماعية. فيما وجد آخرون أنه يمكن أن يساعد المعلمين الطبيين في صياغة محتوى دورات تدريبية والتقييمات الخاصة بهم.
لكن من جهةٍ أخرى، قام باحثون آخرون بتقييم ردود تشات جي بي تي على الأسئلة المتكررة المتعلّقة بإدارة ورعاية مرضى تليف الكبد وسرطان الخلايا الكبدية. ووجدوا أنّ غالبية الإجابات كانت دقيقة، إلّا أنها لم تكن كافية، مما يشير إلى أن الأداة يمكن أن تكون عنصرًا مكملًا لتثقيف المرضى. غير أنّ الباحثين يوصون أيضًا بالإشراف على المعلومات والحذر منها خشية أن تكون غير صحيحة، وبالتالي يمكن أن يُساء تفسيرها.
الكتابة والبحث العلمي
نظرًا لقدرته في توليد النصوص، بحث الأكاديميون في مساهمة تشات جي بي تي في الكتابة العلمية. ووجدوا أنّ مساعدته قد تشتمل على تلخيص البيانات، وصولًا إلى كتابة مسودة كاملة للورقة. وفي هذا السياق، قامت مجموعة من الباحثين بإجراء مقارنة بين مقالات المجلات العلمية من إنتاج البشر وأخرى من إنتاج تشات جي بي تي. وقد كشفت الإختبارات أنه بينما كانت الأداة أكثر كفاءة في توفير الوقت، أظهر المؤلفون أداءً أفضل من حيث المحتوى العلمي والمصداقية.
ولمواكبة استخدامات تشات جي بي تي في الكتابة الأكاديمية، قامت العديد من المجلات العلمية بتحديث سياساتها حول استخدام الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الكتابة، مشيرةً إلى وجوب تحديد أماكن الاستخدام، وإجراء الفحص الدقيق على المخرجات. وفي ظلّ افتقار هذه الأدوات الذكية للتفكير النقدي، وعدم دقة المحتوى، إلى جانب قضية المساءلة، يقترح الباحثون اعتماد تشات جي بي تي في إعادة صياغة وتشكيل النصوص.
ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الأوراق درست تشات جي بي تي إصدار 3.5. فشركة "أوبن ايه آي" قد أطلقت "جي بي تي 4" في شهر مارس الماضي، وقالت إنّ النموذج الجديد سيكون أكثر موثوقية وأقلّ تحيّزًا. حيث انخفض معدل الهلوسات مقارنةً بـ تشات جي بي تي – 3.5 بنسبة 40%. وبالتالي نفترض أنّ المزيد من التحسينات ستأتي مع الإصدارات القادمة ما قد يشير إلى إمكانية التغلّب على بعض القيود التي تمّ ذكرها في المقالة.
تواصل مع الكاتب: m.maaz@arsco.org
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة