أصبح تلوث الهواء من بين أهم مسببات الوفيات عالميا في السنوات الفارطة. وتظهر مجموعة كبيرة من الأدلة العلمية أن استنشاق الهواء الملوث على مدى فترة طويلة من الزمن يساهم في زيادة خطر الإصابة بالأمراض والوفاة. وتشير التقديرات إلى أنه تسبب في 6.67 مليون حالة وفاة في عام 2019 ليكون بذلك رابع عامل خطر رئيسي للوفاة على المستوى العالمي، بعض العوامل المسببة للإصابة بالأمراض المزمنة مثل زيادة الوزن وارتفاع الكوليسترول وسوء التغذية.
منظمة المجتمع العلمي العربي
في دراسة علمية جديدة نشرت في دورية (The Lancet Planetary Health) العلمية، قام فريق من الباحثين بقياس التعرض للهواء الملوث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتأثيره على معدلات الوفيات وعدد السنوات الضّائعة من العمر المتوقع بسبب اعتلال الصحة أو الإعاقة أو الوفاة المبكّرة (DALYs) ومتوسط العمر المتوقع.
وأظهرت نتائج الدراسة أن التعرض للهواء الملوث يخفض من متوسط العمر المتوقع في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ما بين سنة واحدة وست سنوات من متوسط العمر المتوقع. وبينت النتائج كذلك أنه على الرغم من انخفاض العبء المنسوب إلى تلوث الهواء بشكل كبير في المنطقة من عام 1999 إلى عام 2019، لا تزال بلدان المنطقة تعاني من آثار ضارة متفاوتة من تلوث الهواء.
مصادر تلوث الهواء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وزيادة خطر الإصابة بالأمراض والوفاة
تعد منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط جزءًا مما يسمى حزام الغبار، حيث تنشأ معظم العواصف الترابية. وقد زادت التغيرات المناخية إلى جانب التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، من شدة هذه العواصف تواترها بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية.
وأظهرت دراسات علمية سابقة أن استنشاق الهواء الملوث بالجسميات التي يقل قطرها عن 2٫5 ميكرومتر، يساهم على مدى طويل من الزمن في زيادة خطر الإصابة بالأمراض والوفاة. وتشمل المشاكل الصحية الرئيسية المرتبطة بتلوث الهواء، أمراض القلب الإقفارية، وسرطان الرئة، والسكتة الدماغية، ومرض السكري من النوع 2 . ويعمل الباحثون حاليا على استكشاف دور تلوث الهواء في تفاقم أمراض أخرى مثل الربو والاضطرابات المعرفية.
ومع أن المصادر الطبيعية مثل غبار الرياح، تلعب دورًا ملحوظًا في تلوث الهواء في المنطقة، فإنه لا يمكن، وفق الباحثين، تجاهل تأثير مصادر الانبعاث البشرية المتمثلة خاصة في مصافي البترول ومحطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري واتجاهات التنمية غير المستدامة في مجالي البناء والنقل، وفي إنتاج الطاقة المنزلية.
في هذه الدراسة استخدم الباحثون بيانات من دراسة "العبء العالمي للأمراض لعام 2019"، والتي توفر تقديرات عالية الجودة بشأن التدابير الوبائية الحاسمة لـ 286 سببًا للوفاة، و369 مرضًا وإصابة، و87 عامل خطر في 204 دولة ومنطقة. وقاموا بدراسة تأثير تلوث الجسيمات وأنواعها المختلفة الموجودة في الهواء على صحة الأفراد في دول منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حسب الجنس والفئات العمرية ومستويات المؤشر الاجتماعي والديموغرافي.
ورغم انخفاض التعرض للهواء الملوث في بلدان شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط خلال العقود الثلاثة الماضية بنسبة 10.9 بالمائة، فقد سجلت هذه البلدان في عام 2015 أعلى معدلات الوفيات في جميع أنحاء العالم بسبب التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء، كما يقول الباحثون.
400 ألف حالة وفاة بسبب تلوث الهواء
وكشفت نتائج تحليل هذه البيانات كذلك، أن تلوث الهواء تسبب في حوالي 400 ألف حالة وفاة ( 12.8 بالمائة من إجمالي الوفيات)، وساهم في خفض متوسط العمر المتوقع في شمال إفريقيا والشرق الأوسط بنسبة 8 بالمائة . وعلى الرغم من انخفاض العبء المنسوب إلى تلوث الهواء بشكل كبير بين عامي 1999 و2019، إلى أن البلدان في المنطقة لا تزال تعاني من آثار ضارة متفاوتة من تلوث الهواء.
كما أظهرت النتائج تباينا كبيرا بين دول المنطقة الكبرى فيما يتعلق بالعبء الذي يفرضه تلوث الهواء. ففي عام 2019، سجلت أفغانستان ومصر واليمن أعلى معدلات الوفيات وعدد السنوات الضّائعة من العمر المتوقع بسبب اعتلال الصحة أو الإعاقة أو الوفاة المبكّرة والتي تُعزى إلى تلوث الهواء بشكل عام وتلوث الجسيمات على وجه التحديد. وسجلت أدنى هذه المعدلات في كل من تركيا والأردن والكويت.
تأثير تلوث الهواء بسبب الوقود المنزلي الصلب
كما سجلت الدراسة انخفاض التعرض لتلوث الهواء المنزلي من الوقود الصلب بشكل كبير في جميع بلدان المنطقة في العقود الثلاثة الماضية. ومع ذلك، كانت أفغانستان واليمن والسودان هي البلدان التي لديها أعلى معدلات عدد السنوات الضّائعة من المتوسط العمر المتوقع، وأعلى معدلات الوفيات التي تُعزى إلى تلوث الهواء المنزلي من الوقود الصلب. وكان لدى 97٪ من السكان في بقية بلدان المنطقة، إمكانية الوصول إلى وقود نظيف غير صلب من أجل تلبية احتياجاتهم من الطاقة المنزلية.
في المقابل، كانت الدول العربية الغنية في الخليج العربي، بما في ذلك قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، هي البلدان التي شهدت أكبر انخفاض في معدل عدد السنوات الضّائعة من العمر الافتراضي.
خلص مؤلفو الدراسة إلى أنه رغم انخفاض التعرض لتلوث الهواء بشكل عام خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد زاد التعرض لتلوث الهواء المحيط بالجسيمات. وقدروا أن متوسط عمر الإنسان المتوقع في شمال إفريقيا والشرق الأوسط انخفض ما بين سنة واحدة و6 سنوات نتيجة التأثير المشترك لتلوث الهواء المحيط والتلوث المنزلي للجسيمات.
وعلى الرغم من الاتجاهات الإيجابية لبلدان المنطقة في الحد من العبء المنسوب لتلوث الهواء، سجل المؤلفون تباينا كبيرا في هذا التأثير الذي كان عاليا خاصة في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة أو أزمات الداخلية. وكان العبء الناتج عن تلوث الهواء ملحوظًا، خاصة بالنسبة للأمراض غير المعدية.
بحسب المؤلفين، فإن معالجة العبء الناتج عن تلوث الهواء تتطلب فهما عميقا لمصادره الأساسية ووضع استراتيجيات للنقل المستدام، ومصادر الطاقة النظيفة للصناعات والمنازل. كما تتطلب أيضا تظافر الجهود من أجل مكافحة تغير المناخ، مع التأكيد على الدروس المستفادة من التدخلات السابقة من أجل القضاء على عبء تلوث الهواء بين جميع بلدان المنطقة.
المراجع:
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة