لقد تعرّض التعليم خلال السنوات العشر الماضية لعددٍ كبير من الهجمات حول العالم، حيث تمّ رصد حوالي 12700 هجوماً، في 74 دولة، وذلك بين عامي 2013-2017، مقابل 11000 للأعوام 2015-2019، في 93 دولة. وفي اليمن وحدها، تعرّضت المرافق التعليمية لأكثر من ألفَي هجوم بين عامي 2015 و2019. وقد تركّزت الهجمات على التعليم العالي في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، بواقع ثلثي الهجمات على الصعيد العالمي. في حين عانى اليمن من أكبر قدر من العنف والهجمات، بواقع 130 هجومًا بين عامي 2015 و2019، وذلك من بين أكثر من 300 هجوم طال مرافق التعليم العالي في العالم، أي ما يزيد عن 43%، يليها أفغانستان وسوريا ما بين 20 و30 هجمة تقريباً.
وكشفت التقارير الدولية عن تعرّض التعليم لأكثر من 5000 هجوم منفصل خلال عامي 2021-2022. وبحسب البيانات المستخلصة من معهد اليونسكو للإحصاء، والمنشورة في تقرير الألكسو الإحصائي الثاني حول التربية والثقافة والعلوم في الدول العربية 2015-2021، الصادر في مارس 2023، بلغ عدد الهجمات أكثر من 8500، وتصدرت اليمن المرتبة الأولى من حيث عدد الهجمات بواقع 3554 حادثة (40.74%)، وحلّت فلسطين ثانيًا بواقع 2032 هجوم (23.29%)، يليها سوريا بـ 1233 (14.14%)، ثم الصومال 896 (10.27%)، فالعراق 482 بنسبة (5.53%)، ثم السودان 209 بنسبة (2.40%)، تتبعها ليبيا بـ 142 هجوم (1.63%). أما بقية الدول فكان عدد الهجمات أقلّ من 100 حادثة، وجاءت مرتبة على التوالي وبنسب مختلفة: مصر 1.04%، المغرب 0.31%، لبنان 0.25%، الجزائر 0.13%، موريتانيا والبحرين والسعودية 0.07%، تونس 0.03%، الإمارات 0.02%، وأخيرا الأردن 0.01%.
وعلى مستوى استهداف طلاب وأساتذة الجامعات في عددٍ من البلدان، فهناك توثيق لقرابة 850 حالة على الأقلّ استخدمت فيها قوات أمن الدولة، أو الجماعات المسلحة المرتبطة بالحكومات، القوة المفرطة ضد طلاب الجامعات أو العاملين فيها، وحملات قمع واعتقالات، ممّا أسفر عن قتلهم أو إصابتهم أو احتجازهم، وشيوع حالة من الخوف والقلق والتوتر والاضطراب، وتحولت المدارس والجامعات من ملاذاتٍ آمنة، إلى مواقع تدمير وخوف، في ظلّ غياب المساءلة الواضحة لكشف الجناة.
وعند التأمّل في طلبات المتقدّمين للهجرة العلمية، وجمع طلبات اليمنيين والسوريين معاً على سبيل المثال، يتّضح أنّ نسبة الهجرة للعلماء العرب تقترب من 24%، من إجمالي طلبات الهجرة حول العالم، وهي نسبة عالية جدًا، وقد تنبئ بكارثة علمية، حيث ستفتقر المنطقة العربية للعقول العلمية، وهذا ينعكس بدوره على مختلف مجالات التنمية. كما تتعدد مجالات العلماء والباحثين الراغبين بالهجرة فمنها علوم تطبيقية وتقنية وأخرى إنسانية واجتماعية. وفيما يخصّ العلماء العرب فإن معظم طلبات الهجرة العلمية تعود لذوي التخصصات العلمية بنسبة 75%، مقابل 25% للعلوم الإنسانية والاجتماعية.
الدول والمؤسسات الجاذبة للعلماء والباحثين
لقد بلغ عدد الجامعات والكليات المستضيفة حول العالم ما يقارب الـ 75 مؤسسة، تتوّزع بين عددٍ من الدول التي توصَف بالأكثر طلبًا لهجرة العلماء والباحثين إليها وهي: كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، النرويج، سويسرا، السويد، إيطاليا، هولندا، بلجيكا، وفنلندا. وهذا يعني أنّ جهود الإنقاذ لا تزال غربية المصدر، في حين لم تُسجّل إسهامات واضحة لدول عربية أو إسلامية في هذا المجال. ولا توجد منظمات معلَنة قادرة على حماية العلماء والباحثين في المنطقة العربية. وفي هذا الشأن يمكن القول إنه قد آن الأوان لأن يكون هناك كيانات اقليمية كاتحاد الجامعات العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالكسو)، وغيرها من الجهات تقوم بهذا الدور.
ولمعالجة مخاطر الصراع ينبغي أن تقوم الحكومات وأطراف النزاع بمسؤولياتها القانونية والاجتماعية لتحييد التعليم العالي، وحمايته من المخاطر، وتعزيز عمل المنظمات المحلية والدولية لحماية العلماء والباحثين والنازحين.
كما ينبغي على الهيئات الدولية المنوط بها تأمين الحماية للنازحين، كمفوضية شؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، تطوير فهمٍ أفضل للاحتياجات والفرص المتاحة للعلماء وطلاب الجامعات النازحين. ومن شأن ذلك أن يضمن أنّ نزوحهم ليس فترة تتدهور فيها المهارات، بل فرصة للحفاظ على العقول وتنميتها، الأمر الذي يمكنهم من المساهمة في دعم مجتمعاتهم خلال فترة نزوحهم وعند عودتهم إلى الوطن على حد سواء.
ختاما
عندما يتعلق الأمر بإعادة بناء التعليم العالي، فإنّ التدخل في وقتٍ مبكرٍ أمرٌ لا بدّ منه، فالانتظار حتى تصمت المدافع، يمكن أن يحرم جيلاً كاملاً من الحصول على فرصٍ تعليمية متقدمة. ومن المهم المحافظة على بعض مظاهر الحياة الأكاديمية، من أجل الحفاظ على هذه المساحات الهامة من الحوار والبحث، وسوف يثبت أنّ ذلك ضروري في إعداد الخطط والموارد وتوجيهها لإعادة بناء التعليم العالي والدولة ككلّ في أعقاب الحرب، باعتبار أنّ المجتمع العلمي يُعدّ القوة الفاعلة في تحقيق نهضة البلدان وتطورها، سواء فكريًا وعلميًا واقتصاديًا وثقافيا واجتماعيا وما إلى ذلك.
إن الاهتمام بالكفاءات الوطنية والموارد البشرية يُعدّ مؤشرًا واضحًا على عدالة الأنظمة الحاكمة، ووعي السلطات والقيادات الرسمية، ورغبتها الصادقة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لأوطانها، والوصول بها لمرحلة الرخاء والازدهار والريادة، ما عدا ذلك؛ يُعدّ هدراً للوقت، واستنزافاً للموارد الأخرى دون عوائد تُذكَر. والنتيجة الحتمية هي مجتمعاتٍ كسيحة، ونخب متوحشة، وأنظمة هشة، وإدارات مترهلة، وثروات منهوبة، وجماعات متناحرة، لا ينتج عنها سوى الدمار والخراب، فيما تزداد حاجة الشعوب في بلدان الصراع والنزاعات إلى قياداتٍ إبداعية صادقة، تُحقّق لهم المواطنة المتساوية، وتؤمن لهم ولأسرهم سبل العيش والحياة الكريمة، بدلاً من تعقّب فرص الهجرة واللجوء إلى الخارج، والبحث عن أوطانٍ بديلة، تطعمهم من جوع، وتؤمنهم من خوف.
المراجع:
– ألكسو (2023) .تقرير الألكسو الإحصائي الثاني حول التربية والثقافة والعلوم في الدول العربية 2015-2021، إعداد: طارق بن يوسف، الإشراف العلمي: محمد الجمني، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مارس 2023، تونس.
– بركات، سلطان و ميلتون، سانسوم.(2015). أهمية بيوت الحكمة: مسؤولية حماية التعليم العالي واعادة بنائه في العالم العربي، النسخة العربية، مركز بروكنجز، الدوحة، قطر.
– Enayatullah Azad.(2022).Protecting Education from Attack, Inter-agency Network for Education in Emergencies (INEE), Dated on: 24-4-2023.
– GCPEA.(2020).Education Under Attack 2020, Global Coalition to Protect Education from Attack, Dated on:15-4-2023.
– Human Rights Watch.(2022). Attacks on Education Increased Worldwide During Pandemic, , dated on: 24-4-2023.
– SAR. (2023). Host a scholar, Scholars at Risk Network. New York, USA, dated on: 25-4-2023.
تواصل مع الكاتب: drkhalilalkhateeb78@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة