تؤثّر العديد من العوامل في الأداء الدراسي للطلاب، مما يؤثر بدوره على معدلاتهم الدراسية وحصولهم على فرصٍ مهنية، أو التحاقهم بالبرامج الدراسية المرغوبة. كما يكون له انعكاسات سلبية على المجتمع ككل.
منظمة المجتمع العلمي العربي
ويُعدّ سوء التوزيع الجغرافي للمؤسسات التعليمية، أحد أهم تلك العوامل التي تفرض على الطلاب السفر لمسافاتٍ طويلة، وما إلى ذلك من تأثير على أدائهم الدراسي. ويتلاقى ذلك أيضًا مع الحديث عن العدالة التعليمية في الدول النامية، والمكتظة بالسكان حيث محدودية المؤسسات التعليمية ذات الجودة وصعوبة الالتحاق بها، فضلًا عن إمكانية الوصول إليها. يتناول هذا المقال دراسات علمية أجريت في مدينة "ساو باولو" البرازيلية، والإمارات العربية المتحدة، ومدينة "لوس أنجلوس" الأمريكية، والتي بحثت هذا الموضوع موضحة تأثيره على الطلاب والسياسات والتوصيات الواجب اتّباعها لتفادي هذا الإشكال.
في مدينةٍ مكتظة بالسكان يقلّ بها عدد المدارس مقابل عدد الطلاب المتنامي مثل مدينة ساو باولو البرازيلية، قام الباحثون بدراسة عام 2018 وذلك باستخدام مقياس كمي لقياس العلاقة بين ثلاثة متغيرات: أماكن إقامة الطلاب، والتوزيع الجغرافي للمدارس، والنقل العام من وإلى المدارس. وأفضت الدراسة إلى أنّ تمركز المدارس في مناطق محددة ونائية، يحدّ من إمكانية وصول جميع الطلاب إليها مما يفاقم مشكلة عدم المساواة التعليمية (صورة 1)، حيث يضطر الطلاب للالتحاق إما بمدارس أقل جودة قريبة منهم -إن وجدت – في حين يصعب التحاقهم بمدارس أحسن جودة نظرًا لبعدها عن مكان سكنهم، مما يزيد تكلفة التنقل على الطلاب من مستويات اقتصادية متدنية، إضافة لطول المسافة المقطوعة التي ثبت تأثيرها سلبًا على تحصيل الطلاب [1].
صورة 1: المسافة التي يقطعها الطلاب من 633 منطقة في المدينة إلى مدارسهم المتمركزة في أماكن متقاربة ومحددة.
ويتّضح تأثير المواصلات على الأداء الدراسي للطلاب في رسالة ماجستير أجريت بجامعة لوند السويدية على طلاب تتراوح أعمارهم بين 11-15 سنة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد استخدمت الدراسة عينة مكونة من 982 طالب من إجمالي 40 فصل دراسي مختلف، مسجلين بـ 17 مدرسة حكومية وخاصة على حد سواء. وقد أشارت النتائج إلى أن الطلاب الذين يقطعون مسافة أقصر وزمن أقل من وإلى مكان دراستهم يحصلون على معدلات دراسية أعلى من التي يحصلها أقرانهم الأبعد عن مدارسهم [2].
ويُعزى السبب وراء تأثير المواصلات على أداء الطلاب لعدة أسباب منها: ضياع الوقت في الانتظار بمحطات النقل لفتراتٍ طويلة، اضطراب مواعيد النقل، الاستيقاظ المبكر، وعدم الحصول على قسطٍ كاف من النوم، مما قد يؤثر سلبًا على حالتهم الصحية، كما يبدد الوقت عند الطلاب وبالتالي يؤثر على أدائهم الدراسي [3].
وتتلاقى النتائج السابقة، مع دراسةٍ أخرى تمّت على الطلاب في شمال أمريكا الذين يقضون أكثر من ساعة يوميا من وإلى مدارسهم. حيث وُجد أن هؤلاء الطلاب يعانون من التأخر الدراسي ويرتبط تأخرهم الدراسي بتغيبهم عن الدراسة نظرا لطول المسافة التي يقطعونها، كما أنهم يجدون أنفسهم منهكين جسديًا بنهاية اليوم مما يؤثّر بدوره على قدرتهم على التحصيل الدراسي [4].
وعند دراسة المستوى الدراسي لعددٍ من طلاب المدارس الثانوية بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية، وُجد أن قلة توافر وسائل المواصلات المناسبة، تعد السبب الرئيسي لتغيّب الطلاب عن مدارسهم. وبالتالي، حصولهم على معدلات منخفضة. في حين عندما تمّ إمداد هؤلاء الطلاب بمواصلاتٍ مناسبة ومجانية من وإلى مدارسهم زاد معدل حضورهم، كما تحسنت معدلاتهم الدراسية بشكلٍ ملحوظ[5].
إنّ تقديم تعليم ذو جودة يعدّ من الحقوق الأساسية للإنسان. وهذا يستوجب توفير مؤسسات تعليمية مرموقة للطلاب، من مختلف الخلفيات الاجتماعية والمناطق السكنية، والتحقق من إمكانية وصولهم إليها. إضافة لمراعاة التوزيع الجغرافي العادل للمؤسسات التعليمية، والحرص على توفير وسائل نقل خاصة للطلاب البعيدين عن محل دراستهم. كما يوصي الآباء والطلاب بالحرص على اختيار مدارس على مقربة منهم، والأخذ في الاعتبار تأثير مسافة وزمن المواصلات على صحتهم الجسدية وأدائهم الدراسي وضرورة التعامل مع ذلك عند الاضطرار.
وعلى الجانب الآخر يجب إدراج مزيد من الدراسات العربية حول هذا الموضوع لتقديم حلول مدروسة حول توزيع المؤسسات التعليمية، وضمان وصول الطلاب إليها، للاقتراب من تحقيق المساواة التعليمية، خاصة مع قلة عدد المؤسسات التعليمية بالوطن العربي وخاصة ذات الجودة منها.
المراجع
– R. L. F. R. R. Ana I. Moreno-Monroya, "Public transport and school location impacts on educational inequalities:Insights from São Paulo," Journal of Transport Geography, 2018.
– B. S. Balabanian, "Transportation and Its Effect on Student Performance Master degree thesis," 2020.
– A. E. N. a. A. E.-G. Legrain, "Am stressed, must travel: The relationship between mode choice and commuting stress," transportation research, 2015.
– B. Zars, "Long Rides, Tough Hides: Enduring Long School Bus Rides.," ERIC, 1998.
– L. N. K. T. T. S. &. F. J. E. Gase, "Estimating the costs and benefits of providing freepublic transit passes to students in Los AngelesCounty: Lessons learned in applying a health lensto decision-making.," International Journal of Environmental Research and Public Health, 2014.
تواصل مع الكاتب: faresragab101@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة