الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم. خلق الإنسان لعبادته، وتعبّده بإعمار الأرض، وسخر له ما فيها، وهداه لطلب العلم اللازم لعمارتها، وحسن الانتفاع بها لسعادة العباد وخير المعاد.
والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي علّمنا سؤال مولانا: «اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، وأعوذ بك من علم لا ينفع»
منظمة المجتمع العلمي العربي
التنمية المستدامة، ماذا تعني؟
التنمية لغة، مصدر للفعل نمّى -ينمي، ومنه النمو.
والنمو هو الزيادة والتغيير الإيجابي. أي أن التنمية هي سعي نحو الأفضل والأحسن.
وبالتالي فالزيادة نحو الأسوأ لا تعدّ تنمية.
أما "التنمية المستدامة"، فهي تعني استمراها لفترة طويلة، وهذا يتضمن شروط الاستمرارية، ومنها أنها لا تدمر أو تستهلك الموارد الطبيعية بشكل كامل. ومنها توطينها ليكون أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها. ومنها منفعة الناس.
وعليه فإن المشاريع التي تبدو فيها "زيادة" على المدى القصير، ولكنها تؤدي مثلا إلى التلوث والإضرار بالبيئة والصحة أو استلاب حق الأجيال القادمة في الموارد، أو تلك التي تأتي بشكل لا ينتمي أو يشارك فيه أهل المنطقة، الذين هم المستهدفون بالتنمية، ولا يتناسب معهم، ومنها تلك التي تنتهي بانتهاء العقود مع الشركات الأجنبية القائمة عليها أو ظروف تواجدها، لا تعتبر مشاريع للتنمية المستدامة.
فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
اذن التنمية المستدامة التي تمكث في الأرض لابد أن تقترن بمنفعة الناس.
التنمية المستدامة عمل جماعي
التنمية المستدامة، لا يحققها عمل منفرد أو بحث منشور في مجلة، مهما بلغت جودته، وإنما هي توجه وإرادة سياسية وعزم وتوعية وفكر عميق وجهد مستمر، وصدق وإخلاص في النية واتقان في العمل. وكل ذلك بتوفيق من الله وهداية وفضل.
من هنا، فلتحقيق التنمية المستدامة في أي قطاع، لابد من وضع خطط استراتيجية تتميز بالحكمة والعدل، وتضافر لجهود كثير من الجهات والأفراد والتخصصات، ليست العلمية منها فحسب بل كل التخصصات والجهات.
فما هو دور المجتمع العلمي في التنمية المستدامة، من منظور منظمة المجتمع العلمي العربي؟
ولتوضيح ذلك المنظور، دعونا نعود للتاريخ قليلاً، وسأضرب مثلا واحداً فقط وهو شح المياه في بلادنا.
منذ ما لا يقل عن عشرة آلاف سنة، تعاني منطقتنا العربية نفس الخصائص الجيولوجية والمناخية تقريبا، وما يعنيه ذلك من شح للمياه وتصحر وقلة موارد، فلم يمنع ذلك من سبقونا لسكناها من أن يبنوا على صحرائها ويبابها وقفارها أعظم الحضارات التي أثرت الحضارة الإنسانية بالعلم النافع وعمّرت الأرض بدون إضرار بها وأبقت لنا مواردها نستمتع ونحيا بها وعليها اليوم.
ابتكارات هندسية ابداعية رائعة لحفظ ونقل المياه.. وآثار قناة وعين زبيدة وتوابعها شاهدة في وادٍ غير زرع في مكة المكرمة، في قلب صحراء العرب، وفي شمالها حيث البتراء ليست منا ببعيد.
في جنوب جزيرة العرب، احتاج العمانيون لنقل المياه من أماكن تواجدها إلى مناطق سكناهم ومزارعهم، فهندسوا وحفروا الأفلاج التي لا تزال تعمل في كثير من المناطق منذ آلاف السنين، (إنها تنمية مستدامة)، وكذلك الحال في مناطق من شمال أفريقيا حيث تسمى هناك بالفكارات أو الخطارات…
وعانى اليمنيون من السيول في أوقات، وشح المياه في أوقات وأماكن أخرى، فشيدوا السدود وحفروا الأنفاق في الجبال لتوصيل المياه من مكان إلى آخر. وأمثلة كثيرة لا يسع المقام لذكرها.
الاعتماد على الذات، والبناء على الموجود
لقد استخدمت تلك الشعوب: امكانياتها العقلية والمادية، واعتمدت على الذات وبنت على الموجود لديها من خبرات وإمكانيات وعلم ومعرفة، وبتفكير عميق وملاحظة وإرادة وعزيمة شعوب وقيادات من أجل البقاء والنماء والأمن، فكان لهم بعون الله وتوفيقه ما أرادوا.
واليوم نحن أبناء نفس المنطقة، مازلنا نعاني من نفس الظروف المناخية والجيولوجية وشح المياه، ولدينا مئات الآلاف من العلماء والباحثين والمهندسين، ولدينا إمكانيات هائلة لتحصيل الموارد المعرفية والعلم والتكنولوجيا وتسخيرها لاستثمار وتطوير الموارد البيئية، بالقدر الذي يحقق التنمية دون استنـزاف ولا تلويث، ولا طغيان ولا عصيان، ولا إضرار بحق الأجيال القادمة.
ورغم ذلك، تعاني الكثير من الدول العربية من مشاكل معقدة في تحقيق التنمية المستدامة تحاول بعض الحكومات جلب الحلول لها من الخارج، مع استبعاد شبه كامل للمجتمع العلمي العربي. مما يعني هدر للطاقات والأموال والجهود.
تلكم هي منطلقات نشأة "منظمة المجتمع العلمي العربي"، فقد قامت المنظمة من أجل المساهمة في منفعة الناس، منفعة تمكث في الأرض، والإدلاء بدلو في تحسين حياتهم المعيشية الاجتماعية والاقتصادية، والصحية، ومن أجل توفير الأمن بمعناه الواسع، الأمن المائي والغذائي والقومي وكل أمن. وتحقيق هدف العلم النافع والعمل الصالح والصدقة الجارية.
لقد ركزت المنظمة لتحقيق تلك الغاية، أي التنمية المستدامة، على العلم، وعلى حملة العلم. جعلت هدفها إيجاد مجتمع علمي عربي، قوي في علمه، أمين في عمله، ماهر في صنعته، ومتميز في ثقافته، عميق في جذوره وسامق في هامته. قادر، بعون الله، على تحقيق نهضة شاملة وتنمية مستدامة في الوطن العربي.
في عالم فقد الكثير من القيم والمبادئ والفكر وسادت فيه المظاهر الجوفاء والتفاهات، تقف منظمة المجتمع العلمي العربي ثابتة على قيم الأصالة المستمدة من الإسلام والإنسانية والعروبة، وبإرادة راسخة للإصلاح، وأمل في مستقبل زاهر لخير أمة أخرجت للناس.
تواصل مع الكاتب: mmr@arsco.org
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة