يُعتبَر الطب العربي الإسلامي، إلى جانب الطب الصيني والهندي واليوناني(الغربي)، أحد أهم النظم الطبية التقليدية في العالم. وأصبح هذا الطب الذي يرتكز على استخدام مجموعةٍ واسعة من النباتات لعلاج الأمراض، يحظى باهتمامٍ متزايدٍ من المجتمع العلمي بعد أن أظهر نجاحًا ملحوظًا في شفاء العديد من الأمراض الحادّة والمزمنة.
منظمة المجتمع العلمي العربي
في دراسةٍ جديدة نُشِرت في "المجلة السعودية لعلوم الأحياء"، قام فريقٌ من الباحثين، بإجراء مراجعةٍ منهجية للبحوث المنشورة حول عددٍ من النباتات المستخدَمة في الطب العربي والاسلامي (TAIM) ، التي قد تساعد في علاج أعراض كوفيد-19، بهدف تمهيد الطريق لاكتشاف وتطوير أدوية جديدة مضادة لهذا النوع من الفيروسات. وقام الباحثون في هذه الدراسة الأولى من نوعها، بإجراء فحصٍ شاملٍ لبعض النباتات والأعشاب التي لها خصائص فعالة لعلاج الأمراض المضادة للفيروسات، والتي تمّ تحديدها من خلال التجارب والدراسات في جميع أنحاء العالم. هذه النباتات هي الصبار، والزيتون، والتين، والحلبة، وحبة البركة، والسنا الاسكندراني.
الصبار
ينتمي الصبار (Aloe vera L.) لعائلة (Aloaceae)، وهو نباتٌ معمّر يتراوح طوله بين 60 و100 سنتيمتر، وينمو في المناخات الجافة والحارة مثل جنوب وشرق إفريقيا، وكذلك البحر الأبيض المتوسط ودول أخرى في جميع أنحاء العالم.
يعتبر الصبار نباتًا "شافيًا" وله قيمة طبية، وقد استُخدِم منذ أكثر من 3000 عام في ثقافاتٍ مختلفة. وأثبتت الدراسات أنّ له خصائص مضادة للشيخوخة، ومقاوِمة للفيروسات، ومضادة لمرض السكري، وكذلك معدِّلة للمناعة. ويوجد في الصبار أكثر من 200 مركبٍ نشطٍ بما في ذلك الأحماض الأمينية، والصابونين (Saponins)، والكربوهيدرات، والإنزيمات، والفيتامينات، والمعادن. وبناءً على أهميته الدوائية، يمكن استخدام هذا النبات لعلاج أعراض كوفيد-19، وفق المؤلفين.
وقد أظهرت الدراسات أنه يحتوي على الليكتينات (Lectins) المسؤولة عن مقاومة تكاثر نمو الفيروس المضخم للخلايا (CMV) عن طريق التداخل في تخليق البروتين. كما تُعتبَر مادة (Acemannan ) التي يحتويها الصبار مكونًا رئيسيًا في الجهاز المناعي، وهي مادة تلعب دورًا مهمًا مع مواد أخرى على منع تكاثر فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، وفيروس الهربس، وذلك عن طريق تعديل طبقات البروتين السكري للفيروسات، وبالتالي منع ارتباط الخلايا المصابة بالفيروس.
نبتة الصبار وأنشطتها الحيوية الرئيسية (المجلة السعودية لعلوم الأحياء)
وتشير الأدلة العلمية كذلك إلى وجود خصائص منشّطة للمناعة في هلام الصبار من خلال مادة "الليكتين" الموجودة فيه، والتي تحفّز الاستجابات المناعية ضد مجموعةٍ متنوعة من الميكروبات. كما أثبت الباحثون فعالية مادة "البروتانيدات" (Protanoids) الموجودة في مستخلص هلام الصبار ضد مرضى الربو المزمن، خاصة عندما يُعالج المريض بأدوية "الستيرويد". ووجدت إحدى الدراسات أنّ مادة "الصابونين" الموجودة في الصبار توسِّع الأوعية، مما يسرّع من تقليل التهاب الوريد بعد ثماني ساعات من تطبيق ضميدة الصبار. وأكّدت دراسة أخرى أجرِيت لفحص الخصائص الكيميائية لـ "الصابونين" وكيفية استخدامه كضمائد، أنه يساعد ضحايا الحروق على خفض درجة حرارة أجسامهم، وكذلك المرضى على علاج الحمى. كما أثبتت الدراسات أيضًا خصائص كبح السعال في الصبار من خلال التفاعل الوقائي لعديد السكاريد على مستقبلات السعال.
الزيتون (Olea Europaea)
هو شجرٌ دائم الخضرة، ينتشر في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط وغرب آسيا، ويتمتّع بمكانةٍ خاصة في الطب العربي الإسلامي، ففي حديث رواه الإمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا الزيت وادَّهنوا به؛ فإنه يَخرج مِن شجرة مباركة)). وقام الباحثون في دراساتٍ سابقة بعزل عددٍ من المستقلبات الثانوية مثل "الغليكوسيد" (Glycosides) التي تستخدمها النبتة لأغراض مثل تخزين السكر، و"البيوفينول" (Biophenols) التي تعمل على الوقاية من أمراض القلب، والأوعية الدموية، ومقاومة الميكروبات، إضافةً إلى مشتقات حمض البنزويك والسكريات. وقد أشارت الأدلة التجريبية إلى أن وجود المركبات الفينولية في الزيتون، له أهمية حاسمة في تقليل مخاطر وشدّة المرض. وبالتالي، قد يكون الزيتون بمثابة مصنع دوائي محتمل لإدارة أعراض كوفيد-19.
وقد كشفت دراسات سابقة عن وجود العديد من المواد المضادة للفيروسات في الزيتون مثل: مركب "أوليوروبين" (Oleuropien) الذي لديه إمكانات مضادة لفيروسات التهاب الكبد، والهربس، ومنع فيروس نقص المناعة البشرية من دخول الخلايا السليمة. كما أظهر "حمض سيناميك" (Cinnamic Acid) المستخلص من الزيتون نشاطًا مضادًا لفيروس نقص المناعة البشرية.
المركبات النشطة في الزيتون (المجلة السعودية لعلوم الأحياء)
وذكر مؤلفو الدراسة الجديدة، أنّ مادة "الكيرسيتين" (Quercetin) الموجودة في الزيتون، تساعد في التخلّص من الجذور الكيميائية الضارة في الجسم، وتعمل كذلك على توسيع القصبات الهوائية بما يساعد في علاج الربو. وأظهرت مادة أخرى من الزيتون هي "هيدروكسي إيروسول" (Hydroxytyrosol) نشاطًا مضادًا للبكتيريا المسببة لأمراض الجهاز التنفسي. كما تحتوي أوراق الزيتون بدورها، على عددٍ من المواد التي لها قيمة علاجية في خفض حرارة الجسم، وتحفيز المناعة، والحدّ من السعال مثل المستخلص الإيثانولي (Ethanolic extract) الذي يخفّف من الآثار السلبية للألم والحرارة، ومركّب "اسكاولتين" (Esculetin) المضاد للسعال، وحمض الشيكيميك (Shikimic Acid) المستخدَم في صنع عقار "أوسيلتاميفير" المضاد للإنفلونزا.
الحِلبة
تعتبر الحلبة (Trigonella Foenum-Graecum) مصدرًا للمعادن والبروتينات والفيتامينات. ونظرًا لفوائدها الطبية، فإنها تزرَع على نطاقٍ واسع في جميع أنحاء العالم. تحتوي البذور على ما بين 45 و60% من الكربوهيدرات، ومن 20 إلى 30% من البروتينات، وما بين 5 و10% من الدهون، إضافةً إلى عددٍ من المواد الأخرى. وتقليديًا، يتمّ استخدام الحلبة في الثقافة الإسلامية لعلاج الإنفلونزا، ونزلات البرد، والربو القصبي، والالتهاب الرئوي، والتهاب الحلق، والسل، وحمى القش، والتهاب الجيوب الأنفية. وتعتبَر مادة "تريغونلين" (Trigonelline) مادة التمثيل الغذائي الأساسية في الحلبة، وهي تُستخدَم في علاج مرض السكري، وخفض مستوى الكوليسترول في الدم، والمساعدة في علاج السرطان، والصداع النصفي، ولعلاج السعال وآلام الظهر. وبناءً على هذه الأنشطة والمركّبات التي تحتويها الحلبة، "من المغري اقتراح أنها قد تعمل كعاملٍ علاجي لفيروس سارس كوف-2"، كما أورد المؤلفون في دراسة المراجعة الجديدة.
المركبات النشطة في الحلبة والأنشطة الحيوية المرتبطة بها (المجلة السعودية لعلوم الأحياء)
وقد كشفت دراسات سابقة أنّ مركب الديوسجينين (Diosgenin) الموجود في الحلبة، يُعدّ مركّبًا حيويًا مثيرًا للاهتمام في مقاومة بعض الأمراض الفيروسية، ويمكن أن يساهم عند تناوله في تعديل بعض جوانب المناعة المكتسبة، وفي الحماية من فيروس التهاب الكبد. كما تُظهِر بعض المركبات الفينولية الأخرى الموجودة في الحلبة مثل حمض الكلوروجينيك (Chlorogenic Acid) نشاطًا مضادًا للفيروسات، ومنع تكاثر فيروس نقص المناعة البشرية.
كما توجد في عدّة أجزاء من الحلبة بعض المركبات النشطة بيولوجيًا والمضادة للربو، بما في ذلك الوسائط الالتهابية مثل: الهيستامين، الليكوترين. ويستخدَم النبات لعلاج الربو لاحتوائه على العديد من المكونات، التي لها أنشطة بيولوجية توسّع القصبات الهوائية. كما تستخدَم للتعرّق، والتخلّص من السمية، وتقليل فترة الحمى، وأيضًا خفض حرارة الجسم. ويلعب "الصابونين" الموجود في نبات الحلبة دورًا حيويًا في تثبيط السعال. كما أنه يحفّز إنتاج المخاط في الشعب الهوائية السفلية، ممّا يحمي مستقبلات السعال، وبالتالي يمنعه.
التين (Ficus Carcia Linn)
يُعرَف التين بكونه من أوائل النباتات التي زرعها الإنسان، وأقدم شجرة فاكهة معروفة. وهو يُزرع في جميع أنحاء العالم وينمو في المناخات الجافة الدافئة. وتُستخدم أجزاء مختلفة من النبات تقليديًا لعلاج الأمراض المختلفة مثل: اضطرابات الجهاز الهضمي، والجهاز التنفسي والالتهابات والقلب. وقد تمّ عزل بعض الفيتامينات والمعادن والأحماض العضوية المهمة والكربوهيدرات والسكريات والمركبات الفينولية من ثمار التين المجفّفة، والتي يمكن استخدامها لعلاج أعراض كوفيد-19 وفق مؤلفي الدراسة.
وقد أظهرت دراسات سابقة أنّ مستخلصات " خلات الإيثيل" (Ethyl Acetate) الموجودة في التين، تثبط تكاثر أنواع مختلفة من الفيروسات مثل: فيروس فقدان المناعة المكتسبة، والهربس البسيط من النوع 1. كما أنّ لثمار هذه النبتة نشاطًا مضادًا للفيروسات بسبب مكوناتها النباتية النشطة الرئيسية، مثل حمض الفيروليك (Ferulic Acid). علاوةً على ذلك، يتمتّع هذا النبات بقيَم علاجية عالية، وهو معروف أيضًا بقدرته على مواجهة ظروف الإجهاد. وبالتالي، يمكن أن تكون المركّبات الكيميائية النباتية الموجودة في ثمار التين مركبًا علاجيًا فعالًا ضد عدوى كوفيد-19.
المركبات النشطة في التين والأنشطة الحيوية المرتبطة بها (المجلة السعودية لعلوم الأحياء)
كما لوحظ أنّه بالمقارنة مع أدوية الربو التقليدية، وأجهزة الاستنشاق التي تقلّل من إفراز المخاط، فإنّ "الكيرسيتين" (Quercetin) المعزول من التين له تأثير مضاد للربو بشكلٍ كبير. وقد أظهرت التجارب السريرية أنه يمكن استخدام هذا المركّب للوقاية من الربو أو علاجه. ويُعرَف المستخلص الإيثانولي لأوراق التين بتفاعله الخافض للحرارة، وتأثيره المشابِه لتأثير "الباراسيتامول" المستخدَم كدواءٍ شائع. وبسبب ما يحتويه التين من خاصيات دوائية عديدة مثل: مضادات الأكسدة والخصائص المعدلة للمناعة، فقد جذبت المواد الكيميائية المكونة للنبتة مثل الفلافونويدات (Flavonoids) والستيرويدات (Steroids)، الكثير من الاهتمام مؤخرًا.
حبة البركة
تنتمي نبتة حبة البركة (Nigella Sativa) أو الكمون الأسود لعائلة "Ranunculacea"، وتعتبَر أهم نباتٍ من الناحية الدينية في الثقافة الإسلامية وكذلك في المسيحية. وتعد علاجًا لكلّ مرضٍ، ما عدا الموت في التقاليد الإسلامية، وفقًا لما ورد في حديث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وتقليديًا، فقد تمّ استخدام حبة البركة في العديد من الأدوية لعلاج أمراض مثل: الربو ونزلات البرد والصداع وانسداد الأنف. وهي تمتلك خصائص طبية مهمة كمضادات الأكسدة، ومضادات السرطان، ومعدلات المناعة، ومضادات الميكروبات، ومضادات الربو.
وتحتوي بذور نبتة حبة البركة على البروتينات والقلويدات والصابونين وزيوت أساسية. وتوجد في الزيت بعض الأحماض الدهنية مثل حمض الأراكيدونيك (Arachidonic)، وحمض اللينوليك (Linoleic) وغيرها. ويتمّ استخدامه لعلاج السعال والربو والتهاب الشعب الهوائية والحمى والإنفلونزا. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الكربوهيدرات والفيتامينات والدهون والمعادن والبروتينات من بين المكوّنات المغذية الإضافية الموجودة في البذور. وهي تمتلك أنشطة مضادة للفيروسات، ومضادّة وخافضة للحرارة، وموسعة للقصبات، ومن ثم يمكن أن يكون عشبًا مفيدًا لعلاج الأشخاص المصابين بكوفيد-19.
السنا الاسكندراني (Cassia Angustifolia)
يُعرف أيضًا باسم "السنامكي"، وهو نبات له أهمية طبية كبيرة في الثقافة الإسلامية. ففي الحديث الشريف قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (( لو أن شيئاً كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا))، رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد. ويستخدم السنا بشكلٍ شائع لعلاج الإمساك والربو واضطرابات الجهاز الهضمي والحمى والتهاب الشعب الهوائية والبواسير. وترجع نجاعة السنا كمليّن إلى وجود مركبي "سينوسيد أ " (Sennoside A) و"سينوسايد ب" (Sennoside B).
وقد أكّدت دراسات سابقة أجريَت على نبتة السنا وجود العديد من المستقلبات الثانوية التي هي مضادات أكسدة قوية مثل: القلويات (Alkaloids) والفلافونويد (Flavonoids) والعفص (Tannins). وتعمل هذه المركّبات على الحدّ من تلف الخلايا المناعية، عن طريق تثبيط الإنتاج المفرط لأنواع الأكسجين التفاعلية. كما تحتوي على عددٍ كبيرٍ من المعادن مثل: المنغنيز والزنك والصوديوم والكالسيوم والفضة وكذلك على فيتامين (أ) وعلى عدد من الأحماض الدهنية غير المشبعة. ويلعب الزنك دورًا مهمًا في مساعدة خلايا الدم البيضاء على العيش لفترةٍ أطول عن طريق تثبيط عمليات الأكسدة. فيما يُعدّ النحاس ضروريًا لإنزيم (Cerruloplasmin) الذي يشارك في دعم المناعة الخلطية المرتكزة على تنشيط خلايا (B)، و إنتاج الأجسام المضادة.
كما تعزّز مكوّنات نبتة السنا امتصاص الجهاز التنفسي للأكسجين، عن طريق تحسين تدفّق المخاط في الرئتين وتقليله في مجرى الهواء. ويتم تصنيع دواء السعال وعلاج التهاب الشعب الهوائية من مستخلص أوراق السنا.
ويشير الباحثون في نهاية الدراسة إلى أنّ نسبة كبيرة من الناس في مناطق مختلفة من العالم لا تزال تستخدم هذه النباتات كجزءٍ من تقاليدها أو ثقافتها أو بسبب أهميتها الدينية. وعلى الرغم من أنّ النباتات الطبية يمكن أن توفّر مجالًا واعدًا للتجارب قبل السريرية، إلا أنه لم يتم إجراء تقييم مهم لفعالية هذه المركبات النشطة بيولوجيًا ضد كوفيد-19. لذلك، ينبغي إجراء مزيدٍ من الدراسات لتقييم ملامح السلامة وفعالية هذه النباتات. علاوةً على ذلك، يقترح مؤلفو الدراسة إجراء تجارب بشرية عالية الجودة قائمة على الأدلة، وأكثر صرامة لتقييم الإمكانات العلاجية لنباتات المستخدمة في الطب العربي الإسلامي للإدارة السريرية لـكوفيد-19.
المصدر:
– A comprehensive perspective of traditional Arabic or Islamic medicinal plants as an adjuvant therapy against COVID-19
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة