يمكن للذكاء الاصطناعي تغيير مستقبل الزراعة، وقد دخل فعليًا في كل العمليات الزراعية: من فحص التربة، إلى الكشف عن الآفات وأمراض النبات، إلى الري الذكي وغيرها.
منظمة المجتمع العلمي العربي
من المتوقّع أن يشهد عدد سكان العالم ارتفاعًا كبيرًا بحلول عام 2050، حيث سيصل لقرابة 10 مليار نسمة بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). ومع هذه الزيادة، هناك حاجة إلى طرقٍ جديدة للإنتاج في الزراعة من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية. وتلعب التقنيات الرقمية وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في تعزيز القدرة على إنتاج الغذاء، وتسهيل الاستخدام الفعّال للموارد الطبيعية، بما يساعد في تحسين المحاصيل والأصول الزراعية، بل وتوفير الوقت وتكاليف العمالة وغيرها. من خلال هذه المقالة، سنرى كيف يمكن تعزيز العمليات الزراعية الأساسية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وما الفوائد التي التي تستجلبها هذا التقنية.
تحضير التربة
يتيح الذكاء الاصطناعي من خلال بيانات أجهزة الاستشعار الموضوعة في التربة، أو صور الهواتف الذكية إمكانية اكتشاف عيوب التربة، والتعرّف على نقص المغذّيات فيها. ومن الأمثلة التطبيقية على ذلك نذكر "بلانتكس" (Plantix) وهو تطبيقٌ يتيح للمزارعين تحديد مقدار ونوع المواد العضوية التي ينبغي إضافتها لجعل التربة مناسِبة لمحاصيل معيّنة. بالإضافة إلى أنه يقدّم النصائح على شكل فيديوهات وذلك بحسب الحالة التي تواجه المزارعين. وجديرٌ بالذكر أنّ التطبيق متاح في 18 لغة بينها اللغة العربية. ومع أداة "فارم بيتس" (Farm Beats) من شركة "مايكروسوفت"، ما على المزارعين سوى التقاط صورة من خلال هواتفهم ثم تحميلها. وبعد تقييم المشكلة، يتمّ تزويد المزارعين بالحلول التي تساعدهم في تحسين نوعية التربة وكميتها.
وضع البذور
يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة المزارعين على تحديد الأماكن الأنسب لزرع محاصيل معينة وذلك بناءً على الخصائص الجغرافية للحقل، أو التركيب الكيميائي للتربة وغيرها. ويتمّ ذلك من خلال تحليل الصور التي توفرها الطائرات بدون طيار. كما بإمكان المزارعين استخدام أدوات تخطيط المحاصيل مثل "eAgronom" لتحديد مقدار كل محصول تحتاج المزرعة لزرعه في البيوت الزراعية، ومتى يجب زرع المحاصيل، وما إلى ذلك. وعلى الرغم من أنّ خطة المحاصيل الشاملة تتجاوز عملية وضع البذور، إلّا أنه لا يزال من الجيد معرفة أنه باستخدام مثل هذه الأدوات يمكن للمزارعين تقليل استهلاك مبيدات الأعشاب والأسمدة بنسبة تتراوح بين 25% و 35% بالإضافة إلى زيادة المحصول بنسبة تصل إلى 4%.
كما يستطيع الذكاء الاصطناعي فحص صور البذور ومقارنتها بصور البذور الصحية قبل بدء عملية الزرع. حيث تحدّد خوارزميات التعلّم الآلي الخاضعة للإشراف جودة البذور وتصنيف المحاصيل التي تراها. وباستخدام هذه البيانات، يمكن توجيه روبوتات الزراعة مثل آلة فرز البذور ذات الرؤية الحاسوبية التي طورتها خدمات البحوث الزراعية في وزارة الزراعة الأمريكية، لتصفية البذور دون المستوى، أو فرز البذور إذا اختلطت مع بعضها.
التسميد
يعمل الذكاء الاصطناعي من خلال الاستعانة بمجموعات البيانات (Datasets) على التحقّق من الآثار البيئية لاستخدام كميات وأنواع مختلفة من الأسمدة. كما يمكن الاعتماد عليه في تحديد الجرعات المناسبة، والتقليل من التأثير السلبي على المحاصيل. وفي حالة الحاجة لاستعمال الأسمدة، يوصي حلّ الذكاء الاصطناعي بأفضل النوعيات التي تمتلكها المؤسسات التجارية الزراعية.
كما تعدّ الطائرات بدون طيار مثل طائرات "PrecisionHawk" أداة ممتازة في رش المحاصيل. إذ يجري الاستعانة بها لمسح الحقل بأكمله ورش الكمية المناسبة من الماء أو السماد في المواضع الدقيقة. ووفقًا للخبراء، يمكن إكمال رش المحاصيل عبر هذه الطائرات أسرع بخمس مرات مقارنةً بآلات الرش التقليدية.
الري
إنّ مفهوم الزراعة المستدامة يتطلّب استخدامًا ذكيًا للمياه العذبة. وهنا يأتي دور أدوات مثل "Heliopas" و"CultYvate". بعضها يراقب إنتاجية استخدام المياه، بينما يقوم البعض الآخر بأتمتة سير عمل الري. وبالإمكان أيضًا الذهاب إلى أبعد من ذلك واستخدام قدرات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الري التاريخية، والعثور على أفضل أنماط استهلاك للمياه بناءً على الحاجة. وباستخدام قدرة التنبؤ على الطقس التي توفّرها أداة "Fasal"، يمكن للمزارعين تغيير خطط الري، والاستفادة من مياه الأمطار، وهذا ما قد يوفّر من موارد المياه بنسبة تصل إلى 50%.
حماية المحاصيل
يهدف تحسين استهلاك مبيدات الأعشاب والآفات إلى جعل المَزارع مستدامة مع ضمان سلامة الأغذية. ويلعب الذكاء الاصطناعي دورًا في اكتشاف الأعشاب الضارة والأمراض التي قد تصيب وتقضي على المحاصيل الزراعية. ويتمّ التنبؤ بهجمات الآفات من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية أو الطائرات بدون طيار، وكشف الأنماط في نشاط الحشرات أو الفيروسات، ورصد ومقارنة البيانات الواردة لملاحظة علامات ما قبل الهجوم. وبوجود هذه البيانات في متناول اليد، يمكن للمزارعين منع الهجمات دون التأثير على صحة المحاصيل. ففي الهند على سبيل المثال، يتم الاستعانة بنظام إنذار مبكر للآفات لحماية محصول القطن. وبالمثل، يعمل تطبيق "VineView" على مراقبة صحة المحاصيل في مزارع العنب.
الحصاد
من خلال مقارنة البيانات واللقطات الميدانية الحالية بدورة النمو للمحاصيل خلال المواسم الماضية، يستطيع الذكاء الاصطناعي التنبؤ بموعد الحصاد بشكلٍ دقيق، وأيضًا يعمل على أتمتة إدارة المحاصيل وحصاد وتعبئة المحاصيل. وهذا ما توفّره شركة " Harvest CROO" من خلال الحصاد الآلي للفراولة. وهذا ما يؤدي إلى تعزيز سلامة الأغذية، وأيضًا تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 96% مقارنةً بطرق الحصاد التقليدية.
ختامًا، إنّ دخول الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة لا يساعد المزارعين على أتمتة زراعتهم فحسب، بل يحولها إلى أيضًا إلى زراعة دقيقة لزيادة غلة المحاصيل، وتحسين الجودة، مع استخدام موارد أقل. وهذا سيوفّر تطبيقات أكثر فائدة لمساعدة العالم مع قضايا إنتاج الغذاء لعدد السكان الذي يتزايد بوتيرة سريعة عامًا بعد عام.
تواصل مع الكاتب: m.maaz@arsco.org
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة