رحلة مأهولة إلى القمر، وبناء تلسكوبات عملاقة جديدة، واعتماد لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) لمقاومة فيروسات أخرى… هذه بعض الأحداث العلمية الأخرى متوقعة خلال 2023.
منظمة المجتمع العلمي العربي
قائمة مراقبة العوامل المسببة للمرض
رغم تراجع جائحة "كوفيد 19"على المستوى العالمي، يظلّ قائمًا احتمالية عودة انتشار الفيروس من جديد، أو اندلاع جائحةٍ صحية جديدة بسبب فيروس من نوعٍ آخر. ويؤكد تفشي فيروساتٍ أخرى، مثل جدري القرود، على الحاجة لاستعدادٍ أفضل لمواجهة أي جائحة في المستقبل. لذلك من المنتظر، بحسب دورية "نيتشر"، أن تنشر منظمة الصحة العالمية خلال العام 2023 قائمة منقحة لمسبّبات الأمراض ذات الأولوية. وسيقوم حوالي 300 عالم بمراجعة الأدلة الخاصة بأكثر من 25 عائلة فيروسية وبكتيرية لتحديد مسبّبات الأمراض التي يمكن أن تسبّب تفشي المرض في المستقبل. وستحدد خارطة الطريق، التي سيعدّها العلماء، الفجوات المعرفية لكل مسبّب مرض ذي أولوية، وتضع أولويات البحث وشروط تطوير اللقاحات والعلاجات والاختبارات التشخيصية.
لقاحات (mRNA) لمقاومة فيروسات أخرى
بموازاة ذلك، من المتوقّع أن تتواصل عمليات تطوير الجيل الجديد من اللقاحات التي تعتمد على "الحمض النووي الريبوزي المرسال" أو "الرنا المرسال" المعروفة اختصارًا بـ "إم أر إن إيه" وذلك بعد النجاح الذي لاقته في الحدّ من انتشار وباء كوفيد 19.
وفي هذا الإطار، ستبدأ شركة "بيونتاك" (BioNTech) الألمانية في الأسابيع المقبلة التجارب الأولى على البشر للقاحات "الرنا المرسال" ضد الملاريا، والسل، والهربس التناسلي (Genital Herpes) وهو مرضٌ يُصيب العضو التناسلي. وتتعاون "بيونتاك" أيضًا مع شركة "فايزر" (Pfizer) الأمريكية لتجربة لقاحٍ قائم على "الرنا المرسال" لتقليل معدل الهربس النطاقي، وهو مرض فيروسي يظهر فيه طفح جلدي مؤلم مع بثراتٍ في منطقة معينة.
أدوية مرض الزهايمر
كما كان متوقعًا، وافقت وكالة الغذاء والدواء الأمريكية في 7 يناير /كانون الثاني الجاري، على استخدام دواء "ليكانيماب" (lecanemab-irmb) لعلاج مرض الزهايمر. وينتمي هذا الدواء إلى فئةٍ جديدة للأدوية المعتمدة لمرض الزهايمر التي تستهدف الفيزيولوجيا المرضية الأساسية للمرض. ويعتمد الدواء الجديد على جسم مضاد أحادي النسيلة يقوم بإزالة بروتين يسمّى الأميلويد (Amyloid) الذي يتراكم في الدماغ. وتمثل هذه الأدوية تقدمًا مهمًا في المكافحة المستمرة لعلاج مرض الزهايمر بشكلٍ فعال.
وقد شملت التجارب السريرية 1795 شخصا مصابًا بداء الزهايمر في مراحله المبكرة، وأظهرت أنّ العقار أبطأ من التدهور العقلي بنسبة 27% مقارنةً بالعلاج الوهمي. ومع ذلك، يعتقد بعض العلماء أنّ هذه ليست سوى فائدة متواضعة والبعض الآخر قلق بشأن سلامة الدواء. وتزامنًا، يجري اختبار عقار آخر لمرض الزهايمر، يُدعى بلاركاميسين (Blarcamesine) وهو يعمل على تنشيط بروتين يحسّن استقرار الخلايا العصبية وقدرتها على الاتصال ببعضها البعض.
تلسكوبات عملاقة جديدة
من المتوقع أن يواصل تلسكوب جيمس ويب الفضائي سلسلة استكشافاته وصوره المذهلة للكون التي بدأها العام الماضي، مما سيمكّن العلماء من اكتشاف حقائق جديدة حول تطوّر الكون.
إلى جانب ذلك، ستطلق وكالة الفضاء الأوروبية تلسكوبًا فضائيًا جديدًا هو تلسكوب "إقليدس". وسيقوم هذا المرصد الذي يعمل في مجال الطيف المحصور بين الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء القريبة، بالدوران حول الشمس لمدة ست سنوات، والتقاط الصور لإنشاء خريطة ثلاثية الأبعاد للكون. وسيكون الهدف من المهمة فهم الطاقة المظلمة، والمادة المظلمة بشكلٍ أفضل من خلال قياس تسارع الكون بدقة.
كما سيطلق في هذا العام، القمر الصناعي الياباني للتصوير بالأشعة السينية والتحليل الطيفي (XRISM). وستكون مهمته اكتشاف الأشعة السينية المنبعثة من النجوم والمجرات البعيد، بهدف تحديد كيفية تشكل الهياكل العظيمة للكون وتوزيع الأجرام والطاقة في الكون.
وفي يوليو القادم سيبدأ مقراب المسح الشامل الكبير "فيرا روبين" (Vera C. Rubin) في تشيلي، في التقاط أولى صوره للكون. وسيكون التلسكوب، الذي يتميّز بتصميمٍ خاص بثلاث مرايا وكاميرات تحتوي على أكثر من ثلاثة مليارات بكسل من أجهزة الكشف عن الحالة الصلبة، قادرًا على مسح السماء الجنوبية بأكملها في ثلاث ليالٍ فقط.
من ناحيتها، ستبدأ الصين في تشغيل أكبر تلسكوب قابل للتوجيه في العالم وهو تلسكوب "شينجيانغ كيتاي الراديوي" (QTT) في شينجيانغ. وسيمكّن هذا المرصد الذي يبلغ قطره 110 أمتار، من مراقبة 75 % من النجوم في السماء في أيّ وقت. كما سيقوم بتصوير النجوم النابضة والتشكيل النجمي والبنية الراديوية واسعة النطاق للكون.
مهمات إلى القمر
بعد حوالي نصف قرنٍ من آخر رحلةٍ فضائية مأهولة نحو القمر، من المنتظر أن يشهد العام 2023 أول رحلة مدنية نحو التابع الأرضي، وستقوم بدورة حوله دون النزول على سطحه. هذه الرحلة ينظمها الملياردير الياباني "يوزاكو ميزاوا"، وقد اختار 8 أشخاص لمرافقته إثر مسابقة شارك فيها ملايين المترشحين. وتضمّ القائمة إسمًا عربيًا هو المصور ومنتج الأفلام الوثائقية اللبناني كريم إيليا المعروف بإنتاج أفلام حول الحيتان. وسيستقلّ المشاركون في الرحلة التي ستدوم ستة أيام مركبة "ستار شيب" (Starship) التابعة لشركة "سبيس إكس" (SpaceX).
وفي غضون ذلك، ستنضمّ "مركبة راشد 1 الجوالة" الإماراتية، والمركبة المدارية القمرية الصغيرة "لونر فلاشلايت" (Lunar Flashlight) التابعة لوكالة "ناسا" اللتان أُطلقتا في ديسمبر الماضي، مع مركبة الإنزال اليابانية "هاكوتو-آر" (HAKUTO-R) إلى المركبات التي تستكشف القمر.
وستقوم المركبة "راشد 1" بالتنقل على سطح القمر على مسافةٍ تترواح بين بضع مئات من الأمتار وبضع كيلومترات لاستكشافه عبر عددٍ من الأجهزة العلمية المحمولة على متنها. بينما ستعمل مركبة "لونر فلاشلايت" على وضع خريطة للمياه الموجودة في منطقة القطب الجنوبي للقمر، عن طريق قياس انعكاس الإشعاع الليزري المنبعِث من المركبة والمنعكِس على سطح القمر.
كما ستهبط مهمة استكشاف القمر الثالثة لمنظمة أبحاث الفضاء الهندية "Chandrayaan-3"، بالقرب من القطب الجنوبي في منتصف عام 2023.
فكّ رموز التسلسل الجيني للعديد من الكائنات
قام العلماء بفكّ التسلسل الجيني البشري ودراسة آلاف الجينومات الميكروبية، لكن فكّ رموز الحمض النووي للكائنات الأخرى متعددة الخلايا تأخّر نسبيًا. وهذا العام، سيبدأ فصل جديد في هذا الحقل من العلوم، وفق دورية "ساينس" العلمية، وذلك بالكشف عن عدد من السلاسل الجينومية غير البشرية، وهي ثمار تقنيات أرخص وأكثر دقة. ويتوقع مشروع "ايرث بيوجينوم" (Earth BioGenome)، أن يتمّ إصدار 2000 تسلسل جيني هذا العام.
وقد ركّزت العديد من المجموعات البحثية التي تعمل ضمن هذا المشروع على أنواع معينة من الحيوانات مثل الثدييات، والحشرات، واللافقاريات، والعديد من الكائنات الأخرى المهددة أو المعرضة للخطر. ويتوقّع العلماء أن تعزّز البيانات الجديدة دراسات الجينوم المقارنة، وتوفر رؤى حول التطور وتاريخ الحياة.
خسائر المناخ من سيدفع لمن؟
هذا العام، سيناقش دبلوماسيون من أكثر من 20 دولة شروط اتفاقية تطالب الدول الغنية، المسؤولة عن معظم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بالمساعدة في دفع تعويضات الأضرار الناجمة عن تغير المناخ. وكان الالتزام يعود إلى السياسة الجوهرية الجديدة الوحيدة التي انبثقت عن قمة الأمم المتحدة للمناخ في مصر في نوفمبر 2022. وسيدفع صندوق جديد الخسائر الاقتصادية والأضرار المرتبطة بالحرارة والفيضانات والآثار الأخرى لتغيّر المناخ. لكن الموقعين أجّلوا الخوض في تفاصيل مثل: أي الدول التي يجب أن تدفع، وأيها يجب أن تستفيد، وكيف ينبغي إنفاق الأموال. وقد يتم التركيز على هذه التفاصيل في قمة المناخ التي تعقدها الأمم المتحدة هذا العام في الإمارات العربية المتحدة. غير أنّ المراقبين يشككون في آفاق هذا الاتفاق، ويشيرون إلى أن الدول الغنية قد فشلت في الوفاء بوعودها السابقة بتقديم مثل هذا الدعم المالي.
ما وراء النموذج القياسي
في أبريل الماضي، كشف الفيزيائيون عن النتائج الأولى لتجربة فيزياء الجسيمات "ميون جي -2" (Muon g – 2)، ومن المتوقّع أن ينشروا نتائج أكثر دقة في عام 2023. وتدرس التجربة كيف تتصرف الجسيمات قصيرة العمر المعروفة باسم الميونات (Muon) في المجالات المغناطيسية، وتمثل اختبارًا حساسًا لنظرية النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات.
وتقوم نظرية النموذج القياسي على وصفٍ دقيقٍ لثلاث قوى أساسية في الطبيعة: القوى النووية الضعيفة، والقوى النووية القوية، والقوى الكهرومغناطيسية. وتتوافق في نفس الوقت مع نظرية النسبية الخاصة وميكانيكا الكم. وقد أكدت جميع التجارب صدق تنبؤات هذه النظرية، إلّا أنّ النقص الأساسي في هذه النظرية، يكمن في عدم احتوائها على القوة الأساسية الرابعة أو الجاذبية. لذلك، تنصبّ جهود الفيزياء النظرية حاليًا على صياغة نظريةٍ كاملة تنبع منها القوى الأساسية الأربع بما فيها قوة الجاذبية.
ومن ناحيةٍ أخرى، سيبدأ مرصد "جيانغمن" للنيوترينو تحت الأرض في جنوب الصين أيضًا في البحث عن فيزياء تتجاوز النموذج القياسي، باستخدام كاشفٍ مصنوع من كرةٍ زجاجية شفافة قطرها 35.4 مترًا تحتوي على مادة "الألكيل بنزين الخطي"، تم انشاؤه على عمق 700 متر تحت الأرض وذلك لقياس تذبذب النيوترينوات (جسيمات دون ذرية متعادلة كهربائيًا) بشكلٍ دقيق.
المصادر:
– https://www.nature.com/articles/d41586-022-04444-3
– https://www.science.org/content/article/eleven-science-stories-likely-make-big-news-2023
– https://www.engadget.com/space-x-first-civilian-lunar-mission-dearmoon-bigbang-top-dj-steve-aoki-095722626.html
– https://www.euclid-ec.org/
– https://karimiliya.com/about
– https://www.fda.gov/news-events/press-announcements/fda-grants-accelerated-approval-alzheimers-disease-treatment
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة
