لَعلَّ هذا المقال المُختصر يكون ذو توقيتٍ مناسبٍ، حيث أننا دخلنا فصل الشتاء، والذي تكثر فيه حالات الإصابة بعدوى الجهاز التنفسي، رغم أنّ هذه العدوى قد تصيب الإنسان على مدار العام بما في ذلك في فصل الصيف. وفي الحقيقة، فإنّ إنتشار الأمراض الفيروسية التي يَسهُل العدوى بها عن طريق الأجهزة التنفسية للبشر تُعدّ شائعة. ولا يعتمد هذا الإنتشار على الموقع الجغرافي، فهذه العدوى موجودة في جميع أنحاء الكرة الأرضية، بل على طبيعة المقام سَكنًا كان، أم مكان عمل وكذلك على الاهتمام بالنظافة الشخصية والصحة العامة.
فالأماكن العامة أو الغرَف المكتظّة بالأشخاص تنتقل العدوى فيها بشكلٍ أكبر وأسرع. كما أنّ عدم غسل اليدين، واستخدام المناديل الورقية لمرةٍ واحدة مثلًا يجعل الكثير من الأشياء التى تُلمَس بؤراً لوجود الفيروسات، كالمصافحة ولمس مقابض الأبواب، وعدم تغطية الأنف والفم بالمنديل الورقي عند السعال أو العطاس ما يجعل الرذاذ المُحمَّل بالفيروس ينتشر في مساحةٍ أكبر ويسقط على الأسطح المختلف، وتسهُل بذلك العدوى. هذا إلى جانب عدم الاهتمام بالنظافة الصحيّة والسِعَة المساحية في المرافق العامة مما يُسهِّل انتشار الأمراض الفيروسية التنفسية.
وينقسم الجهاز التنفسي تشريحيًا إلى منطقتين رئيسيتين: الجهاز التنفسي العلوي (ويتكوّن أساسًا من تجويف الأنف والجيوب الأنفية والبلعوم)، والجهاز التنفّسي السفلي (ويوجد به الحنجرة والقصبة الهوائية والرئتين بما تحتوي من شُعَب وشعيبات هوائية). وجميعها يمكن ان تُصاب بالعدوى الفيروسية. والفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي البشري (Human Respiratory Viruses) عديدة، ومن عائلاتٍ فيروسية متنوعة. وبعضها يصيب المناطق العلوية من الجهاز التنفسي (الرشح والزكام)، والبعض الآخر يصيب المناطق السفلية منه (ذات الرئة والشعب والقصبات الهوائية)، فيما القليل منها قد يصيب كلا المنطقتين. وتختلف الأعراض المرَضية (مثل السعال والعطاس وجريان الأنف والتهاب في الحنجرة والبلعوم والصداع وآلام العضلات والحُمّى) باختلاف المُسبّب، وفي بعضها قد تجتمع الكثير من هذه الأعراض. وكالعادة، فتأثير هذه الفيروسات يشتدّ لدى فئة كبار السن والأطفال. وعملية الإمراض (Pathogenesis) في كل هذه الفيروسات، تشترك فيها عوامل عِدّة فيروسية ومحيطيّة ومناعيّة. وعندما تشتدّ الأعراض يكون هناك إخراجٌ كبيرٌ للفيروسات من الجسم، ومقاومة شديدة لهذه الفيروسات من قبَل الجهاز المناعي، والذي من الممكن أن يتسبّب في أضرارٍ جانبية على أنسجة الجسم. والجدير بالذكر أنّ الإصابة بهذه العدوى التنفسية الفيروسية، قد تُمهِّد لإصابةٍ بالعدوى التنفسية البكتيريّة خاصةً وأنَّ المجاري التنفسية العليا يتواجد بها بكتيريا متعايشة مع الجسم.
وتقتصر المُداواة من هذه الفيروسات على الراحة التامة، وأخذ الملطّفات الدوائية حسب إرشادات الطبيب، حيث أنّ هناك عددٌ محدود من مضادّات الفيروسات التنفسية للعلاج. والسبب في هذه المحدودية هو أنّ الفيروسات تتكاثر داخل خلايا الجسم، وليس بينها كما هو الحال مع غالبية الجراثيم. وعندما تتكاثر الفيروسات داخل خلايا الجسم ليست لها آليتها الخاصة للتكاثر، بل تعتمد اعتمادًا كُليًا على آلية الخلية التى تغزوها. وبالتالي، فإنّ أيّ مضاد لتكاثر الفيروس يؤثّر سلبًا، على آلية أيض جميع الخلايا، سواء كانت موبوءة بالفيروس أم سليمة. وجميع مضادات الفيروسات المُرخَّص باستعمالها حاليًا محدودة جدًا، وتُستخدَم لعددٍ محدودٍ من الفيروسات، ولها تأثيرات جانبية على الجسم تختلف شدّتها من عقارٍ لآخر، ولذلك فإنّ استعمالها لايجب أن يكون إلاّ في حالات الضرورة القصوى لكي لايتأثَّر المريض، ولكي لاتُعطى الفرصة للفيروسات أن تدافع عن نفسها بغريزة حبّ البقاء، من خلال تغيير محتوياتها الوراثية ومقاومة هذه العقاقير المحدودة العدد والتأثير. ولذلك فمن المنصوح به بشدّة، أخذ ما يتوفّر من لقاحاتٍ وتطعيمات، ضدّ بعض هذه الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي البشري، والإنفلونزا، و الكوفيد على وجه الخصوص، فقد ثبت أنّ هذه اللقاحات آمنة، وتمنع حِدّة المرض إن لم تمنعه كاملًا، ودرهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج.
ولعلَّ جائحة كورونا جعلتنا نعتاد على استخدام الكمامات والتي تحدُّ من انتقال جميع أنواع الجراثيم التي تنتقل عن طريق الجهاز التنفسي، ورُبَّ ضارّةٍ نافعة!
الفيروسات الشائعة المُسببة لإلتهابات الجهاز التنفسي البشري
(وكلها تحتوي على حمض الـ "آر إن إي" النووي ماعدا الفيروسات الغددية والتي هي من نوع الـ "دي إن إي")
الزكام = Common cold، إلتهاب الحنجرة = Pharyngitis، إلتهاب القصبات الهوائية = Bronchitis
ذات الرئة = Pneumonia، إلتهاب الشُعب الهوائية = Bronchiolitis، الخُنّاق = Croup
تواصل مع الكتاب: profahdal@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة