مع قرب انتهاء الخريف وحلول فصل الشتاء. أشار المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) في 4 نوفمبر 2022، إلى أنّ معدل الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي (RSV) يتزايد. ويمكن القول إنّ فيروس RSV وصل في وقتٍ مبكرٍ من هذا العام، ويؤثر ذلك على المستشفيات ومراكز الرعاية العاجلة والعيادات في العديد من المواقع في كثير من البلدان. إنّ معرفة القليل عن المرض، وكيفية حماية نفسك وأطفالك – ومتى يتطلب العلاج – أمر أساسي لتحمّل هذا الضيف الموسمي غير المرحَّب به.
ما هو الفيروس المخلوي التنفسي RSV؟
RSV هو فيروس RNA أحادي الجديلة من جنس Orthopneumovirus، عائلة Pneumoviridae تمّ التعرف عليه لأول مرة في عام 1956 عندما أصيبت مستعمرة الشمبانزي المستخدمة في أبحاث شلل الأطفال في معهد "والتر ريد" العسكري للأبحاث في العاصمة الأميركية واشنطن، بسيلان الأنف الناجم عن الالتهاب (أي الزكام). في ذلك الوقت، تمّ تسمية العامل المسبب للمرض بعامل الشمبانزي الزكام (CCA). وبعد عامٍ واحد، أي في عام 1957، تمّ العثور على فيروسٍ "جديد" تسبّب في مرضٍ تنفسي حاد عند الرضّع في "بالتيمور" بولاية ميريلاند، واكتُشِف أنه مطابق لـ CCA. وتمّت إعادة تسمية العامل الممرض باسم الفيروس المخلوي التنفسي، حيث يتسبب هذا الفيروس في اندماج الخلايا مع الخلايا المجاورة، مما يؤدي إلى تكوين مخلوي متعدّد النوى (خلايا مفردة تحتوي على نوى متعددة).
أعراض RSV:
تشمل الأعراض عادةً الحمى وسيلان أو انسداد الأنف والسعال وضيق التنفس والصفير. ويمكن أن تؤدي العدوى الشديدة إلى التهاب القصيبات (التهاب الشعب الهوائية المسدودة بالمخاط) والالتهاب الرئوي. يرتبط معدل الوفيات الناجمة عن الفيروس المخلوي التنفسي بحوالي 100 حالة وفاة أساسية في الجهاز التنفسي كلّ عام لدى الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن سنةٍ واحدة (في الولايات المتحدة الامريكية)، مما يشكل خطرًا أكبر على الرضّع من الإنفلونزا.
انتقال RSV وفترة الحضانة:
ينتشر الفيروس المخلوي التنفسي بشكلٍ أساسي من إنسانٍ إلى آخر، من خلال قطراتٍ تنفسية عندما يسعل الشخص أو يعطس، ومن خلال الاتّصال المباشر بالعيون، أو الأنف بعد لمس سطح أو جسمٍ ملوث. ويمكن لفيروس RSV البقاء فعالاً لمدة تصل إلى 12 ساعة على الأسطح الصلبة غير المسامية، ولكنه عادةً ما يستمر لفتراتٍ زمنية أقصر على الأسطح اللينة، مثل الأنسجة واليدين.
إنّ فترة حضانة الفيروس المخلوي التنفسي هي 3-5 أيام، ويمكن أن يكون الأشخاص معديين لمدة تتراوح بين 3-8 أيام بعد الإصابة. من الممكن للشخص كذلك أن يكون معديًا قبل يومٍ أو يومين من ظهور الأعراض. ويمكن أن يستمرّ إطلاق الفيروسات لمدة تصل إلى 4 أسابيع عند الرضع والأطفال الصغار وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة.
متى تطلب العناية الطبية:
مع انتشار العديد من فيروسات الجهاز التنفسي، قد يكون من الصعب معرفة الفرق بين الإنفلونزا، وفيروس كوفيد -19، وفيروس RSV (الفيروس المخلوي التنفسي) وفيروسات الجهاز التنفسي الأخرى عند الأطفال والرضع، ويجب على الأهل ومقدمي الرعاية البقاء في حالة تأهّب لعلامات التحذير الطارئة.
أُطلب العناية الطبية فورًا في حالة حدوث أي من الأعراض التالية:
1- صعوبة في التنفس.
2- ازرقاق الشفاه أو الوجه أو التهيج.
3- قلّة النشاط.
4- انخفاض الشهية.
5- انقطاع النفس.
ما مدى شيوع RSV؟
على الرغم من أنّ RSV ليس فيروسًا جديدًا، إلا أنّ الكثيرين لم يسمعوا به، ولكن من المحتمل أنهم أصيبوا به في مرحلةٍ ما من حياتهم. يُصاب جميع الأطفال تقريبًا بعدوى الفيروس المخلوي التنفسي عند بلوغهم العامين من العمر، ولكن الفيروس المخلوي التنفسي ليس مجرد فيروس يؤثر على الأطفال الصغار فقط، بل يمكن أن يظل كبار السن معرضين لخطر الإصابة بعدوى شديدة. ويُعدّ العمر، والحالات الصحية المزمنة، وضعف جهاز المناعة عوامل خطر للإصابة بهذا المرض.
لقد أدّت تدابير الصحة العامة التقييدية وغير المسبوقة – استخدام الأقنعة، والتباعد الاجتماعي، وزيادة الاهتمام بنظافة اليدين – المعتمدة طوال عامي 2020 و2021 إلى إعاقة انتقال فيروسات الجهاز التنفسي، بما في ذلك الفيروس المخلوي التنفسي. في الواقع، اختفت الأنفلونزا وفيروسات البرد الأخرى تقريبًا. ومع ذلك، مع رفع القيود، عادت RSV بكامل قوتها في يونيو 2021، وانخفضت في النهاية مع اقتراب يناير 2022، وزادت بشكلٍ طفيفٍ مرة أخرى في صيف 2022.
ما مدى القلق من الفاشيات الأخيرة؟
الآن، يُبلغ العاملون في مجال الرعاية الصحية عن حدوث ارتفاعٍ حاد في حالات الإصابة بفيروس RSV في وقتٍ أبكر مما كان متوقعًا لموسم خريف 2022 وربيع 2023. وتؤثّر الزيادات الهائلة على مرافق الرعاية الصحية التي تكافح بالفعل مع ارتفاع حالات الإنفلونزا وCOVID-19. وإذا نظر المرء إلى بيانات مركز السيطرة على الأمراض، فإنّ الزيادة في حالات RSV بدأت في وقتٍ مبكرٍ من أواخر أغسطس وأوائل سبتمبر من عام 2022، ولكنها ارتفعت [~ 5 أضعاف] في نوفمبر. (الحديث هنا في الولايات المتحدة).
الوقاية من العدوى RSV:
1- العلاج بالأجسام المضادة وحيدة النسيلة: أحد الإجراءات الوقائية هو Palivizumab (Synagis®) وهو الدواء الوحيد المعتمَد من إدارة الأغذية والعقاقير (FDA) للمساعدة في حماية الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بمرض RSV الشديد. تمّت الموافقة على هذا الجسم المضاد وحيد النسيلة للأطفال الخدج (الأطفال المولودين قبل 35 أسبوعًا)، وللرضع الذين تبلغ أعمارهم 6 أشهر أو أقل في بداية موسم الفيروس المخلوي التنفسي. الدواء ليس لقاحًا ولكنه يعمل كجرعةٍ شهرية من الأجسام المضادة الواقية خلال موسم RSV.
2- اللقاح: لا يوجد لقاح معتمَد، لكن شركة فايزر تختبر لقاحًا واعدًا (حاليا في اختبارات المرحلة السريرية الثالثة (.
3- تدابير الصحة العامة: تساعد تدابير الصحة العامة الشائعة التي ساعدت في حمايتنا من COVID-19 على مدار العامين الماضيين أو أكثر في الحدّ من انتشار الفيروسات الأخرى ولا ينبغي نسيانها.
نذكر عدد من هذه الممارسات سهلة التنفيذ أدناه:
1- تغطية الفم والأنف عند السعال أو العطس.
2- المحافظة على نظافة اليدين بغسلها بالماء والصابون أو استخدام معقم اليدين بشكلٍ متكرر.
3- تنظيف وتعقيم الأسطح أو العناصر التي يتم لمسها بشكلٍ متكرر (مثل أسطح العمل والحنفيات ومقابض الأبواب والألعاب) بشكل روتيني.
4- الابتعاد عن المرضى.
5- الابتعاد عن الآخرين إذا شعرت بالمرض.
6- إرتداء قناع مناسبٍ للوجه.
ومع انخفاض درجات الحرارة وانتقال الناس إلى الداخل، من المتوقع أن تزداد حالات الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي (وغيره من فيروسات الجهاز التنفسي). وتلعب ممارسة تلك التدابير الوقائية اليومية البسيطة وتعزيزها دورًا مهمًا في الحفاظ على سلامتنا. يمكن الاستفادة من التعليمات والإجراءات التي كانت سائدة فترة تفشي كوفيد 19 للوقاية من معظم الامراض التنفسية الفيروسية.
المصادر:
– American Society of Microbiology
– World Health Organization
تواصل مع الكتاب: elmanama_144@yahoo.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة