تعتمد جميع قطاعات التنمية في دول العالم على توفير الطاقة والمياه. وإلى جانب أهميتهما المركزية والاستراتيجية، فإن هذين الموردين مترابطان بشكلٍ وثيق لا سيما مع زيادة ندرة المياه في العديد من مناطق العالم والاعتماد على مصادر مستحدثة كتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك تزايد الحاجة للطاقة في جميع الأنشطة الاقتصادية.
في سلسلة قيمة المياه، تعدّ الطاقة مطلوبة في جميع طرق انتاج المياه كاستخراج المياه الجوفية، وتغذية محطات التحلية وإنتاج المياه العذبة ونقلها وكذلك في جمع مياه الصرف الصحي ومعالجتها وإعادة استخدامها. وتشير التقديرات إلى أن قطاع المياه في بعض الدول العربية -على سبيل المثال- يتطلّب ما لا يقلّ عن 15% من الاستهلاك الوطني للكهرباء وهي نسبة تتزايد باستمرار.
وبالمثل، فإن انتاج الطاقة يتطلّب بدوره الكثير من الماء، إذ يستهلك كل مصدر الطاقة الماء بشكلٍ أو بآخر، سواء كان ذلك لإنتاج النفط أو غسل الفحم، أو زراعة الوقود الحيوي، أو نقل الحرارة المهدرة بعيدًا أثناء تبريد التوربينات البخارية داخل محطات الطاقة.
ومن المتوقع في المستقبل، وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أن تتضاعف الحاجة إلى الطاقة على مستوى العالم بحلول عام 2050، وأن يزيد الطلب على المياه بنسبة تفوق 50% عن مستواه الحالي. وفي الوقت نفسه، فإنّ قدرة هياكل المياه والطاقة على تلبية هذه الحاجة المتزايدة ستكون مقيدة بالنظر إلى محدودية المصادر المتاحة.
وعلى الرغم من الترابط الوثيق بين المصدرين، إلا أنه غالبًا ما يتمّ التخطيط لمشاريع الطاقة دون اعتبار لتأثير المياه، وللمشاريع المائية مع عدم مراعاة لتأثير الطاقة عليها.
في دراسة علمية جديدة نُشرت مؤخرًا في دورية (Applied Water Science volume) العلمية، قام فريق دولي من الباحثين من المغرب وماليزيا وأندونيسيا بإجراء مراجعةٍ شاملة سلطوا من خلالها الضوء على العلاقة المتبادلة بين الطاقة والمياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبيان أنواعها المختلفة، إلى جانب دراسة حالة الري بالتنقيط في المغرب وتطبيقات الطاقة الشمسية في الأردن.
وبحسب مؤلفي الدراسة، تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أكثر المناطق التي تعاني من شح المياه على وجه الأرض. وقد كشفت نتائج الأبحاث السابقة عن نقصٍ كبيرٍ في المنطقة حيث يُلاحظ تطور مستمر في عدد السكان والتحضر ونوعية التنمية المعيشية. ومن المتوقع أن تتوسع الحاجة إلى الطاقة والمياه في المستقبل، مما يتطلب القيام باستثماراتٍ كبيرة في تطوير مصادر جديدة للإمداد بالمياه وإنتاج الكهرباء. وبالتالي، فإن فهم الارتباطات بين آليات الطاقة والمياه ضروري لتنفيذ إطار البنى التحتية الأكثر كفاءة وفعالية.
وقد أدت ندرة المياه العذبة في المنطقة إلى تزايد الاعتماد على تحلية المياه خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، وتعد التكنولوجيات المستخدمة في هذا المجال ذات استهلاك كبير للطاقة، إذ يمكن أن تستخدم تحلية المياه ما يصل إلى 100 مرة من الطاقة المستخدمة في معالجة المياه العذبة. ونظرا لحجم السوق الكبير والدور الاستراتيجي لتحلية المياه في المنطقة العربية، فإنّ تركيب سعات جديدة سيزيد من إجمالي استهلاك الطاقة.
ووفقًا للدراسة، فإنّ اعتماد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المتزايد على تحلية المياه الذي يستهلك كثيرًا من الطاقة، يؤكد على الحاجة إلى الإدارة الجيدة للربط بين الطاقة والمياه. إذ يعمل دعم طاقة تحلية المياه على تبديد فرص الاستدامة وإعادة التدوير والمعالجة خاصة وأنّ كلفة الطاقة تمثل ما بين 33-50 % من التكلفة الإجمالية لتحلية المياه.
من ناحيةٍ أخرى يعتمد إنتاج الطاقة بشكلٍ أساسي على الوقود الأحفوري وهو مصدرٌ محدود، لذلك فمن الواضح، كما يقول الباحثون، إنّ هناك حاجة إلى تطوير الطاقات المتجددة لتشغيل محطات تحلية المياه. ولمعالجة المخاوف بشأن انبعاثات الكربون، يتعيّن على الحكومات ربط أي توسّع مستقبلي في قدرة تحلية المياه بالاستثمارات في الطاقة المتجددة المتاحة.
وتطرّق المؤلفون في الدراسة إلى تجربتين نموذجيتين للتحوّل إلى الطاقة النظيفة في توفير المياه للزراعة في كل من الأردن والمغرب. إذ استخدم مشروع التنمية المترابط "غابة الصحراء" (Sahara Forest) الذي أقيم في منطقة العقبة بالأردن الموارد الطبيعية الموجودة على نطاقٍ واسع، ولا سيما الطاقة الشمسية والمياه المالحة، لإنتاج المحاصيل الزراعية داخل دفيئات زراعية (تسمى أيضا صوبات أو بيوت مكيفة) تعتمد على الري والتقاط الرطوبة من الهواء. وقد مكنت هذه الطريقة من خفض الاحتياجات المائية بنسبة 50% عن معظم الدفيئات الزراعية. ويشتمل مشروع غابة الصحراء على العديد من الابتكارات الأساسية، بما في ذلك توليد الطاقة باستخدام الألواح الشمسية، وإنتاج المياه العذبة، وتحلية المياه الساحلية باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، والدفيئات الزراعية المعالجة بمياه البحر، والصوبات الزراعية في الهواء الطلق.
وفي المغرب أدى الاعتماد على تقنية الري بالتنقيط (أو قطرة بقطرة) في القطاع الزراعي إلى تحسين جودة المياه وخفض استهلاك الكهرباء وتقليل إجمالي الإنفاق على المياه والطاقة للزراعة. وبحسب الباحثين، فإنّ الكفاءة العالية لهذه التقنية ستشجع المزارعين على تحسين انتاجهم وتوسيع مساحات الأراضي المروية.
واستعرض مؤلفو الدراسة الفرص التي يمكن أن توفرها عمليات الربط بين المياه والطاقة. وتشمل هذه الفرص اعتماد الحلول التقنية التي تمكن من تقليل حجم المياه المستخدمة في عمليات انتاج الطاقة وتعزيز كفاءتها في محطات الانتاج عبر استرداد الحرارة المشتتة وإعادة استخدامها.
ومع توسع صناعة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يرجح الباحثون أن تصبح إعادة استخدام المياه ذات أهمية متزايدة في استخراج الغاز غير التقليدي واحتياطيات النفط في أعماق الأرض.
وبالنظر إلى النقص الإقليمي في المياه العذبة، سيتيح الاعتماد المتزايد على المصادر الجديدة للمياه، مثل المياه قليلة الملوحة ومياه البحر ومياه الصرف المنزلية والصناعية، مزيدًا من المرونة لأنظمة الطاقة ومستخدمي المياه الآخرين. وتشمل هذه الاستخدامات مجالات مثل انتاج الوقود الحيوي والطحالب. علاوةً على ذلك، يمكن للممارسات المستدامة أن تقلّل من مخاطر هذه العمليات على المياه السطحية والجوفية باستخدام مجموعة متنوعة من طرق الاحتواء وأنظمة المراقبة وأساليب الإدارة.
المصدر
– The application of water–energy nexus in the Middle East and North Africa (MENA) region: a structured review
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة