مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

إقتصاد الهيدروجين الأخضر ودور الطاقة النووية

الكاتب

أ.د/ عمر دسوقي

أستاذ الفيزياء الجيوية الاشعاعية هيئة الطاقة الذرية المصرية

الوقت

08:29 صباحًا

تاريخ النشر

20, أكتوبر 2022

من المتوقّع أن يلعب الهيدروجين دورًا رئيسيًا في تحقيق أهداف تغيّر المناخ، والمساعدة في تأمين إمدادات الطاقة النظيفة الموثوقة في جميع أنحاء العالم. ولكن في الوقت الراهن، ومع إنتاج كلّ الهيدروجين تقريبًا باستخدام الوقود الأحفوري، تبرز الحاجة الماسة للتحوّل إلى الإنتاج النظيف، وذلك من خلال اعتماد الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة. غير أنّ هذا يتطلب إنشاء قاعدة صناعية جديدة وسلاسل إمداد.

حاليًا، يجري استخدام الهيدروجين في إطار العمليات الصناعية بدءًا من إنتاج الوقود الاصطناعي والبتروكيماويات، وصولًا إلى تصنيع أشباه الموصلات وتشغيل المركبات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود. ومن أجل تقليل التأثير البيئي لإنتاج الهيدروجين السنوي لأكثر من 70 مليون طن، تتطلّع بعض البلدان إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وكذلك الطاقة النووية كبديلٍ للوقود الأحفوري.

لماذا الهيدروجين؟

الهيدروجين، العنصر الكيميائي الأكثر وفرة في الكون، هو ناقلٌ للطاقة ينبعث منه فقط بخار الماء والحرارة عند حرقه بالأكسجين النقي. ويمكن تخزينه بكمياتٍ كبيرة، و يُعدّ أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من حرق الوقود الأحفوري. على هذا النحو، فهو بديلٌ محتمل في الصناعات الثقيلة التي تنبعث منها غاز ثاني أكسيد الكربون مثل إنتاج الصلب والمواد الكيميائية، وتصنيع الأسمنت، والنقل للمسافاتٍ الطويلة.

ويُنظر إلى الهيدروجين بشكلٍ متزايدٍ على أنه مكوّن رئيسي لأنظمة الطاقة المستقبلية، إذا كان من الممكن صنعه بدون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهو مادة وسيطة بالغة الأهمية لمعظم صناعة المواد الكيميائية. وقد بدأ استخدامه كوقودٍ للنقل، على الرغم من الحاجة إلى احتواء الضغط العالي. كما يتزايد الاستعانة به في إنتاج وقود النقل السائل من النفط الخام بشكلٍ ملحوظ . ويمكن دمجه مع ثاني أكسيد الكربون لصنع الميثانول، أو ثنائي ميثيل الأيثر، وهما وقودان مهمّان للنقل.

للهيدروجين أيضًا تطبيقات مستقبلية كبديلٍ لفحم الكوك في صناعة الفولاذ والعمليات المعدنية الأخرى. كذلك يمكن استخدام الطاقة النووية لصنعه كهربائيًا. واليوم، يجري استخدامه بشكلٍ أساسي لتكرير النفط وإنتاج غاز الأمونيا،وهناك طلبٌ متزايدٌ عليه في تصنيع الصلب و تشغيل المركبات.

لا يوجد الهيدروجين في صورةٍ حرة (H2)، ويجب تحريره من جزيئات مثل الماء أو الميثان. لذلك فهو ليس مصدرًا للطاقة بحدّ ذاته، ويجب تصنيعه باستخدام الطاقة. إنّه بالفعل منتج كيميائي مهم، حيث يتمّ استخدام حوالي نصف إنتاج الهيدروجين النقي السنوي في صناعة الأسمدة النيتروجينية، وحوالي الربع لتحويل الزيت الخام منخفض الجودة (خاصة تلك الموجودة في رمال القطران) إلى وقود نقلٍ سائل. كما يتمّ تصنيع معظم الهيدروجين اليوم عن طريق بخار الغاز الطبيعي، أو تحويل الفحم الى غاز، مع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2).

إنّ الطلب العالمي  على الهيدروجين الخالي من الكربون يزداد. وتعتمد خطط زيادة إنتاجه بشكلٍ أساسي على التحليل الكهربائي باستخدام الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة. كما يمكن أيضًا استخدام قدرة المفاعلات النووية التقليدية في  غير أوقات الذروة أو غيرها من محطات الطاقة لإنتاج الهيدروجين. وفي المستقبل، هناك فرصة كبيرة لإنتاجه بدون كربون عن طريق تحلّل الماء باستخدام حرارة لطاقة النووية، وذلك من خلال عمليةٍ كيميائية حرارية بواسطة مفاعلات درجات الحرارة العالية.

ويشهد الهيدروجين طلبًا متزايدًا عليه من قِبَل مصافي النفط والمصانع الكيماوية بفضل التقنيات منخفضة التكلفة. ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية ((IEA، لقد بلغ الطلب على الهيدروجين النقي في عام 2018 حوالي 74 مليون طن، منها 38.2 مليون طن في تكرير النفط، و 31.5 مليون طن في إنتاج الأمونيا. وقد كان هناك طلب إضافي قدره 42 مليون طن على الهيدروجين الممزوج بغازاتٍ أخرى مثل أول أكسيد الكربون. من هذا، تمّ استخدام 12 مليون طن في إنتاج الميثانول و 4 مليون طن في الحديد المختزل المباشر (DRI) للصلب. وفي المستقبل، قد يتمّ تحويل بعض الهيدروجين المنتج للوقود إلى أمونيا كوسيطٍ ناقلٍ أكثر كثافة للطاقة من حيث حجم التجارة أو تخزين الطاقة على المدى الطويل، حيث أنّ كثافة الطاقة الكتلية للهيدروجين 120 أو 142 ميجا جول / كجم ، مقارنة بالميثان 50 ميجا جول / كجم والبروبان 46 ميجا جول / كجم والأمونيا 19 ميجا جول / كجم.

وعلى الرغم من وجود تنامي لاقتصاد الهيدروجين بالفعل، وارتباطه بصناعة الكيماويات والتكريرفي جميع أنحاء العالم، إلا أن هناك اقتصادًا أكبر بكثير يلوح في الأفق. فمع الاستخدامات الجديدة للهيدروجين كوقود، قد يتزايد الطلب على مصادر الطاقة الأولية لإنتاجه وذلك لإنتاج الكهرباء. ومن المتوقّع أن يشكّل النقل أكبر طلبٍ على الهيدروجين في كثيرٍ من بلدان العالم مثل دول الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية بحلول عام 2050، ممّا يعكس تحويل المركبات الثقيلة وأسطول سيارات الركاب الكبيرة من الديزل إلى مركبات الهيدروجين FCEV. كما أنه من المتوقّع أن تكون تدفئة المباني ثاني أكبر طلب عليه، ليحلّ محلّ الغاز الطبيعي. وكذلك يمكن للسكك الحديدية استبدال وقود الديزل بالهيدروجين.

دور الطاقة النووية

تنتج الطاقة النووية الكهرباء باعتبارها ناقلًا رئيسيًا للطاقة مع تطبيقاتٍ أخرى معروفة جيدًا. وتُعدّ معامل الطاقة النووية قادرة على إنتاج هيدروجين خالٍ من الكربون كحامل طاقة ناشئ مع مجموعة واسعة من التطبيقات. ويُنظر إلى تطور دور الطاقة النووية في إنتاج الهيدروجين على النحو التالي:

– التحليل الكهربائي البارد للمياه، باستخدام القدرة خارج وقت الذروة (يحتاج من 50-55 كيلو واط ساعة / كجم).  ومن خلال هذا التحليل، تُستخدم الكهرباء من محطة توليد الكهرباء لتقسيم الماء إلى هيدروجين وأكسجين. وهذا يتطلّب تحويل الكهرباء التي تنتجها المحطة من الشبكة إلى المحلل الكهربائي.

– التحليل الكهربائي بالبخار منخفض الحرارة، باستخدام الحرارة والكهرباء من المفاعلات النووية.

– التحليل الكهربائي بالبخار عالي الحرارة، باستخدام الحرارة والكهرباء من المفاعلات النووية.

– إنتاج حراري كيميائي عالي الحرارة باستخدام الحرارة النووية. ويمكن استخدام الحرارة بين 600-900 درجة مئوية التي ينتجها مفاعل نمطي متقدم (AMR) في وجود محفّزات كيميائية لتسبب انقسام الماء إلى هيدروجين وأكسجين.

– بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحرارة النووية أن تساعد في العملية التي توفّر معظم الهيدروجين في العالم اليوم: وهي استخدام الحرارة النووية للمساعدة في إعادة تشكيل الغاز الطبيعي (الميثان) بالبخار.

 

ويتطلب إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار Steam reforming of methane (SMR) درجات حرارة تزيد عن 700 درجة مئوية للجمع بين الميثان والبخار لإنتاج الهيدروجين وأول أكسيد الكربون. ومن شأن مصدر الحرارة النووية أن يقلّل من استهلاك الغاز الطبيعي بحوالي 30%، ويزيل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.

من المتوقّع أن تعمل المفاعلات المتقدمة في درجات حرارة أعلى بكثير، وستسمح للمحطات النووية بإنتاج الهيدروجين بكفاءةٍ أكبر لتوسيع نطاق الصناعة بشكلٍ ملحوظ. كما يمكن استخدام مفاعلات درجات الحرارة المرتفعة للحدّ من الانبعاثات الناتجة عن عمليات إعادة تشكيل البخار والميثان التقليدية عن طريق استبدال الغاز الطبيعي الذي يتمّ حرقه لإنتاج البخار وتوفير الحرارة الأساسية لإصلاح مخاليط الغاز الطبيعي/ البخار. كما يتمّ تطوير عمليات كهروكيميائية جديدة لتحويل الغاز الطبيعي مباشرة إلى هيدروجين وبلاستيك باستخدام الطاقة النووية، والتي من شأنها أن تتجنّب تمامًا انبعاثات الهواء، وتحقّق كفاءات أعلى.

في نهاية المطاف، يمكن للطاقة النووية أن تدعم الصناعات التحويلية في البلاد عبر قطاعاتٍ متعددة من خلال توفير الطاقة النظيفة لإنتاج الهيدروجين والوقود والأسمدة والصلب والبلاستيك والمواد الكيميائية الأخرى.

 

المراجع

 https://world-nuclear.org/information-library/energy-and-the-environment/hydrogen-production-and-uses.aspx

 https://www.energy.gov/ne/articles/could-hydrogen-open-new-markets-nuclear

 

تواصل مع الكاتب: omardesouky@yahoo.com​

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

      

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
ضيف
ضيف
10/24/2022 3:06 مساءً
عنوان التعليق
الهيدروجين الاخضر
ضيف
ضيف
11/01/2022 12:37 مساءً
عنوان التعليق
مقال اكثر من رائع وشرح وافي .كل الشكر والتقدير ل ا د عمردسرقي
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x