يعتبر الاحترار العالمي الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن احتراق الهيدروكربونات إلى جانب زيادة الطلب على الطاقة على مستوى العالم، من أهم العوامل التي تدفع الدول إلى البحث عن بديل للمصادر التقليدية للطاقة. ورغم تمتع دول مجلس التعاون الخليجي بوفرة كبيرة من موارد الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لا يزال الوقود الأحفوري يهيمن على استهلاك الطاقة الأولية، ولا تتجاوز حصة الطاقة المتجددة 1%.
في ورقة علمية جديدة نشرت مؤخرا في دورية "الطاقات" (Energies) العلمية، قامت باحثتان من مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية بالرياض وجامعة سنغافورة الوطنية، بدراسة الأسباب الكامنة وراء قلة استخدام موارد الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي. وبينت الدراسة أهمية تطوير الطاقة المتجددة وحددت العوائق التي أدّت إلى إبطاء نشر تقنيات الطاقة المتجددة في دول المنطقة، كما طرحت توصيات للتغلب على العوائق وتعزيز التنفيذ الناجح لمشاريع الطاقات المتجددة.
استخدام محدود للطاقات المتجددة في دول الخليج رغم فوائدها
ذكرت المؤلفتان في مستهل الدراسة أن الموارد الهيدروكربونية المتوفرة في دول مجلس التعاون الخليجي، تمثل ما يقرب من 30% من إجمالي احتياطيات النفط في العالم وحوالي 20% من إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي. وكان لهذه الموارد دورا مركزيا في تلبية احتياجات الطاقة لدول المجلس الست وهي البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. غير أن الديناميكيات المتغيرة لسوق الطاقة على الصعيدين المحلي والدولي خلقت ضغوطا ع لى هذه الدول لإعادة تقييم تطورها في مجال الطاقة المتجددة.
ورغم ما تتمتع به المنطقة من إمكانات كبيرة للطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية، وزيادة القدرة المركبة لإنتاج هذه الطاقة من 17 ميغاواط في 2011 إلى 3271 ميغاواط في 2020، إلا أن الدور الحالي للطاقة المتجددة في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في المنطقة لا يزال ضئيلا نسبيا، ولا يمثل سوى 1% من إجمالي استهلاك الطاقة الأولية في المنطقة.
رغم ما تتمتع به دول الخليج من إمكانات كبيرة للطاقة المتجددة، إلا أنها لا تمثل سوى واحد بالمائة من مصادر الطاقة المستخدمة
وبينت الباحثتان أهمية نشر تقنيات الطاقة المتجددة من حيث أنها تمثل فرصة لدول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة التحديات الجديدة المتعلقة بالأمن الطاقي، وتساهم في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحسين نوعية الهواء، والحد من الآثار السلبية لتغير المناخ. كما يساعد مزيد الاعتماد على الطاقات المتجددة دول المنطقة على المضي قدما في تنويع اقتصاداتها التي تعول بشكل رئيسي على عائدات تصدير النفط والغاز.
وتشير إحدى الدراسات إلى أن دعم الانتقال بنسبة 100% إلى الطاقة المتجددة يمكن أن يطلق العديد من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في دول الخليج العربية على المدى الطويل. وتتضمن هذه الفوائد خلق ما بين 50 و500 ألف فرص العمل بحلول عام 2050، وتحسين أمن الطاقة عن طريق تقليل الطلب عليها بنسبة تصل إلى 60%.
وبحسب الدراسة، فإن تقنيات الطاقة المتجددة يمكن أن تلعب دورا مهما في معالجة قضيتين بيئيتين رئيسيتين في دول مجلس التعاون الخليجي هما انبعاثات الكربون وتلوث الهواء. وقد أظهرت دراسات سابقة أن انبعاثات الكربون تزداد بنسبة 6% سنويًا في المتوسط في دول المنطقة التي تعد أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري المتغيرة المناخ في العالم على أساس نصيب الفرد.
وتناولت الدراسة بالبحث الأسباب التي أبقت حصة الطاقة المتجددة منخفضة في دول مجلس التعاون الخليجي، وأظهرت أن قضايا الجدوى الفنية والاقتصادية كانت العوائق الرئيسية التي حالت دون المزيد من الاعتماد على الطاقات المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي. كما كشفت أن العديد من العوامل الإضافية قد أثّرت بشكل ملحوظ في استمرار هذه الوضعية. وتشمل هذه العوامل الحواجز المؤسسية، لا سيما منها تلك المتعلقة بسياسة الطاقة المجزأة، وعدم وجود كيان مخصص للطاقة المتجددة، وغياب إطار تنظيمي لها في دول المنطقة.
كما توجد حواجز متعلقة بسوق الطاقة تلعب دورا هاما في الحد من القدرة التنافسية لتقنيات الطاقة المتجددة في دول المجلس بسبب الدعم المرتفع للمواد الهيدروكربونية، وتعريفة الكهرباء المنخفضة. ورغم أن دعم تطوير الطاقة المتجددة في هذه الدول قد حظي باهتمام وجهد كبيرين من الكيانات البحثية المحلية، فإن الآثار المترتبة على نتائج البحوث لم تتجاوز مجال البحث. ولا تزال فجوة التنسيق بين البحث والحكومة والقطاع الخاص قائمة، وفقاً للدراسة.
توصيات
قدمت الدراسة جملة من المقترحات لتجاوز العوائق التي تحول دون بلوغ الأهداف الطموحة التي وضعتها دول الخليج العربية لتطوير استخدام الطاقات المتجددة. من بين أهم هذه المقترحات إنشاء كيان مخصص له صلاحيات واضحة لدعم تحقيق أهداف الطاقة المتجددة من خلال تقليل الحواجز المؤسسية وتسهيل عملية الحوكمة والحصول على التصاريح والموافقات اللازمة لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة. إضافة إلى الإسهام في تعزيز تنسيق الجهود للقضايا المتعلقة بالطاقة مثل النفط والغاز والكهرباء وتحلية المياه وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
كما أكدت الدراسة على أهمية التنسيق بين كيانات الطاقة المختلفة في كل دولة لضمان الاتساق وتجنب تجزئة السياسة الطاقية. وستؤدي مشاركة كل الجهات الفاعلة في عملية صنع القرار إلى التقليل من المخاطر المرتبطة باستيعاب تقنيات الطاقة المتجددة. كما سيمكن من نشر مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع مع تجنب ازدواجية الجهود وتضارب المصالح، إضافة إلى تسهيل تبادل المعرفة والخبرات فيما بينها.
وأوصت المؤلفتان بمراجعة تسعير المحروقات بحيث تعكس أسعار الكهرباء تكلفة الإنتاج الحقيقية. وسيؤدي ذلك ليس فقط إلى زيادة القدرة التنافسية لمصادر الطاقة المتجددة وتعزيز الاستخدام الفعال للطاقة، بل كذلك إلى خفض الضغط على ميزانية دول الخليج. لكن هذه المراجعة يجب أن تراعي الآثار المحتملة لإلغاء هذا الدعم على المستهلكين ذوي الدخل المنخفض، وخاصة في القطاع السكني.
كما أن هناك حاجة إلى توفير أدوات مالية مخصصة في دول الخليج لتحفيز المستثمرين على الانخراط في تطوير الطاقة المتجددة، وخاصة صغار المستثمرين من القطاع الخاص. ويمكن أن تكون المنح النقدية المباشرة أو القروض الميسرة طريقة لخفض تكاليف الاستثمار الأولية المرتفعة لمصادر الطاقة المتجددة. كما يمكن أن تكون الإعانات لدعم استثمارات أصول الطاقة المتجددة متوسطة وكبيرة الحجم، آلية جذابة لخلق بيئات تنافسية لمشاريع الطاقة المتجددة وتقنيات الإمداد بالطاقة التقليدية.
وأشارت الدراسة إلى أن عمليات تركيب الألواح الشمسية على الأسطح يمكن أن تكون واعدة لنشر مشاريع الطاقة المتجددة الصغيرة. وسيساعد اعتماد آلية الفوترة التي تمنح مالكي أنظمة الطاقة الشمسية حوافز مادية مقابل الكهرباء التي يولدونها، في تشجيع المستهلكين على قياس استهلاكهم للكهرباء وإنتاجهم من مصادر متجددة، إضافة إلى تعزيز الوعي العام بأهمية الطاقة النظيفة
ودعت المؤلفتان دول الخليج إلى دعم الاستثمار في البحث والتطوير في تكنولوجيات الطاقة المتجددة والعمل على توفير بنية تحتية قوية لتشجيع الابتكار على المستوى الوطني، خاصة أن معظم تقنيات الطاقة المتجددة المستوردة لا تعمل بكفاءة في البيئة الخليجية نتيجة عوامل عدة مثل الرطوبة والحرارة والغبار.
المصدر
– Renewable Energy Development in the Gulf Cooperation Council Countries: Status, Barriers, and Policy Options
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة