في تقريرها لعام 2015 "سبعة أسباب للاهتمام بالنزاهة في البحث"، ذكرت منظمة "علوم أوروبا Science Europe ما يلي: "نزاهة البحث أمر جوهري لنشاط البحث والتميز. إنه من صميم البحث نفسه.
إنه أساس للباحثين لكي يثقوا في بعضهم البعض بالإضافة إلى الثقة في سجلات البحث، وعلى نفس القدر من الأهمية، أنه أساس ثقة المجتمع في النتائج البحثية والخبرة العلمية. إن سوء السلوك البحثي ليس جريمة بلا ضحايا، ويمكن أيضاً أن يضر بالسمعة والوظائف والمرضى والجمهور. كما أنه يُعدّ إهدارًا للاستثمار العام في البحث، وأن علاجه مكلف".
بدون النزاهة لا يوجد بحث هادف ذو قيمة ومعنى، وبالتالي لا يوجد علم. فالعلم بحث عن الحقيقة وإضافة إلى المعرفة الجمعية الإنسانية، فكيف يمكن اعتبار الغش والتدليس وتشويه الحقيقة "علماً"؟حتى مع وجود ضوابط وتوازنات أنظمة مراجعة الأقران، ومجالس الأخلاقيات، والتدقيق الأكاديمي، التي من شأنها ضبط صحة النتائج والمعلومات التي تنشر، تظل الكثير من جوانب أبحاثنا تعتمد على إجراء العلم بطريقة أمينة ونزيهة وشفافة من قِبل الباحث. يظل الباحث مركز العملية والنشاط العلمي وحامل أمانة الحقيقة والصدق والمصداقية، وبالتالي يحمل أمانة سمعة العلم والمجتمع العلمي من جهة، وأمانة مصلحة كل فئات المجتمع الإنساني وبيئته، من جهة أخرى. فلك أيها الباحث الكريم أن تتخيل عظم الأمانة التي تحملها والتي سيسألك الله عنها، حتى وإن لم يعلم بها الناس، وبالتالي مكانتك وأهميتك وأهمية التحلي بالقيم والأخلاق العالية التي تتناسب مع هذه الأمانة والمكانة.
وللتوضيح لابد هنا من التفريق بين "النزاهة" و "سوء التصرف"
تمثل النزاهة كلاً من أخلاقيات وجودة الصرامة الأكاديمية وأفضل الممارسات في منهج العلم وعرضه وبيانه. يمكن أن يشمل ذلك أفضل الممارسات في إجراء التجارب والتقنيات التجريبية، فضلاً عن الاستخدام السليم للنُهج الإحصائية والتحليلية، والشفافية الشاملة للأساليب، وتوافر البيانات. لذلك يمكن تلخيص النزاهة على أنها تمثل معايير أفضل الممارسات والاتفاقيات، والتي تضمن الشفافية والتدقيق والتكرار التحليلي. تعمل الضوابط والتوازنات العلمية بجد لرفع هذه المعايير بشكل بنّاء عند تطبيقها بشكل جيد. وبالتالي، فإن ضعف معايير النزاهة يمكن أن يمثل ممارسة قذرة ومخرجات علمية غير مجدية في نهاية المطاف، وحالات من السرقات الأدبية عند مراجعة ومناقشة أعمال الآخرين، ولكن هذه الممارسات ليس بالضرورة ناتجة عن إهمال متعمد أو سوء نية من قِبل الباحث، ولكنها ضعف في تطبيق معايير النزاهة.
من ناحية أخرى، تمثل الممارسات الخاطئة الإهمال المتعمد، وتلفيق البيانات، والانتحال المتعمد، والنهج غير القانوني وغير الأخلاقي إلى حد كبير.
لحسن الحظ، تظل حالات سوء الممارسة نادرة، ولكن يمكن أن يكون لها تأثير كبير جدًا وتكون خطيرة للغاية على المجتمع العلمي والمجتمع ككل. تتضمن بعض الأمثلة المعاصرة للمجالات التي يجب فيها منع الممارسات الخاطئة بعناية من أجل الصالح العام (على سبيل المثال لا الحصر): تحرير جينات السلالة الجرثومية، وتطبيق الذكاء الاصطناعي. يمثل هذان المثالان التحديات الأخلاقية الحالية في البحث العلمي، ولكن النزاهة ومنع الممارسات الخاطئة واجبة في كل فرع من فروع العلم.
قد تكون إغراءات اختلاق أو نسخ النتائج المثالية عظيمة، لكن الضرر المحتمل الذي يمكن أن يسببه ذلك لكل من السمعة والمعرفة والسلبيات المترتبة تفوق إلى حد كبير أي إيجابيات متصورة بشكل خاطئ. بصفتنا علماء أخلاقيين، فإننا نتحمل مسؤولية أن نكون يقظين تجاه أنفسنا والآخرين، وأن نتأكد من أننا نظل بعيدًا عن اللوم في جميع الأوقات.
يجب أن يلتزم أي بحث تجريه بالإرشادات الأخلاقية والنزاهة التي وضعتها مؤسسة البحث التي تعمل فيها، خاصةً إذا كان ينطوي على انتهاك محتمل لخصوصية الآخرين ومصلحتهم. تمتلك معظم المؤسسات البحثية مثل هذه السياسة، والتي تقع ضمن التسلسل الهرمي للنهج القانونية والتنظيمية للتخفيف من حالات سوء الممارسة والاستجابة لها.
قد يتصور البعض أن البحوث الطبية وما يتعلق بالصحة هي التي تجب فيها النزاهة والأخلاق أكثر من غيرها، ولكن هذا غير دقيق، ويجب أن تؤخذ النزاهة والأخلاق على محمل الجد عندما يكون لبحثك تأثير مباشر على حياة الآخرين، حتى وإن كان، على سبيل المثال، التصوير بواسطة تحليق طائرة بدون طيار بالقرب من الناس أو من بناء أعلى، أو عند استخدام صور القمر الصناعي لتسجيل صور عالية الدقة للأراضي المملوكة ملكية خاصة، أي كل ما فيه احتمال ضرر أو اساءة لشخص ما سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
بصفتنا علماء أخلاقيين، يجب علينا أيضًا التصرف بنزاهة تجاه زملائنا الباحثين. يعد تجنب الانتحال، والسعي الصريح للحصول على إذن منهم، وذكر الشكر والاعتراف المناسبين لهم، من المكونات الأساسية لبناء بيئة بحثية خصبة. دائماً ضع نفسك مكان الآخرين، وفكر فيما كنت ستشعر به إذا تم استخدام عملك وجهدك بطريقة مماثلة. كعلماء، نحن مدينون لبعضنا البعض، ويجب التأكد من حصول الجميع على حقوقهم بطريقة تتناسب مع ما عملوه بشكل شرعي.
ماذا يجب علينا أن نعمل لرفع معايير النزاهة الأكاديمية في مؤسساتنا؟
من واجبنا التحدي والإبلاغ عن حالات المعايير الرديئة أو النزاهة الأكاديمية وسوء الممارسة، في كل حال.
سواء كنا ضمن فريق بحثي لضمان النزاهة كمؤلفين مشاركين، يجب علينا تحدي فرق البحث التي نعمل فيها إذا تم تحديد معايير ضعيفة، والعمل بشكل بناء للوصول إلى حلول جيدة. وبصفتنا مراجعين ومحكمين لأوراق بحثية، لدينا نفس الواجب. وكأعضاء في المجتمع الأكاديمي، يجب أن نسعى لنشر الحقيقة ودحض المعلومات الخاطئة أو الاستنتاجات غير الدقيقة.
ومع ذلك، قد تتطلب الممارسات الخاطئة الحقيقية (المقصودة) تدخلاً أكثر رسمية وجدية. يمكن أن يشمل ذلك الإبلاغ عن مخاوف مثل الانتحال والتلفيق للمجلات (مما قد يؤدي إلى التراجع على سبيل المثال)، أو الإبلاغ عن هذه المخاوف نفسها إلى إدارة المؤسسة أو هيئة تمويل أو هيئة عامة أو تنظيمية أو في حالات نادرة للغاية، الشرطة. عند القيام بذلك، قد يكون من المفيد أولاً مناقشة أسلوبك في الإبلاغ عن سوء التصرف مع زميل موثوق به أو مدير مباشر، ولكن هذا لا ينبغي أن يمنعك من التصرف وفقًا لقيمك إذا كان لديك سبب موضوعي للتشكيك بجدية في حالة محتملة من سوء الممارسة.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون موضوعياً ومتجرداً، ولا يكون هدفك الإساءة أو التستر على أحد، فالغش وعدم النزاهة في البحوث العلمية ونتائجها ليست موضوعاً خاصاً وسهلاً، بل على العكس من ذلك تماماً، إنه جريمة حقيقية قد تكون لها آثاراً كارثية، فواجبنا أن نكون قوامين بالقسط ولو على أنفسنا أو على من له مكانة عندنا، وبالمقابل، فإن الإبلاغ عنها بدون تأكد قد يكون فيه إساءة إلى السمعة وظلم مفترى، فكن واعياً لكل هذا..
لمزيد من القراءة حول هذا الموضوع الواسع والمهم والتحديات المعاصرة، انظر دليل النزاهة الأكاديمية: Handbook of Academic Integrity
البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org
سلسلة ضع بصمتك على الإنترنت
– المدونة والبودكاست
– يوتيوب YouTube
– وسائل التواصل الاجتماعي
– تويتر Twitter
– فيس بوك
– مزيدا من وسائل التواصل
– التعاون الرقمي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة