لابد للفيروسات من الدخول في خلية حيَّة لكي تتضاعف. ومن الطبيعي والمعروف أن يحصل للفيروسات بعض التغيُّر في أشكالها (التَّطَفُّر)، ويظهر ذلك في تركيبة أسطحها، مع مرور الوقت ومع كثرة انتشارها بين المخلوقات خاصةً تلك التي بها جهازٌ مناعي، فكلما تضاعفت حبيبة فيروس كان هناك احتمال لبعض التغيير، وعندما تجعل هذه التغيرات الفيروس الناتج مختلفاً عن الفيروس الأصلي تُدعى هذه الحبيبات الفيروسية المُتغيرة بالـــ "مُتحوِّرات"، والتي يمكن التعرف عليها عن طريق معرفة التسلسل الجيني لكل متحور وبناء خريطة أو شجرة وراثية توضح مدى تقاربها.
وبما أن فيروس كوفيد-19 (سارس-كوفي-2) بدأ في الانتشار عالمياً منذ أكثر من سنتين، فقد ظهرت متحوّرات كثيرة وفي دولٍ عديدة حول العالم. وغالبية هذه المتحوّرات لا تُعار اهتماما لكون التغير الذي حصل لها بسيط وتافه ولا يغير شيئا في سلوك الفيروس من حيث الضراوة والانتشار، ولكن القليل جدا منها يعتبر ذو أهمية، لكون هذه المتحورات تنتشر بسهولة وتتهرَّب من المفعول المُعتاد للجهاز المناعي، وتُغيِّر من الصورة السريرية للمرض، وتؤثِّر سلباً على نصائح واحترازات الصحة العامة، والفحوصـــات المخبرية، ومحاولات العلاج، واللقاحات. والفيروس المتحوِّر يحتوي على طفرات mutations يُشتبه في أنها أو معروفٌ عنها حصول متغيرات تجعل من الفيروس قادراً على إصابة مجموعات عديدة من الأشخاص في عدة أقطار.
وهناك الكثير من متحورات فيروس كوفيد-19 تتم مراقبتها من مراكز كثيرة، أهمها منظمة الصحة العالميّة، للتحقق من أنَّها ليست من المتحورات المهمة، وقد أُطلق على هذه المتحورات أسماء من الأحرف الإغريقية للتعريف بها بسهولة وبدون تمييز عرقي أو جغرافي، وهذه الأحرف لا تُلغي الأسماء العلمية التي لها مدلولات عند العلماء والباحثين. وللمعلومية فإن كل الفيروسات وخاصة تلك التي تكون مادتها الوراثية هي الحمض النووي الرايبوزي (رنا) بما في ذلك فيروس كوفيد-19 (سارس-كوفي-2) ستستمر في التحوُّر طالما أنها لاتزال مستمرةً في الانتشار، وكلما ازداد الانتشار يزيد على هذه الفيروسات الضغط الذي يجعلها تتغير أكثر وبصورٍ مختلفة، وبالتالي فإن أفضل الطرق لمنع مثل هذا التحور هو إيقاف الانتشار. وهناك تنسيق قائم بين المراكز الصحية مثل منظمة الصحة العالمية وبين الباحثين والعلماء في جميع أنحاء العالم لرصد وفهم ومعرفة جميع متحورات فيروس كوفيد-19 من حيث الانتشار والقابلية للانتقال بين الناس، وشدة الإمراض وحصول عدوى ثانية به، وأداء اللقاحات والفحوصات المخبرية، وفعّالية طرق العلاج المختلفة، والتنبؤ بظهور متحورات أخرى من الفيروس أو من متحوراته وما إذا كانت تُغير أيا من خصائصه المعروفة.
المتحورات المهمة
والمقصود بذلك هي تلك المتحورات التي تثير القلق ويجب الانتباه لها، حيث لوحِظ أنها سريعة الانتشار وشديدة الإمراض، والكشف عنها ليس سهلاً عند ظهورها، فارتباطها منقوص مع الأجسام المضادة للمرض والموجودة من عدوى سابقة أو تطعيم. وكثير منها ينبثق منه ويتفرَّع عنه عدة متحورات أخرى، ولكنها كلها تتصرّف مثل الأصل، وللحماية منها أو من شدة إمراضها توصي الهيئات الصحيّة الدوليّة بأخذ جميع جرعات اللقاح التنشيطيَّة أو المُعَزِّزَة، والجرعة المعززة الثانية يُنصح بها حاليا من هم فوق سن الخمسين أو من لديهم نقص في المناعة، وهي إلى الآن خمسة متحورات، وتُقسم إلى قسمين:
1- المتحورات المهمة السابقة، وهي تلك التي كانت تواجدت في بدايات الجائحة وتقلَّصت أهميتها بمرور الوقت نظرا لتنافس متحورات أخرى على إحداث المرض، ويبين الجدول التالي تلك المتحورات.
2- المتحورات المهمة الحاليَّة، وهي تلك التي أكثر ما يسبب المرض في هذه الأيام (مايو 2022 ) وصُنِّفت كذلك من هيئات مهمة مثل منظمة الصحة العالمية ومراكز التحكم في الأمراض، وتتمحور حولها كثير من الدراسات البحثية لزيادة التعرف عليها، ويبين الجدول التالي تلك المتحورات:
متحور دلتا يعتبر حاليا هو المسيطر والمهيمن، إذ أن كثيراً من الإصابات في العالم حاليا تكون بسببه، وينتشر بسهولة أكثر من متحورات ألفا وبيتا وقاما ومسئول عن كثير من الحالات والوفيات حول العالم، ولكن جميع اللقاحات المتوفرة والموافق عليها من السلطات المهمة يمكنها التخفيف من شدة إمراضه، والذين يمرضون به يكونون في الغالب، ممن لم يأخذ اللقاح.
متحور أوميكرون يحتوي على طفرات عديدة، أكثر من غيره من المتحورات، وقد سبب تغييرا كبيرا في خصائص مرض كوفيد-19 لعل من أهمها أنه أسرع انتشاراً وأقلُّ إمراضاً من غيره من المتحورات بما في ذلك متحور دلتا، وهو السائد في أغلب الدول المتقدمة، وهناك شكوك في أن الجرعتين من اللقاحات الحالية لا تعطي حماية كافية منه، ولذا فالجرعات التنشيطية المعززة (ثالثة ورابعة) تعتبر مهمه جدا للحماية منه ومن غيره من المتحورات، والدراسات جارية لمعرفةٍ أكثر عن هذا المتحور وخاصةً تأثير التطعيمات الحالية على منع أو تخفيف العدوى بمتحور أوميكرون.
الخاتمة
سيستمر ظهور المتحورات طالما أن فيروس كوفيد-19 لايزال منتشرا بين الناس في أيٍ من بقاع الأرض، والمعلومات التي لدينا حالياً تفيد بأن التطعيم مفيد جدا لكل المتحورات، فهو إمّا يمنع حدوث المرض أو يقلل كثيرا من أعراضه وشدة إمراض الفيروس ويقلل أيضا من الوفيات. ويقول الخبراء أن من أسباب نشوء المتحورات الجديدة بما في ذلك المُحتملة هي محدودية وصول أو أخذ اللقاح من بني البشر، وخاصة في الدول النامية، والذي يتسبب كذلك في استمرار تواجد الفيروس ومتحوراته. ومن المهم معرفة أن التطعيم (جرعتين أو أكثر) تكون حمايته متفاوتة من شخص إلى آخر، وأن هناك من يُصاب بالمرض حتى لو تمَّ تطعيمه، ويسبب عدوى لآخرين، وخاصة لو لم يكونوا ممن تلقوا جرعتي اللقاح الأولى والثانية، وهذا يدعونا إلى الاستمرار في إتباع الإجراءات الاحترازية مثل الالتزام بلبس الكمامات وبالطريقة السليمة والاستمرار في التباعد وغسل اليدين جيدا ودائما، والعطس في منديل ورقي أو على المرفق وتهوية الأماكن الضيقة أو المزدحمة، وتأخير السفر إذا لم يكن ضروريا، والأهم هو تلقّي التطعيم.
تواصل مع الكاتب: profahdal@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة