الصوم والعمل
من الناحية المالية فالأمر بسيط ويمكن لكل شخص أن يلمسه. فالعائلة المسلمة تصرف في شهر رمضان أكثر من باقي الشهور لأمور هي كمالية أكثر منها ضرورية. وكذلك فإن تقليل ساعات العمل له مردودات سلبية على البلاد الإسلامية ولا أدري لماذا تقل ساعات العمل في شهر رمضان. فإني رأيت في بعض البلاد بأن ساعات العمل تقل إلى 3-4 ساعات يومياً فقط. العمل جهاد وعبادة وعطاء، فما أعظم أن يعمل الإنسان ويصوم فالجهاد والأجر سيكون مضاعف، ولا أعتقد بأنه توجد مبررات صحية لتقليل ساعات العمل للصائمين وخاصة للذين لا يبذلون جهوداً عضلية في عملهم. وقد يحتاج العمال الذين يعملون بالحر ويبذلون جهداً ضخماً من العمل إلى تقليل ساعات عملهم ولكني رأيت أناساً كباراً في السن يعملون عملاً تحت الشمس ولساعات طويلة وهم صائمون.
وزن الإنسان عبارة عن ميزان ما بين ما يأخذه من طعام وبين ما يصرفه في الحركة والتفكير. وشعورك بالجوع أو إذا أردنا أن نحصل على تأثيرات الجوع الإيجابية أو تأثيرات الصيام الإيجابية علينا أن لا نقلل الغذاء فقط بل علينا الاستمرار بالمجهود الحركي والذهني كما كان قبل الصيام أو زيادته. إذا قل الطعام وكثر النوم فلا فائدة ترجى. وهذا هو السبب الذي يجعل فوائد الصوم الصحية معدومة في الوقت الحاضر بسبب كثرة ساعات النوم التي يقضيها الصائم. من هنا ندرك بأن تقليل ساعات العمل غير نافع للصائمين صحياً واقتصادياً. وإذا شعر الصائم بأنه تعبان ومنهك وغير قادر على العمل في النهار فالسبب ليس الصيام ولكن طريقة الحياة الخاطئة التي نعيشها. فالإرهاق والتعب وقلة التركيز تكون ناتجة عن قلة النوم الليلي بالدرجة الأولى وعدم وجود لياقة بدنية للصائم. من هنا أؤكد على أن نقوم أخي القارئ بتغيير كامل لنمط حياتنا هذا الشهر. ننام ليلاً الساعات الكافية، نصحو صباحاً، نأكل غذاء صحي، تستمر بالمجهود الحركي وهذا يؤدي إلى شعورك بالنشاط والعطاء. جرب معي هذا الشهر وستجد فيه شهراً مختلفاً تماماً عن السنوات الماضية وستعرف معنى الصوم الحقيقي عملاً وعبادة.
الصوم والنوم
أنت تعرف بأن عدد ساعات النوم أثناء شهر رمضان تكون قليلة ومتقطعة. وهذا يؤدي إلى مخاطر جسيمة على الصحة.
إن قلة النوم في الليل وتغيير مواعيده تؤدي إلى انخفاض عدد الخلايا المناعية القاتلة. ولكن عند الرجوع إلى النوم الليلي فإن عدد الخلايا المناعية ونشاطها يرجع إلى وضعه الطبيعي. هذا الاكتشاف نشر في جامعة كاليفورنيا في أمريكا عام 1999 (Psychosom 1994,56,493). إن عند قلة النوم في الليل فإن مستوى إفراز هورمون اللدستيرون يقل بينما يزداد مستوى الكورتزون في الدم. وهذا يؤدي إلى إرباك في مستوى الهورمونات التي يفرزها الجسد في الليل. إن اللدستيرون مهم لتخليص الجسد من الأملاح الزائدة ويقوم بتنظيم ضغط الدم (Sleep Res 2001,10,27).
إن قلة النوم في الليل تؤدي إلى بطء في إفراز هورمون الذكورة التستيرون في ساعات الليل (Clin End Metab 2001, 86,1134)، إن تعرض الجسد إلى الضوء القوي في الليل يؤدي إلى زيادة إفراز الكورتزون وقلة أو إيقاف إفراز الميلاتونين. هذا الاكتشاف نشر من جامعة شيكاغو في أمريكا عام 2001 (J Clin Endocrinol Metab 2001,86,151).
أما من جامعة كاليفورنيا – سان دياغو في أمريكا فقد أثبتت التجارب على أن قلة النوم في الليل تؤدي إلى زيادة مستوى الكوتكالمين Catacholamines وهذا يسبب أمراض القلب والشرايين. الأشخاص الذين يتعرضون إلى قلة النوم الليلي يكون مستوى ضغط الدم عندهم مرتفع وتكون دقات القلب مرتفعة مقارنة بالأشخاص الذين ينامون بصورة منتظمة في الليل. هذا الاكتشاف نشر من قسم الأمراض الباطنية/جامعة بافا في بريطانيا عام 1999 (Am J Hypertens 1999,12,63).
إن تقليل ساعات النوم الليلي من ساعة إلى ساعة ونصف تؤدي إلى إرباك في العمل أثناء النهار حيث يقل الانتباه والتركيز بنسبة 32% وقد وجد بأن 57% من الحوادث في النهار سببها قلة النوم الليلي. يجب على الإنسان أن ينام بمعدل ثمان ساعات ونصف في الليل وإذا قلت إلى سبع ساعات ونصف فإن الشخص يتعرض إلى أضرار قلة النوم الليلي. هذه الحقائق نشرت من جامعة رايت ستيت، أوهايو في أمريكا في المجلة المتخصصة للنوم (Sleep, 1995,18,908).
من ناحية أخرى فإن لقلة النوم في الليل تأثيرات على الجهاز التنفسي. جامعة لافا في كندا نشرت بحث علمي أظهر بأن تقطع النوم الليلي يؤدي إلى ضعف جهاز التنفس (Am J Resp Crit Care Med 1994,150,481). ومن هنا يظهر أهمية النوم في الليل وأن النوم في النهار لا يمكن أن يعوض نوم الليل. إن الظلام أخي القارئ يؤدي إلى زيادة كبيرة في الميلاتونين ولكن عند وجود ضوء قوي أو ضوء معتم في الليل فإنه يوقف إفراز الميلاتونين وهذا يؤدي إلى زيادة في نمو الأمراض السرطانية عند وجودها في الجسد. لقد توفرت الدلائل على أن التعرض إلى الضوء أثناء الليل يؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بالسرطان بسبب قلة إفراز الميلاتونين. هذا الاكتشاف نشر في أمريكا عام 2002 (Neuroendocrinol Lett 2002, 23, 52).
يعتبر الميلاتونين من أقوى مضادات التأكسد لأن هذه المادة لها القدرة على الدخول إلى خلايا الجسد وإزاحة الجذور الحرة المتولدة داخل الخلايا. يفرز الميلاتونين من الغدة الصنوبرية في المخ ويفرز حوالي 2.8 ملغم في اليوم الواحد. أثبتت الأبحاث الحديثة أن الأمعاء يمكن أن تصنع الميلاتونين. وهذا مفيد لأن الميلاتونين قادر على مقاومة السرطان وأمراض الشيخوخة ويوقف تحطم DNA بواسطة الجذور الحرة لعوامل التأكسد. ليس هذا فقط، ولكن وجد بأن الميلاتونين له دور مهم في المناعة ويعتبر من الهورمونات المحفزة لها. ولكن هذه المادة الفعّالة تقل عند تقدم العمر مما يؤدي إلى العجز وأمراض الشيخوخة. أظهرت التجارب الحديثة على الحيوانات المخبرية على أن إعطاء الميلاتونين إلى الحيوانات المتقدمة في السن يطول عمرها ويحميها من الأمراض.
العيون وخاصة في الشبكية يتم تصنيع الميلاتونين لمقاومة عوامل التأكسد حيث تعتبر الشبكية في العين من أكثر مناطق الجسد تعرضاً لآثار عوامل التأكسد. إن التجارب المثيرة الحديثة أظهرت بأن قلة الطعام تؤدي إلى زيادة مستوى وتراكيز الميلاتونين في الدم وهذه الكميات تأتي بصورة مباشرة من الخلايا المبطنة لجدار الأمعاء. إذن زيادة الميلاتونين مهمة للجسد وأنها تؤدي إلى رفع مقاومته ضد الأمراض وذلك بتحفيز نمو غدة الثايمس ورفع عدد خلايا اللمفوسايت. وجد حديثاً كما قلنا سابقاً بأن قلة الغذاء يؤدي إلى إطالة العمر وتقليل في نسبة الإصابة بالسرطان.
عند تقدم العمر يحدث ضمور في غدة الثايمس المناعية. ولكن هذا الضمور يمكن أن يتوقف إذا تناول الشخص ميلاتونين. تعتبر الغدة الصنوبرية مفتاح العمر. أخذت فئران عمرها 18 شهرا وزرع لها غدة صنوبرية من فئران عمرها 4 شهور. ماذا حدث؟ عاشت هذه الفئران إلى 34 شهر. ولكن عند زرع غدة صنوبرية من فئران عمرها 24 شهرا في فئران عمرها 4 شهور فإن هذه الفئران عاشت لمدة 17 شهر فقط. من هذا يظهر دور الميلاتونين في تمديد العمر بالإضافة إلى قدرته على رفع المناعة ومقامة الأمراض.
إن أهم العوامل التي تؤدي إلى إفراز الميلاتونين هو قلة الطعام والصوم. وهذه فائدة كبيرة للصائمين. وأيضاً فإن الليل والظلام يؤديان إلى زيادة إفراز الميلاتونين. كلما ازدادت شدة الضوء الذي تتعرض له كلما قل إفراز الميلاتونين وبالتالي زيادة أمراضك (Neurosci Lett 2001, 299,45). ولكن هل الصائمون ينامون في الليل أو يعيشون في الليل المظلم أو يأكلون قليلاً في شهر رمضان. كل الشواهد تدل على أن الصائمين يزداد أكلهم في رمضان، ويزداد وزنهم ويقل نومهم في الليل ويتعرضون إلى الأضوية القوية. فما الفائدة من الصوم إذن؟
وقد نشرت مجلة Therapie عام 1999 مقالة حول العادات وأساليب الحياة لدى الصائمين أظهرت بأن ساعات النوم لدى الصائمين ازدادت بصورة كبيرة وأن ساعات النوم في الليل قليلة. وتم نشر مقالة مثيرة جداً عام 2001 أظهرت بأن السهر عند السيدات وتعرضهن للضوء الكهربائي يؤدي ِإلى زيادة الإصابة بسرطان الثدي لديهن. والسهر الليلي يفقد الإنسان ساعات نومه وراحته وتجعله أكثر عرضة للقلق والاضطرابات وخاصة إذا كان الإنسان يقضي ليله لهواً وجدالاً وألعاباً تزيد من الشد النفسي.
ولا أدري ما فائدة الصيام إذا قلبنا الليل نهار والنهار ليل وقلت ساعات عملنا وقضينا معظم ساعات النهار نوماً. إذن، ما هي الحكمة من الصوم؟
نحن بهذا الأسلوب غيرنا التكوين الحيوي للجسم. فالنهار عمل ومعاش والليل سكون ونوم وراحة إلا إذا سمحت صحة الإنسان لقيام الليل للعبادة والصلاة.
تابع قراءة سلسلة "هل نصوم الصوم الصحيح؟
1- الصيام تدريب وصحة وطول عمر
2- الصيام والنفس والوقاية من الأمراض
3- رمضان والبيئة
4- الصوم والعمل والنوم "أنت هنا"
5- الصوم والغذاء
6- كيف نعيش الصيام
7- ماذا أعددنا لشهر رمضان؟
تواصل مع الكاتب: drnoori6@yahoo.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة