قال الله تعالى في سورة البقرة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184). صدق الله العظيم. لا يحتاج الكثير من الناس إلى ما يؤكد لهم أن الصيام فيه من الخير الكثير، والذي يتضمن أهم ما يحتاجه الإنسان وهي الصحة، والتي تتحسن مع الصيام كما أشارت وأكدت عليه العديد من الدراسات.
كشفت نتائج إحدى الدراسات أن التغييرات الأيضية والمناعة التي أحدثها الصيام تسببت في تحسن عند بعض مرضى السرطان، بحيث أكدت النتائج أن التغييرات في أنواع وكمية الطعام الذي يأكله الشخص لها آثار إيجابية على الصحة وتأخير الشيخوخة، هذا وتشير بعض الأدلة إلى أن الصيام المُطول ينشط الآليات الخلوية، إضافة أنه وقاية ومناعة لجسم الإنسان.
ويرجع العلماء هذا بسبب أن الصيام يخفض مؤقتاً في الجلوكوز والإنسولين وعامل النمو الشبيه بالإنسولين IGF-1، وهذا الأخير هو هرمون يقوم بتنظيم النمو ويتحكم كذلك في التمثيل الغذائي للعضلات الهيكلية، إضافة أنه يعيد بناء عضلات الجسم، كما يننتج عن إنخفاض هرمون IGF-1 تأخر في نمو الأورام السرطانية. وكانت دراسات أخرى أجريت على فترات منتظمة من الصيام الطويل قد أكدت على حدوث تأثيرات مضادة للأورام بالتزامن مع تحسين في إستجابة معززة للعلاج المضاد للسرطان، فضلاً عن حماية الخلايا السليمة من التلف الناتج جراء العلاج الكيميائي للسرطان.
شكل يوضح دور عامل النمو الشبيه بالأنسولين أي جي إف-1 في تنظيم عمليات الأيض في الخلية
الدراسة التي قام بها باحثون من معهد إف أي آر سي FIRC لعلم الأورام الجزيئي IFOM عن علاقة الصيام بالتحسن في صحة مرضى السرطان والتي إشتملت على الأشخاص الذين يعانون من أنواع مختلفة من السرطان في مراحل مختلفة ويتلقون علاجات مختلفة مضادة للسرطان، مع الأخذ في الإعتبار إستبعاد الأفراد الذين يعانون من نقص الوزن وكذلك الأفراد المعرضين لخطر كبير من سوء التغذية.
كانت دراسات سابقة قد أكدت على فوائد الصيام لمرضى السمنة ومرضى إرتفاع ضغط الدم ومرضى الربو وإلتهاب المفاصل الروماتويدي. دراسة نشرت نتائجها في مجلة السمنة Obesity قد أشارت أن الصيام المتقطع والمنتظم الذي يتضمن إراحة الجسم من الطعام على فترات بالتناوب بين الأكل والصيام، لهذا النظام العديد من الفوائد، منها تحسين في وظائف المخ، وإنخفاض في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب وتقليل الإلتهاب، وزيادة في حساسية الإنسولين، وتحسين الهضم وكذلك إنخفاض في كل من مستويات الجلوكوز وعلامات الأكسدة والإجهاد، ويرجع ذلك كما يقول الباحثون أن الصيام يسعاد في إنخفاض الوزن.
هذا ويؤدي إستنفاد مخزون الطاقة الذي يحدث أثناء الصيام تنشيط مسارات معينة يترتب عليها تنشيط عملية الإلتهام الذاتي Autophagy والتي يتم خلالها التخلص من المواد التالفة في الخلية، فضلاً عن أنها تبطيء من عملية الهضم بما يسمح للخلايا بالتركيز على التجدد الذاتي. ومن ثم ينصح فريق البحث الصائمون بتناول الأطعمة ببطء، لأن الإفراط في تحفيز الجهاز الهضمي عن طريق تناول وجبة كبيرة أو ثقيلة بعد الصوم يتسبب في آثار جانبية مثل الغثيان والتقيؤ والإسهال والشعور بالإنتفاخ. لذا فإنه من الأفضل أن يتناول الصائم وجبة خفيفة صغيرة قبل الوجبة الأساسية، وتتمثل الوجبات الخفيفة إما في طبق صغير من الأرز أو قطعة دجاج مشوية أو بطاطا مسلوقة أو طبق صغير من الحساء.
شكل يوضح الدور الذي تقوم به عملية الإلتهام الذاتي للتخلص من حطام الخلية وخلايا السرطان
في المقابل أشار الباحثون إلى من يجب عليهم تجنب الصيام، وهم المرأة الحامل والمرضع والأشخاص الذين يعانون الهزال الشديد ونقص الوزن والمصابون بإضطراب الأكل، هذا إضافة الأشخاص الذين يتناولون بعض الأدوية مع الطعام، مثل الأدوية المضادة للإلتهابات (المسكنات) والعقاقير غير الستيرويدية وأدوية ضغط الدم وأدوية السيولة.
"صوموا تصحوا" حديث شريف، ومع ضعف إسناده لكنه يحمل دلالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، حيث أشار في أكثر من حديث إلى أن الصيام وخاصة في شهر رمضان الذي يحمل الخير والبركة والأجر والثواب للصائمين.
المراجع
– https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3946160/
– https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5783752/
– https://www.cancer.gov/publications/dictionaries/cancer-terms/def/killer-t-cell
تواصل مع الكاتب: redataha962@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة