يشكل النفط منذ اكتشافه في عام 1859، أحد أهم أسباب الصراع في العالم، وقد شغلت هذه الطاقة مساحة كبيرة من خريطة الصراع العالمي. فالنفط اليوم هو أحد أبرز المواضيع الدسمة للسياسة والاقتصاد إضافة إلى استخدامه من قبل أهم القوى في العالم، وهو لا يزال يشكل حتى اليوم العصب الرئيسي للطاقة. كما أنه محورًا لصراع الرأسماليين والشركات والدول ومقاولي النقل، فضلًا عن العسكريين، وهو يمثّل قطاعًا مهمًا للاستثمار الرأسمالي.
فما المقصود بجيولوجيا النفط؟
تعنى جيولوجيا النفط بدراسة أصل النفط ونشأته، ونوعية الصخور المصدرية ومواصفاتها، والبيئة الترسيبية التي نشأت فيها، وهجرة النفط وتجمعه بعد تولده، وخصائص الصخور الخازنة، وأنواع المصايد التي يتجمع فيها النفط، وكيفية استكشافها بالطرق الجيولوجية والجيوكيميائية والجيوفيزيائية. وكذلك الطبيعة العامة لسوائل الخزان وعلاقة خصائصها بطبيعة الصخور الخازنة ودورها في عمليات استغلال المكامن النفطية.
مهام جيولوجيا النفط
يستخدم علم جيولوجيا النفط عدد من البيانات، ويبحث فيها جميعها لاستخدامها في خلق وتطوير خرائط ثنائيّة وثلاثيّة الأبعاد لمناطق تحت سطح الأرض تُبيّن توزيع موارد النفط، حيث يقوم بمهمة تحليل صخور المصدر الغنية بالمواد العضوية، أي النفط والغاز الطبيعي ودراسة هياكل الجيولوجيا وطبقات الأرض التي تسمح بتكوين تراكمات وخزانات النفط في عمق الأرض، كالمصائد والأختام، إضافة إلى تحليل ودراسة كافة خصائص التكوينات الصخرية الجوفية المسامية التي يُمكنها تخزين النفط والغاز الطبيعي.
أهميّة جيولوجيا النفط
تنطلق أهميّة النفط من كونه أهم مصادر الطاقة في القرن العشرين، وفي هذا القرن الذي تلاه، إذ يلعب دور عُلماء جيولوجيا النفط دوراً مهماً في اكتشاف النفط والغاز، والتنقيب المُستمر عنهما، إلى جانب تطوير وإنتاج حقول كُلّ منهما، إذ يدور عمل علماء الجيولوجيا النفطيّة حول توقّع توزيع النفط والغاز وأماكن وجودها في أعماق الأرض، عبر الاستدلال بعدة أدلة تشير إلى وجود أهم العناصر المُتعلّقة بالنفط مثل: صخور المصدر الناضجة، وطريق الهجرة، بالإضافة للمصيدة، والخزان، وأيّة دلائل تُشير لوجود تراكمات نفطيّة ، وأود تراكمات نفطيّة تقليديّة.
ظاهرة "هجرة النفط"
هجرة النفط هي العملية التي يهاجر فيها النفط من صخور المصدر -الصخور التي تكوّن فيها- إلى الخزان الذي يبقى مخزّناً فيه، وفي علوم جيولوجيا البترول، يتم تقسيم هجرة النفط إلى نوعين أساسيين وهما الهجرة الأولية والهجرة الثانوية.
النفط ينتقل بأساليب منها، التدفقات التي تنشأ تحت تأثير التراص وبسبب اختلافات الملوحة بين مياه الصخر الطيني (الطفلي) والرمال، كذلك وجود تشققات وتقصفات في صخور المصدر يساعد على الهجرة الأولية. والنفط المهاجر لا يستقر بشكل نهائي في صخور المكمن (الصخور الخازنة) التي يصل إليها إنما يتابع حركته وهذا ما يسمى بالهجرة الثانوية.
ومن ثم فإن البترول الذي نجده في أيامنا هذه لابد أن يكون قد هاجر من بيئة صخور المصدر المسامية إلى صخور المكمن الغير نفاذة و يمكن للنفط تخلل الطبقة المسامية والارتفاع فيها ثم تتراكم عليها طبقة غير مسامية عبر زمن طويل ( مئات ملايين السنين ) وتحتجز النفط و الغاز بداخلها .
يتكون النفط في صخور تسمى صخور المصدر أو الأم (Source Rocks) وعندما تصل كمية هذا النفط إلى حد معين فإنه يغادر الصخور التي نشأ فيها وينتقل لصخور أخرى مسامية تدعى صخور المكمن أو الصخور الخازنة (Réservoir Rocks) ويعرف هذا الانتقال بالهجرة الأولية، فتحدث الهجرة الأولية فور تشكل النفط في صخور المصدر باتجاه صخور المكمن لمسافات تتراوح بين 1-15م. وهناك هجرة تسمى بالهجرة الثانوية والتي تحدث ضمن صخور المكمن المسامية ولمسافات طويلة وخلال فترات زمنية كبيرة.
العوامل التي تساعد على "هجرة النفط"
انخفاض مسامية الرواسب الحاملة للنفط بسبب الترسيب المستمر فوقها ومن ثم هجرة النفط إلى صخور أكثر مسامية، واختلاف الضغط الناشئ عن الحركات الأرضية، حيث يهاجر النفط إلى الأماكن ذات الضغط المنخفض، والضغط الشديد الذي يولده الغاز الطبيعي فوق النفط فقد يتحرك النفط رأسياً إلى أعلى من خلال مسامات الصخور الحاوية له معتمداً في ذلك على قوى الخاصية الشعرية.
كيفية الحد من هجرة النفط
يمكن الحد من هجرة النفط عبر المصائد، وهي عبارة عن تراكيب جيولوجية من الصخور تمنع النفط من الحركة في أي اتجاه" وتصنف إلى مصائد تركيبية وطبقية وهيدرودينميكية. أما أبرز مكونات المصائد فهي، صخور الخزان وهي عبارة عن طبقة صخرية ذات مسامية ونفاذية عالية، ليسمح الصخر باحتواء النفط داخله، حيث أن المسامية هي الحجم الكلي للفراغات بالنسبة لحجم الصخر، بينما النفاذية هي قدرة الصخر على امرار المائع من خلاله، كما هو في الحجر الرملي. صخر الغطاء وهو عبارة عن طبقة صخرية غير منفذة تعلو صخر الخزان لتمنع الهجرة الرأسية للنفط مثل الطفل، صخور الجبس اللامائية.
هل من الممكن أن يهاجر النفط مرة أخرى؟
تجدر بنا الإشارة هنا إلى أن احتمالية هجرة النفط مرة أخرى ضعيفة لأن عملية هجرته مرةً أخرى بعد هجرته الأولى قبل ملايين السنين واستقراره في مصائده المختلفة في باطن الأرض بأنواعها المختلفة تتطلب حدوث هزات أرضية وزلازل عنيفة جدا تغير من جيولوجية طبقات الأرض، بحيث تكسر فيها صخور المصائد النفطية وينتج عن ذلك اختلاف كبير في الضغط يدفع بالنفط للبحث عن مصائد يستقر فيها مرة أخرى.
لكن هذا لا يعني في بعض الحالات الخاصة أن ينتقل النفط من مكمن إلى آخر في نطاق الحقل الواحد "الحقول المشتركة" بسبب انخفاض الضغط الذي يسببه الإنتاج من إحدى الجهات المشتركة في هذا الحقل. ذلك لأن من الخصائص الفيزيائية للموائع الانتقال من الحيز ذي الضغط العالي إلى الحيز ذي الضغط المنخفض.
المصادر
– Géologie du pétrole – Historique, genèse, exploration, ressources
Jean-Jacques Biteau, François Baudi
– PÉTROLE – L'exploration pétrolière, Géologie du pétrole – Encyclopædia Universalis
Comment se forme le pétrole ? – C'est pas sorcier – Bing video
– Géologie du pétrole – Historique, genèse, exploration, ressources Historique, genèse, exploration
ressources – broché – Jean-Jacques Biteau, François Baudin – Achat Livre ou ebook | fnac
تواصل مع الكاتب: amal.hosni.garaali@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة