مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

ما سر الطرق الجنائزية القديمة شمال الجزيرة العربية؟

الكاتب

الصغير محمد الغربي

صحفي علمي

الوقت

11:09 صباحًا

تاريخ النشر

21, مارس 2022

اكتشف علماء آثار شبكة واسعة من الطرق الجنائزية تمتد لمئات الكيلومترات ومحاطة بآلاف من آثار الدفن التي تربط الواحات والمراعي في شمال الجزيرة العربية. وبحسب فريق من الباحثين فإن هذه الآثار التي شيدها القداماء الذين عاشوا في المنطقة تشير إلى درجة عالية من الارتباط الإجتماعي والاقتصادي بين سكان المنطقة في الألفية الثالثة قبل الميلاد. ونشر فريق من علماء آثار من جامعة أستراليا الغربية عمل تحت إشراف الهيئة الملكية لمحافظة العلا نتائج الدراسة التي سلطت الضوء على حياة السكان القدامى في شبه الجزيرة العربية مؤخرا في دورية (The Holocene).

معالم حول مصادر المياه والواحات

استخدم الباحثون في هذه الدراسة الأخيرة تحليل صور الأقمار الصناعية والتصوير الجوي والمسح الأرضي والحفر لتحديد الطرق الجنائزية وتحليلها على مساحة تزيد عن 160 ألف كيلومتر مربع في شمال غرب شبه الجزيرة العربية. وأحصوا وجود أكثر من 17800 معلماً جنائزياً (قبور) في مناطق الدراسة في مقاطعتي العلا والخيبر.

بحسب الباحثين فإن وجود الطرق الجنائزية التي تنتشر على جانبيها قبور ومعالم جنائزية في شكل قلادة، يشير إلى وجود آفاق اجتماعية معقدة منذ 4500 عام عبر مساحة شاسعة من شبه الجزيرة العربية. ويسهم هذا الاكتشاف في إلقاء الضوء على جوانب كثيرة من حياة المجتمعات السابقة في شمال شبه الجزيرة العربية.

وجد الباحثون أن التجمعات الأكثر كثافة للمرافق الجنائزية في هذه الممرات كانت تتركز بالقرب من مصادر المياه الدائمة، سواء في السهول البازلتية أو الممرات الجبلية، وأن اتجاه الممرات يظهر أنه تم الاعتماد على الكثير منها للتنقل بين الواحات الرئيسية في خيبر والعلا وتيما. بينما تتلاشى ممرات أخرى عبر المناظر الطبيعية المحيطة بالواحات، مما يشير إلى أنها كانت تستخدم لنقل قُطعان الحيوانات إلى المراعي القريبة خلال مواسم المطر.

معالم للاهتداء

لكن لماذا تم بناء النصب الجنائزية بشكل متكرر بجانب الممرات في هذه المنطقة من شمال غرب شبه الجزيرة العربية وتوجيهها نحوها؟ بحسب مؤلفي الدراسة، من المحتمل أن يكون أحد الدوافع الرئيسية هو انشاء معالم للاهتداء بها بصريا، خاصة وأنها تقع في كثير من الأحيان على أرض مرتفعة، حيث تقدم ملامح مميزة يمكن تحديدها من مسافات طويلة.

يعتقد الباحثون أن شبكة الطرق سهلت السفر للإنسان القديم على مسافات طويلة. فباتباع هذه الشبكات، أمكن للناس قطع مسافة لا تقل عن 530 كيلومترًا من الشمال إلى الجنوب. وتتوفر لدى العلماء مؤشرات على وجود مثل هذه الطرق في جنوب المملكة العربية السعودية واليمن ويتطلب تأكيدها مزيدا من البحث ولكنها قد تشير إلى أن تنقل الإنسان القديم في المنطقة قد امتد على مسافات أطول مما هو معروف إلى حد الآن.

ما زال علماء الآثار لا يعرفون الكثير عن الطقوس التي كانت تتم في الطرق الجنائزية أو حتى في المقابر التي تصطف على جانبي الممرات. خاصة وأن بقايا العظام البشرية داخل المقابر توجد في حالة سيئة، وبعض المقابر تعرضت للسرقة وخالية من القطع الأثؤية التي يمكن أن تكون قد حوتها في الماضي. وعلى الرغم من نقص المعلومات، يعتقد الباحثون أن الإنسان القديم استخدم المقابر لتذكر الموتى أو إحياء ذكراهم.

معالم تكشف الهيكلة الاجتماعية للسكان القدامى

وفقا للباحثين فإن آثار الدفن المرتبطة بالطرق الجنائزية توفر رؤى أولية حول الهيكلة الاجتماعية للسكان الذين قاموا ببنائها. إذ يشير الحجم الصغير لغرف الدفن بشكل عام إلى أنها قد بنيت لشخص واحد أو لمجموعة صغيرة من الأفراد. لكن الاختلافات بين هذه الآثار يكشف عددا من المسائل المثيرة لاهتمام العلماء، فمعظم أنواع المقابر المكونة للقلادة تختلف بشكل كبير في الحجم، ويقع أكبرها في كثير من الأحيان في أبرز المواقع، لا سيما في نقاط بداية الطريق. ويفسر الباحثون ذلك بقدرة أصحاب هذه النصب الجنائزية على تعبئة العمالة اللازمة لبناء هذه الآثار الضخمة، وشغل مثل هذه المناصب بشكل تفضيلي، وهي بذلك تمثل شكلاً من أشكال التسلسل الهرمي الاجتماعي داخل السكان الذين قاموا ببنائها.

من ناحية أخرى يشير الارتباط المكاني الوثيق للعديد من المعالم التي تشكل طرقًا جنائزية إلى التجسيد الفعلي لعلاقات القرابة بين الموتى، وهو ما يتجسد خاصة المعالم الجنائزية المركبة" والمتتالية"، حيث عادة ما يكون النصب التذكاري الأكبر مجاورا لنصب تذكاري أصغر، وربما يشير إلى الاستخدام المقصود من قبل فرد ذي مكانة عالية ومتحدرين متعددين أو أقارب أوسع، كما يقول الباحثون. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تشير بعض المعالم المتلاصقة إلى الروابط الأسرية لشخصين مثل زوجين أو أب وإبنه.

ما علاقتها بالحضارات القديمة في بلاد الرافدين ومصر؟

قبل حوالي 4500 عام وفي نفس الوقت تقريبا الذي شُيدت فيه المقابر والطرق، بنى المصريون الأهرامات  بما في ذلك الهرم الأكبر بالجيزة وازدهرت حضارة بلاد رافدين شمال شبه الجزيرة العربية وشيد عدد كبير من المدن والمعابد الكبيرة. لكن الباحثين لا يعتقدون أن هذه الحضارات قد ألهمت سكان الجزيرة العربية لبناء الطرق الجنائزية والمقاب، ويرون هذه المعالم كانت نتيجة تطور محلية، خاصة وأن العلماء قد عثروا على هياكل حجرية كبيرة في المنطقة تعود لآلاف السنين قبل بناء الأهرامات في مصر، من بينها على سبيل المثال، هياكل على شكل بوابة تسمىا المستطيلات  mustatils  بنيت قبل 7000 عام في شمال غرب شبه الجزيرة العربية وربما تم استخدامها لعبادة الماشية في عصور ما قبل التاريخ.

يعتقد الباحثون أن استيطان الانسان القديم لشمال الجزيرة العربية مازال في حاجة لمزيد من البحث، خاصة من خلال التنقيب المستمر وتحليل الرفات البشرية داخل هذه الآثار. وقد تكشف عمليات الدفن الأولية التركيبة السكانية لأولئك الذين شيدت لهم المعالم الأثرية في الأصل، مما يسمح بإعادة بناء هذه المجتمعات وممارساتها الجنائزية بشكل أفضل. كما أن هناك حاجة أيضا إلى مزيد من التأريخ الإشعاعي لتحديد مراحل البناء الأصلية للمعالم الأثرية، مما قد يؤدي إلى تقييمات دقيقة زمنياً لهوية المجموعة وإقليمها. وفي الوقت نفسه، قد تسمح دراسات الحمض النووي للأفراد المدفونين بإثبات روابط القرابة المفترضة بينهم.

 

المصادر

– https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/09596836211060497
– https://www.livescience.com/ancient-arabia-funerary-avenues-discovered

– الهيئة الملكية لمحافظة العلا

 

مصادر الصور في المقال: الهيئة الملكية لمحافظة العلا  |  الصورة 1، الصورة 2 ، الصورة 3 ، الصورة 4

 

تواصل مع الكاتب: g​harbis@gmail.com

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

     

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x