منذ ما يقرب من 100 عام، حاول مجموعة من المفكرين تصور شكل الحياة في عام 2022. وكانت بعض تنبؤاتهم محض خيال طريف، ولكن بعضها الآخر كان دقيقا بشكل مثير.
لم يكن المؤلف الإنكليزي والتر ليونيل جورج WL George (1882-1926) متخصصا في استشراف التطور التقني والعلمي للبشرية وما ستكون عليه المجتمعات في المستقبل، لكن ذلك لم يمنعه من تخيل العالم المذهل والرائع لعام 2022. فنشر عام 1922 مقالا على صفحة كاملة في صحيفة New York Herald ، قدم فيه بعض التوقعات أصاب في الكثير منها. ويذكر الكاتب في بداية مقاله هذا، أن العلوم ستكون وراء أهم التغييرات التي يتوقعها، وأن التقدم العلمي عام 2022 سيكون مذهلا بمقاييس الزمن الذي عاش فيه، بنفس الدرجة التي قد يندهش بها الذي عاشوا بداية القرن التاسع عشر من العلوم والتقنيات المتوفرة في بداية القرن العشرين.
يستهل ليونيل جورج توقعاته بمجال النقل والاتصالات فيذكر أن الطيران التجاري الذي لم يكن قد ظهر آنذاك (أول قانون له صدر عام 1926 في الولايات المتحدة) سيصبح أمرا شائعا تماما في 2022. في المقابل ستختفي بواخر نقل الركاب من الخطوط البعيدة بين القارات بعد استبدالها بالرحلات الجوية، والتي ينبغي أن تقطع المسافة بين لندن ونيويورك في حوالي 12 ساعة وربما في 8 ساعات فقط(زمن الرحلة اليوم وصل إلى حوالي 6 ساعات ونصف).
سيؤثر نفس السبب على خطوط السكك الحديدية التي من المحتمل، حسب الكاتب، أن تكون قد توقفت عن نقل الركاب بحلول عام 2022، لكنها ستستمر في التعامل مع الشحن.
في عام 1922 كان التلغراف هو الوسيلة الرئيسية للتواصل عن بعد وكان اللاسلكي الذي اخترعه ماركوني لم ينتشر بعد. وتوقع ليونيل جورج أن تختفي أسلاك التلغراف المتشابكة في عام 2022 ، جازما أن التلغراف اللاسلكي والهواتف اللاسلكية ستكون قد سحقت نظام الكابلات قبل وقت طويل من انتهاء القرن العشرين.
في مجال مصادر الطاقة توقع الكاتب الانكليزي عدم نضوب الفحم الحجري، أهم مصدر للطاقة آنذاك. لكن احتياطاته ستتراجع بشكل كبيىر وكذلك احتياطيات النفط الذي لم يكن قد انتشر استخدامه بشكل كبير في ذلك الوقت. وتنبأ باستخدام مصادر جديدة ومتجددة للطاقة، وقال إن أحد المخاطر التي سيواجهها العالم بعد قرن من الزمن، ستكون نقص الوقود، ولكن من المحتمل أنه بحلول ذلك الوقت سيتم الحصول على قدر كبير من الطاقة من المد والجزر ومن الشمس، وربما من الراديوم وأشكال أخرى من الطاقة الإشعاعية، في حين أنه قد يتم أيضا تسخير الطاقة الذرية.
يُذكر أن عنصر الراديوم المشع الذي أكتشف عام 1898 من طرف العالمين بيار وماري كوري لم يكن يستخدم في انتاج الطاقة، بل ولا حتى في المجال الطبي لعلاج الأورام الخبيثة. وبدأ استخدام الطاقة الذرية في انتاج الطاقة في خمسينات القرن الماضي أي بعد ثلاثة عقود فقط من كتابة هذا المقال.
في العصر الذي نشر فيه المؤلف مقاله، كانت السينما في بداية انتشارها وصامتة وتعتمد على تقنيات بدائية، لكنه توقع أن تكون الأفلام أكثر جاذبية قبل أن يحل عام 2022 بفترة طويلة، بعد أن تستبدل التقنيات السائدة (آنذاك) بجهاز kinephone (أحد تقنيات الغراموفون الذي كان في طور الاختبار في ذلك الوقت)، فالصور التي تظهر على الشاشة لن تتحرك فحسب، بل سيكون لها ألوانها الطبيعية وتتحدث بأصوات عادية، كما يقول.
في المجال الاجتماعي توقع والتر ليونيل جورج أن تخف الأعباء المنزلية وتخرج المرأة أكثر إلى الحياة العامة ويتطور الغذاء إلى أقراص. وكتب أنه "من الطبيعي أن يكون عمل الأسرة، الذي ينخفض يومًا بعد يوم، أخف كثيرًا في عام 2022. وأعتقد أن معظم أعمال التنظيف المطلوبة اليوم في المنزل سيكون قد تم التخلص منها بعد اختفاء الفحم واستخدام الكهرباء على نطاق واسع".
لكن توقعاته الأكثر طرافة كانت تلك التي وضعها حول الغذاء الذي سيتناوله الناس بعد عصره بقرن من الزمن، إذ كتب يقول "من المتصور، وإن لم يكن مؤكدًا، أنه في عام 2022 يمكن تناول وجبة كاملة على شكل أربع حبات"، لكنه يضيف أنه مقتنع " بأن حشوة اللحم البقري المحشو وفطيرة اليقطين ستظل موجودة ".
وفي سياق متصل بالمرأة والأسرة، كان الكاتب واثقا من أنه بحلول عام 2022 ستزيد نسبة النساء في سوق العمل بصفة عامة. وستكون جميع الوظائف مفتوحة أمامهن وتبلغ نسبة كبيرة من النساء مناصب عليا. و"من المحتمل أن يشهد عام 2022 عددًا كبيرًا من النساء في الكونغرس، وعدداً كبيراً جدًا في المناصب القضائية، وكثير منهن في مناصب الخدمة المدنية وربما في مجلس وزراء الرئيس "، كما يقول.
مع كل ما ستجلبه العلوم من تقدم وازدهار للمجتمعات، توقع الكاتب الأنكليزي كذلك، أن تكون العلوم أيضا وراء زيادة القدرة التدميرية للإنسان في الحروب، وكتب: "أظن أن تلك الحروب القادمة ستكون مروّعة بما يتجاوز تصوري بسبب الغازات السامة الجديدة، واللهب الذي لا يمكن إخماده، وسحب الدخان العازلة للضوء. في تلك الحروب، ستبدو قنبلة الطائرة وكأنها قد عفا عليها الزمن كما عفا على الفؤوس التي استخدمت في الحروب سابقا ".
فيما يتعلق بالولايات المتحدة التي قضى فيها الفترة الأخيرة من حياته، تنبأ ليونيل جورج بأن تتجاوز الآثار التي خلفتها الحروب الأهلية الأمريكية نهائيا وأن يبلغ سكان الاتحاد حوالي 240 مليون نسمة (بلغ 330 مليون نسمة حاليا). ورأى أن " الأمريكيين سيكونون أقل ميلاً إلى المغامرة وسيصبحون أكثر حبًا للمتعة. وسيكونون قد تمردوا على ساعات العمل طويلة. مع احتمال أن يعمل عدد قليل من الناس أكثر من سبع ساعات في اليوم في عام 2022 " .
لم يكن والتر ليونيل جورج الكاتب الوحيد الذي كتب عما سيكون عليه العالم في عام 2022 قبل قرن من الزمن. فقد كتب الأستاذ فرديناند شولر الذي عاش في مدينة نيويورك، متخيلا حي مانهاتن كمدينة طوباوية من ناطحات السحاب يصل ارتفاعها إلى أكثر من 80 طابقا وتتكون من الزجاج والفولاذ والخرسانة، وتتحرك الأرصفة فيها والقنوات بدلا من الشوارع. وتربط المباني العملاقة جسورا عملاقة على مستويات مختلفة وتساعد على رفعها، وتحويل المدينة بأكملها إلى هيكل واحد كبير.
وتوقع أن تسير القطارات على ألواح زجاجية وتصل سرعتها إلى أكثر من 320 كيلومتر في الساعة، وأن تمنع الحواجز المضادة للجاذبية الطائرات من السقوط من السماء.
أما العالم الشهير تشارلز ب. شتاينميتز (Charles Proteus Steinmetz)، (1865-1923)، أحد أكبر رواد الهندسة الكهربائية، فقد توقع مستقبلا أنظف بعد استغلال البشر لطاقة الشمس وبناء "المنزل بدون مدخنة" بحلول عام 2022. وكتب يقول "من المعقول أن نتوقع أن جميع الأعمال المنزلية والصناعية في المدينة (نيويورك)، وجميع التنقلات والمواصلات، ستتم عن طريق الكهرباء. ويمكني أن أتخيل هيكلًا عظيمًا تحت زجاج ذي قوة مكبرة يمكنه تركيز أشعة الشمس".
ما يثير الإعجاب، هو تفطن هذا العالم لأحد أكبر المعضلات التي مازالت تحول دون استخدام الطاقة الشمسية بشكل أوسع وهي مشكلة التخزين وكتب متسائلا "ولكن كيف يمكن تخزين الطاقة التي سيولدونها، لست مستعدًا للإجابة."
مع أن جزء من هذه التوقعات بدا خياليا وطريفا أحيانا إلا أن الكثير منها كان واقعيا رغم أن توقع ما سيحدث بعد قرن من الزمن لا يبدو هينا. فيكفي أن تطرح على نفسك السؤال التالي "كيف سيكون شكل العالم في عام 2122؟" وتحاول الإجابة عنه.
المزيد تجدونه في المصادر
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة