داء الزهايمر هو اضطراب عصبي متفاقم يؤدي إلى ضمور الدماغ وموت خلاياه. داء ولذلك فهو السبب الأكثر شيوعًا للخَرَف وانخفاض مستمر في القدرة على التفكير وفي المهارات السلوكية والاجتماعية؛ ما يؤثر سلبًا في قدرة الشخص على العمل بشكل مستقل. ومن بين نحو 50 مليون شخص مصاب بالخَرَف على مستوى العالم، يُقدر أن نسبة المصابين بداء الزهايمر منهم تتراوح بين 60% إلى 70% ومنهم 80% بعمر 75 فما فوق. كشفت إحدى الدراسات على سبيل المثال أنه تُجرى سنويًا أربع تشخيصات جديدة لكل 1000 شخص تتراوح أعمارهم بين 65 و74، بالإضافة إلى 32 تشخيصًا جديدًا لكل 1000 شخص تتراوح أعمارهم بين 75 و84، إلى جانب 76 تشخيصًا جديدًا لكل 1000 شخص في سن 85 وأكثر.
وتشمل المؤشرات المبكرة للمرض نسيان الأحداث الأخيرة أو المحادثات. ومع تفاقم المرض، سيشعر المصاب بداء الزهايمر باختلال شديد في الذاكرة ويفقد القدرة على أداء المهام اليومية. وفي مراحل متقدمة من المرض، تؤدي المضاعفات الناجمة عن التدهور الخطير في وظائف الدماغ، مثل الجفاف أو سوء التغذية أو العدوى، إلى الوفاة. وعادة ما تؤثر التغيُّرات الدماغية المصاحبة لمرض الزهايمر على الحالة المزاجية للمريض مثل الاكتئاب، اللامبالاة، الانسحاب الاجتماعي، التقلُّبات المزاجية، فقدان الثقة بالآخرين، التهيُّج والعدوانية، تغييرات في عادات النوم، التجوُّل بلا هدف، فقدان القدرة على التحكُّم في النفَس، الأوهام، مثل الاعتقاد بأن شيئًا ما قد سُرِق.
وقد تؤدي التغيرات الدماغية أيضا إلى صعوبات في الذاكرة والتفكير وإلى تغيرات في الشخصية مثل تكرار العبارات والأسئلة، نسيان المحادثات أو المواعيد أو الأحداث، ولا يتذكرونها لاحقًا، وضع الممتلكات في غير أماكنها المعتادة، وفي كثير من الأحيان يضعونها في أماكن غير منطقي، الضياع في أماكن مألوفة لديهم، نسيان أسماء أفراد الأسرة والأشياء المستخدمة يوميًا في نهاية المطاف، مواجهة صعوبة في العثور على الكلمات الصحيحة لتعريف الأشياء أو التعبير عن أفكارهم أو للمشاركة في الحديث. كما يؤثر على قدرة المريض في إصدار الأحكام واتخاذ القرارات و التفكير والاستدلال والتخطيط للمهام المشابهة وإجراؤها. ورغم كل هذه الأعراض الكثيرة الا ان المريض يظل يُحافظ على العديد من المهارات الهامة لفترات أطول مثل القراءة أو الاستماع إلى الكتب المنطوقة، وسرد القصص.
ومع أن الأسباب المحددة وراء الإصابة بداء الزهايمر ليست مفهومة تمامًا، الا أن هناك بعض البروتينات في الدماغ لا تؤدي وظيفتها على نحو طبيعي، وتؤثر في عمل خلايا الدماغ (الخلايا العصبية) وتطلق سلسلة من المواد السامة. فتتعرض الخلايا العصبية للتلف وتفقد الاتصال بين بعضها البعض وتموت في النهاية. ويعتقد العلماء أن داء الزهايمر يحدث في معظم الأشخاص بسبب مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية المتعلقة بنمط الحياة وتؤثر في الدماغ بمرور الوقت. ويحدث الزهايمر في أقل من 1% بسبب تغييرات وراثية محددة تتسبب في أن يُصاب الشخص بالمرض. حيث ينتج عن هذه الحوادث النادرة عادةً ظهور المرض في منتصف العمر.
ويبدأ التلف في أغلب الأحيان في منطقة معينة من الدماغ تتحكم في الذاكرة، ولكن تبدأ العملية قبل ظهور الأعراض الأولى بأعوام. ثم ينتشر فقدان الخلايا العصبية في مناطق أخرى بالدماغ بوتيرة متوقعة إلى حد ما. وينكمش الدماغ بشكل كبير بمجرد الوصول إلى المراحل المتأخرة من المرض. ولذلك يركز الباحثون الذين يحاولون فهم سبب الإصابة بداء الزهايمر على دور نوعين من البروتينات هما بيتا أميلويد وبروتينات تاو. فعندما تجتمع بروتينات بيتا أميلويد معًا، يبدأ تأثيرها السام على الخلايا العصبية، حيث تعطل الاتصال بين الخلايا. كما يتغير شكل بروتينات تاو، والتي تلعب دورًا مهما في الدعم الداخلي للخلية العصبية ونظام النقل الخاص بها لحمل العناصر الغذائية والمواد الأساسية الأخرى، تؤدي إلى حدث تليف الخلايا العصبية مما يؤدي إلى تعطل نظام النقل وتسمم الخلايا.
ومن العوامل الوراثية المفهومة جيدًا هو تكون جين صميم البروتين الشحمي E. إن التبايُن في جين APOE e4، يزيد خطرَ الإصابة بداء الزهايمر. يحمل نحو 25 في المئة إلى 30 في المئة من السكان أليل APOE e4، لكن لا يُصاب بالمرض كل الأشخاص ممَّن لديهم هذا التبايُن الجيني. وقد حدَّد العلماء تغيُّرات نادرة (طفرات) تحدُث في ثلاثة جينات، وتُؤدِّي قطعًا إلى إصابة الشخص الوارث لأحدها بداء الزهايمر. ولكن تمثل نسبة هذه الطفرات أقل من 1 في المئة بين الأشخاص المصابين بداء الزهايمر.
وفي دراسة حديثة أجراها فريق بحثي من كليفلاند كلينيك أن السيلدينافيل (الفياجرا) تم اكتشاف أن الفياجرا دواءً مُرشحًا واعدًا محتملاً للمساعدة في الوقاية من مرض الزهايمر (AD) وعلاجه. وقد نشر الفريق البحثي النتائج التي توصلوا إليها في مجلة Nature Aging.
وعقاقير السيلدينافيل Sildenafil والذي يعرف بالاسم التجاري فياجرا )مستحضر طبي أنتجته شركة العقاقير العالمية فايزر) هو من العقاقير التي تُسبب استرخاء عضلات الأوعية الدموية، مما يترتب عليه زيادة كمية الدم المتدفق إلى أجزاء من الجسم. حيث ينتمي السيلدينافيل لمثبطات إنزيم فوسفوديستيراز 5 الذي يعد القضيب أحد أماكن عمله. ويتوفر السليدينافيل بأسماء تجارية عديدة في الأسواق الذي يُستخدم بشكلٍ واسع لعلاج ضعف الانتصاب عند الرجال.
ومن الحقائق المدهشة أن اكتشاف قدرة السيلدينافيل على تحسين الانتصاب جاءت بالصدفة؛ فلقد تمّ تطوير الدواء في البداية لعلاج ارتفاع ضغط الدم وعلاج الذبحة الصدرية وألم الصدر الناجم عن أمراض القلب، ولكن من خلال التجارب السريرية وملاحظات المرضى، تمّ التوصل إلى أن لهذا العقار فاعلية في إحداث الانتصاب أكثر من علاج الذبحة الصدرية. تم توثيق الدواء في مكتب براءة الاختراع في العام 1996 وتم اعتماده من قبل "هيئة الغذاء والأدوية" الأمريكية في 27 مارس 1998 كمُنْتج صالح للاستعمال كأول دواء لمعالجة العجز الجنسي لدى الرجال.
استخدم رئيس البحث Feixiong Cheng، الحاصل على درجة الدكتوراه في معهد Cleveland Clinic للطب الجيني، وزملاؤه منهجية حسابية لفحص الأدوية المعتمدة من قِبل إدارة الغذاء والدواء والتحقق من صحتها كعلاجات محتملة لمرض الزهايمر. واستراتيجية إعادة استخدام الأدوية (استخدام دواء موجود لأغراض علاجية جديدة) هي بديل عملي لاكتشاف الأدوية التقليدية المكلفة والمستهلكة للوقت. فمن خلال تحليل واسع النطاق لقاعدة بيانات لأكثر من سبعة ملايين مريض، وجدوا أن المرشح الأفضل هو عقار السيلدينافيل، حيث ارتبط بانخفاض معدل الإصابة بمرض الزهايمر بنسبة 69٪. ونظرًا لأن النتائج التي توصل إليها الفريق البحثي تشير فقط إلى ارتباط بين استخدام السيلدينافيل وتقليل الإصابة بمرض الزهايمر، فهم يخططون الآن لتجربة سريرية لتأكيد الفوائد السريرية للسيلدينافيل لمرضى الزهايمر بالإضافة لأمراض أخرى، بما في ذلك مرض باركنسون والتصلب الجانبي الضموري، لتسريع عملية اكتشاف الدواء.
ومرض الزهايمر هو الشكل الأكثر انتشارًا للخرف، ومن المتوقع أن يصيب 16 مليون أمريكي بحلول عام 2050. يعد تراكم بروتين الأميلويد- بيتا (Aβ) والذي يؤدي إلى التشابك الليفي العصبي المكون من بروتين آخر يسمي "تاو tau " مفرط الفسفرة في الدماغ وهما السمتين المميزتين للتغيرات الدماغية المرتبطة بمرض الزهايمر، والتي يركز عليهما العلماء في تطوير الأدوية حيث يُفترض أن يؤدي تجمع البروتين Aβ إلى إطلاق سلسلة من العمليات المسببة للأمراض مثل الالتهاب والتليف العصبي، عن طريق تكوين ما يسمي tau tangle". ولذلك فإن كمية وموقع أي من بروتينات Aβ أو tau في الدماغ في تحدد درجة مرض الزهايمر. وقد لاحظ الفريق أيضًا، أن الأدوية التي تستهدف أمايلويد أو تاو أدت إلى فوائد سريرية لمرضى الزهايمر.
وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن التفاعل بين بروتين الأميلويد وبروتين تاو يساهم بشكل أكبر في الإصابة بمرض الزهايمر أكثر من أي منهما بمفرده. تركز مناهج إعادة توجيه الأدوية المستندة على الأدوية الموجودة بالفعل واختبار الفرضيات باستخدام هذا النهج باستخدام بيانات المريض الواقعية واسعة النطاق التي تم جمعها أثناء تقديم الرعاية الصحية الروتينية. وفي حالة مرض الزهيمر، افترض الفريق البحثي أن الأدوية التي تستهدف تقاطع الشبكة الجزيئية للأنماط الداخلية لبروتينات ا =لأميلويد والتاو يجب أن يكون لها أكبر احتمالية للنجاح. ولأنه لا يوجد حاليًا علاج جزيئي صغير معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أو مضاد للأميلويد أو مضاد تاو متاح لمرض الزهايمر، فان هذه نتائج هذه الدراسة مهمة لفهم الأنماط الداخلية للأمراض التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر قد يساعد في الكشف عن الآليات الأساسية الشائعة ويؤدي إلى اكتشاف أهداف قابلة لإعادة استخدام الأدوية.
فعن طريق استخدام شبكة كبيرة لرسم خرائط الجينات، قام الباحثون بدمج البيانات الجينية وغيرها من البيانات البيولوجية لتحديد أي من أكثر من 1600 دواء معتمد من إدارة الغذاء والدواء يمكن أن يكون علاجًا فعالًا لمرض الزهايمر. وقد حدد هذا النهج الأدوية التي تستهدف كلاً من الأميلويد والتاو على أنها ذات درجات أعلى، مقارنة بالعقاقير التي تستهدف أحدهما فقط أو الآخر. وقد ثبت أن السيلدينافيل يحسن الإدراك والذاكرة بشكل كبير في النماذج قبل السريرية.
واستخدم فريق البحث بعد ذلك قاعدة بيانات كبيرة لبيانات أكثر من سبعة ملايين شخص في الولايات المتحدة لفحص العلاقة بين نتائج مرض السيلدينافيل ومرض الزهايمر من خلال مقارنة مستخدمي السيلدينافيل مع غير المستخدمين. شمل التحليل المرضى الذين يستخدمون الأدوية المقارنة التي كانت إما في تجربة إكلينيكية لمرض الزهايمر (اللوسارتان أو الميتفورمين) أو لم يتم الإبلاغ عنها بعد على أنها ذات صلة بالمرض (الديلتيازيم أو جليمبيريد).
ووجد الفريق البحثي أن مستخدمي السيلدينافيل كانوا أقل عرضة للإصابة بمرض الزهايمر بنسبة 69٪ مقارنة بعدم مستخدمي السيلدينافيل بعد ست سنوات من المتابعة. واستنادًا إلى تحليلات علم الأدوية بأثر رجعي لبيانات سجلات التأمين لحوالي 7.23 مليون فرد، وجد أن استخدام السيلدينافيل مرتبط بشكل كبير بانخفاض خطر الإصابة بمرض الزهايمر بنسبة 69٪". وعلى وجه التحديد، كان السيلدينافيل أقل خطورة بنسبة 55 ٪ مقارنة باللوسارتان، و 63 ٪ مقارنة بالميتفورمين ، و 65 ٪ مقارنة مع ديلتيازيم ، و 64 ٪ مقارنة مع جليمبيريد. وبشكل خاص، وجد الفريق البحثي أن استخدام السيلدينافيل قلل من احتمالية الإصابة بمرض الزهايمر لدى الأفراد المصابين بمرض الشريان التاجي وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري من النوع 2 ، وكلها أمراض مصاحبة مرتبطة بشكل كبير بخطر الإصابة بالمرض، وكذلك لدى الأشخاص غير المصابين به.
ولمزيد من استكشاف تأثير السيلدينافيل على مرض الزهايمر، طور الباحثون نموذجًا للخلايا العصبية المستمدة من الخلايا الجذعية المشتقة من مرضى الزهايمر. وباستخدام هذا النموذج، وجدوا الباحثون أن السيلدينافيل يزيد من نمو خلايا الدماغ ويقلل من فرط الفسفرة لبروتينات تاو. وجدوا أيضًا أن السيلدينافيل يزيد من نمو الخلايا العصبية ويقلل من تعبير ونشاط بروتين تاو، مما يدعم ميكانيكيًا تأثيره المفيد المحتمل في مرض الزهايمر. ومن المثير للاهتمام ، أن الدراسات السابقة على حيوانات التجارب قد أظهرت أن السيلدينافيل يحسن الذاكرة، وعبء لوحة الأميلويد، والالتهاب، وتكوين الخلايا العصبية في نموذج فأر APP / PS1 للإصابة بمرض الزهايمر ، وكذلك تحسين الذاكرة، وفرط فسفرة تاو في نموذج الفأر J20. وبذلك تتفق هذه النتائج المعملية مع ما لحظه الفريق البحثي في المختبر في نماذج الخلايا العصبية iPSC المستمدة من مرضى الزهايمر. وأشار الفريق إلى دراستين سريريتين تجريبيتين أظهرتا أيضًا الفوائد المحتملة لسيلدينافيل في علاج مرض الزهايمر. مما يشير إلى أهمية هذه النتائج في الفعالية الوقائية للسيلدينافيل في مرض الزهايمر.
وتقدم هذه الدراسة نهجًا متكاملًا قائمًا على تحليل بيانات المريض على نطاق واسع لاكتشاف علاجات فعالة لحماية المرضى من الدراسات السابقة ثم تأكيدها في المعمل ثم على الحيوانات قبل تجريبها على المرضي للتأكد من الإصابة بمرض الزهايمر أو أمراض على أمراض عصبية أخري مثل مرض التنكس العصبي. وقد مول هذا البحث المعهد الوطني للشيخوخة (NIA)، وهو جزء من المعاهد الوطنية للصحة (NIH) والذي يشجع على الجهود التي تبذل من قبل العلماء للعثور في الأدوية الحالية أو المركبات الآمنة المتاحة للحالات الأخرى على ادوية قد تكون مرشحة جيدة للتجارب السريرية لأمراض أخري ممكن تطبيقها عليها دون الحاجة إلى صناعة دواء جديد يأخذ وقتا طويلا ومجهود جبارة وميزانية هائلة.
وهكذا يعلمنا العلم أن لكل شيء أكثر من وجه وقد تكون كل الوجوه مفيدة حتي ولا كشرط عن ملامحها في بعض الأحيان. وهكذا كان عقار السيلدينافيل (الفياجرا) الذي يفاجئنا كل يوم بوجه جديد.
تواصل مع الكاتب: Mohamed.abib@science.tanta.edu.eg
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة