إن الكتابة والـتأليف بشكل عام لهما الكثير من الأنواع والأساليب، فمنهم على سبيل الذكر وليس الحصر: الكتابة الأدبية أو الكتابة العلمية، ولكل منهم غرض وغاية وأسلوب مخصص لها، نبدأ بتعريف وشرح مبسط للكتابة العلمية فهي عبارة عن وصف وتسجيل لمعلومات وحقائق علمية والتي يجب أن تكون مدعّومة بالدلائل والبراهين، وهذا النوع من الكتابة يتم بطريقة شخصية والأفضل أن تكون تعاونية مع زملاء آخرون، بحيث يقوم الكاتب/الكتاب بإضافة كل أو بعض المستجدات بخصوص هذه الحقائق حتى نصل إلى ناتج تراكمي يتم الاستفادة منه.
وهنا نجد وقفة بين يدي مهاجرين تعلما العديد من اللغات فاتقنوها، فعلما قدر ثراء وغنى اللغة الأم (بلا هوية) فعادا مسرعا لذلك الحضن الواسع لتيقنهما أنه مصدر العلم والفهم والنفع والرفعة ونبع العطاء لتلك اللغات نحوا وصرفا، نصا وبلاغة وخطا بديعا، لا يلبس المرء أن يتحلى بحليه إلا وتطوق نفسه لغيرها.
ناهيك عن فصاحة اللفظ ووضوحه إلي غِنى المفردات واختلاف المعنى باختلاف الحركة وحضور اللفظ بدقة النطق… عالم من الفن والجمال ويشهد قول الشاعر حافظ ابراهيم
“إنّ الّذي ملأ اللّغات محاسنًا ___ جعل الجمال وسرّه في الضّاد”
في حين يبعد المرء عن أرض لسانها العربي يشتاق لها كشوقه لنهر يشق أرض بلاده ويسأل نفسه لماذا الفصحى؟
فيجد الإجابة في هويته واصراره على التمسك بها ورغبة في تلقينها لأطفالنا بل ارضاعهم اياها، ففيها الدين والفهم الصحيح وبها الحس وحفظ المعنى وجمال وحسن المنطق.
والعربية الفصحى وان لم تكن اكثر اللغات انتشارا على الإطلاق فهي أكثرها جذبا. فالتعبير بالعربية يلمس القلب ويحاكي ما بداخل الإنسان من مشاعر ومقاصد فهم لمعان عظيمة لا تترجم ولا تتضاهى في لغات شتي وذلك بلسان من منّ الله عليهم بالإسلام وحاولوا تغذية أرواحهم بكتاب الله وما استطاعوا ذلك، إلا بمفتاح واحد وهو العربية الفصحي. وكذلك السرد العلمي فهو نهج واضح له أبعاده وخطواته وحسه المتقن لينفع من يتدارسونه ويتناقلونه.
وكيف السبيل إلي ذلك (الكتابة العلمية)؟
من أجل كتابة لمحتوى علمي بطريقة صحيحة وسليمة سواء بحث أو فصلا من كتاب، ليتم تسجيل الحقائق والمعلومات فيه يجب أن يضع الكاتب خطته بخطوط عريضة ونقاط دقيقة ليسير عليها، وهذه الخطة تحمل في جوهرها ما تحمله القصة من محتوى.
فبالبداية تستفتح (المقدمة)
فهي البداية أو المفتاح الذي ندخل به أي مكان، ففي الكتابة العلمية تكون عبارة عن طرح للقضية أو الموضوع أو النقطة موضع السؤال الذي سيتم عرضه في البحث أو الكتاب، ثم نقوم بتعريف مبسط لذلك الموضوع أو تلك المشكلة ونشرح أهميته وبعد ذلك نقوم بطرح الحلول المقترحة.
صياغة المشكلة
بعد جزء المقدمة يقوم الكاتب بمحاولة صياغة المشكلة أي يشرح ويوضح للقارئ طبيعة هذه القضية بالضبط، و أهميتها وخصائصها بشكل موسع وتأثيرها الأقتصادي وأحيانا البيئي.
الدراسات القبلية أو المرجعية
وتبدأ بسرد ما تم كتابته من قبل عن هذا الموضوع أو تلك المشكلة إن وجد، أو ما تمت كتابته عن موضوعات متقاربة في حالة عدم وجود كتابة مباشرة عن هذا الموصوع. في الكتابة العلمية يجب على الكاتب أن يذكر النتائج التي توصلت إليها الدراسات السابقة لهذا الموضوع وما النتائج التي توصل إليها العلماء أو الكتاب السابقين له في هذا المجال، حتى يقوم هو بعد ذلك بإضافة شيء جديد قام به من خلال دراسته الخاصة و قراءته وتجاربه وكذلك أبحاثه في هذا الصدد.
حدود الدراسة
و في الكتابة العلمية يجب ذكر حدود الدراسة، نقصد بعض المعلومات والتي من الممكن أن تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على نتائج الدراسة مثل الحدود الجغرافية،مثل شمال أو جنوب بلد محدد، حيث أن الأماكن الجغرافية تلعب دورة كبير وبالذات في البحوث الزراعية أو البيئية ولذلك يجب ذكر هذا العنصر، وأحيانا بالتفصيل.
الهدف من الدراسة
والمقصود أنه في كل دراسة يقوم بها العالم في مجال ما، يجب أن تكون أهدافه لهذه الدراسة مكتوبة وواضحة له ولفريقه العلمي، حيث يقوم بذكرها جميعاً و ليس شرطاً بأن تكون هذه الأهداف مؤكدة التحقق، وأيضاً يجب ذكر فرضيات الدراسة، نقصد إمكانية التطبيق والنتائج المتوقعة.
التعريف الإجرائي
وهنا يجب أن يذكر الكاتب ما هي الإجراءات أو التطبيقات التي سيتم عرضها في موضوع البحث الجاري.
منهج الدراسة
وهذا أمر مهم جدا، حيث أن نهج أو منهاج الدراسة يحدد الخطوات التي سيقوم بها لتحقيق الدراسة، هل هي تجريبية، وصفية أو تاريخية مثلاً، وهذه المنهجية بالتأكيد يتم اعتمادها حسب نوع كل دراسة علمية، مثلا لإجراء الاستبيان أو التسجيل أو المقارنة.
العينة
وهذه النقطة تحدد بشكل كبير دقة وقدرة الباحث، وهو أمر مهم أن يذكر الباحث الشريحة التي قام بعمل التجارب عليها أو من خلالها.
النتائج
وهنا يعرض الكاتب أهم النتائج التى حصل عليها في تجاربه، ويكون ذلك بعرض نتائجه في صيغة جدول أو رسم بياني ثم يعقب عليه بكلمات و جمل سهلة الفهم.
المناقشة
في هذا الجزء المهم يعرض الكاتب مناقشة أهم النتائج التي حصل عليها مع مناقشتها مع الباحثين الآخرين الذين كتبوا في نفس المجال أو الذين عرضوا تلك المشاكل من قبل أو الذين عرضوا نتائج في مواضيع قربيه من الموضوع الحالي.
الخلاصة
وهنا يعرض الباحث خلاصة نتائجة وأهم الحقائق التي توصل إليها، أو باختصار الرسالة التي يأخذها قارئ البحث في جملة أو جملتين.
المراجع
وفي هذا الجزء يعرض الباحث الكتب أو المقالات التى إستعان بها في كتابة بحثه أو كتابه، ويراعي الدقة والترتيب، إما الابجدي أو الأعوام أو حسبما ظهرت المراجع في كتاباته.
وهؤلاء كانوا هم شخصيات القصة وأبطالها
خاتمة المقال
وبالحديث عن أبهى اللغات ولغة أمهات الكتب والعلوم بل والحضارات، نسمح لأنفسنا أن نقول، أن التحدث بها سمة أهل العلم ومن الفصاحة وحلتهم، و في أرض المهجر تاج على رأس متحدثيها وخصوصية حد الرفعة، فيتكرر على المسامع سؤالا بديهيا: من أي البلاد أنت؟ حيث ارتقى المتحدث فوق اللهجات والعرقيات وبعيدا عن حدود المكان، واستمد ناطقها قيمة نبعت من صرح العراقة. وهكذا يجب أن تكون ملتقيات أهل العلم.
فما تحدث بها متحدث إلا وزاد بيانا وفهما، والوقوف عليها وقوف على الدين كما وصف ابن القيم الجوزية رحمه الله. وقمم العلوم برزت على أيدي أولادها فما برزوا في فنون العلم إلا بفهمهم لأصول دينهم ولغتهم وكتبوا رموز علمهم بلسان فصيح.اللغة العربية الفصحى تحتاج لاخلاص محبيها كما اخلصت هي في التعبير عنهم، فعلينا رفع شعارها والإقتداء بأهل العلم في الحفاظ عليها والعيش بها، وجعلها منهج حياة ومرافق لرحلة يومنا.
وحسب قول ابن تيمية رحمه الله أن فيها مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وهذا بيت القصيد والملجأ بل طوق النجاة. لا يعرف قدر اللغة العربية إلا من أحبها بل من عاش في جنباتها وكشف عن أسرارها ودخل في ربوعها وعلم قدر ثرائها. وكما قال شاعر النيل
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ ____ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
نورثها صغارنا باللعب ونغم الأصوات وبدائل الحروف الحركات وذاك من باب الفهم والتلقين.
فمن اللفظ ما لا يترجم وبها من الرقة مالم يزين به غيرها وحتى بأبسط المعان والمرادفات.
وأين السبيل لنشرها؟
بتبنيها رسالة وقد بادرنا، والحفاظ على القدوة بين متحدثيها ومعرفة مكانة أهلها العربية في عيوننا هي الرفأ في زمن بعد فيه الشاطئ وهي الرقة في عالم تشبع من لغة الفظاظة ومن الأدب في وقت تلات فيه حدود العلاقات. وكلما إتضحت الصياغة وكانت أكثر بيانا، كانت وسيلة صحيحة وسليمة لتوصيل العلم الدقيق بل أداة نسج طريق للسير علي هذا النهج. فكثير من علماء العرب برزوا في علوم الطب والفلك والفلسفة بل ومنهم من ابدع في وضع قواعد الموسيقي مثل الكندي وغيره، وما كان ليبلغوا هذه المكانة من دون إتقان اللغة ومعرفة مفراداتها ودقيق معانيها والفهم العميق بكيفية صياغتها واخراجها في نظم صحيح.
تواصل مع الكاتب: nawal.gaafar@yahoo.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة