تشكل اللغة العربية وسيلة أو أداة لغوية لإنتاج العلوم، بشتى مجالاتها وتخصصاتها المتنوعة، ومما لاشك فيه أن اللغة العربية منتجة للعلوم إبان العصور التي عرفت بزوغ حركة علمية وثقافية في المشرق والأندلس وباقي أصقاع البلاد العربية، وأنتجت العديد من المصادر والمراجع المعتمدة في شتى المجالات والتخصصات العلمية والأدبية وغيرها.
في هذه الورقة سنبسط قضية اللغة العربية العلمية احتفاء باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 دجنبر من كل سنة.
- فما هي آفاق الإنتاج العلمي باللغة العربية؟
- هل نملك رغبة في التداول العلمي باللغة العربية الفصحى؟
- ما حدود تقاطعات السياسات التربوية في الأنظمة العربية ومناهج المؤسسات التربوية؟
إن بسط فكرة اللغة العربية العلمية، وحدود إنتاج العلوم بها، رهين بكشف سياقات التداول العلمي والأكاديمي، والتدريس باللغة العربية في الشعب والمسالك العلمية بأنواعها. والمتتبع لتطور السياسات والإصلاحات المقترحة من الوزارات المكلفة بالشأن التربوي والتعليمي، يرى تذبذبا في الغايات والأهداف الكبرى من التدريس باللغات الحية حسب علم اللسانيات الحديث.
واللغات الحية، التي كانت موضوع نقاش اجتماعي في كثير من البلدان العربية منها المغرب، استثمارا لكثير من التجارب الدولية مثل الصين وكوريا الشمالية، التي تعتمد اللغات المحلية في أنظمتها وبرامجها التعليمية. حيث تتقاطع الرؤى في المسارات والمسالك ولغات التدريس، بفعل أسباب متعددة منها ما هو إيديولوجي سياسي ولغوي وهويتي وديني. ثم إن العولمة وما أحدثته من أثار ساهمت في تغيير توازنات المجتمع الدولي برمته، لكونها "قوة مركزية تحول العالم".
فهل كرست العولمة هيمنة لغة الإنتاج العلمي والاقتصادي عن لغة التواصل الاجتماعي المحلية ولغة التدريس المعتمدة في البرامج والمقررات الدراسية؟
اللغة العربية: آفاق الإنتاج العلمي
المحور الأول: اللغة العربية العلمية وتاريخ الإنتاج العلمي
لا شك أن اللغة منذ نشأتها، وسيلة فكر، وإبداع ثقافي وعلمي، وبالعودة لتاريخ اللغات الحية، وتاريخ الحضارات على مر العصور، والإنتاجات التي رصت رفوف المتاحف والمكتبات العالمية، ساهمت اللغة العربية بقسط وافر منها، إن لم نجزم على كونها المصدر، الذي طورت بها شتى العلوم الحديثة، والتكنولوجيات المتقدمة في العصر الحالي.
وهذا ما مكن اللغة العربية من أن تحضى بمكانة مرموقة في الأوساط العلمية، والأدبية بين اللغات على مستوى العالم.
- فهل يتم الإنتاج العلمي باللغة العربية العلمية ؟ هل حقا هناك إنتاج علمي في الدول العربية ؟
- هل تدرس العلوم في الجامعات العربية أم تدرس مداخل وتاريخها؟
- ما إكراهات الإنتاج باللغة العربية العلمية؟ وصعوباته؟
تسعى البرامج الحديثة للحكومات العربية، في القرن الواحد والعشرين إلى الانفتاح على اللغات التي تنتج المعرفة العلمية، وتتداول بها في المحافل الدولية، والملتقيات عبر إدماج الكثير من اللغات الأجنبية في مقررات وبرامج المؤسسات الخاصة بالتعليم العالي والأكاديمي. وتحتل اللغة الإنجليزية والفرنسية قصب السبق فيها لكونها، لغات هيمنة الاقتصاد، والثقافة الموروثة عن الاستعمار. إضافة لكونها لغتين، يسهل معهما تجاوز اكراهات، وصعوبات الترجمة العلمية للإنتاجات والعلوم من لغة إلى أخرى بشكل دقيق. وهذا ما شكل طرحا تجديديا في تداول اللغة العربية بين أوساط المدرسين والمدرسة باعتبارها فضاء تربويا وتعليميا لتطويرها مع باقي اللغات المدرسة.
إلا أن تغيير لغة التدريس في الأسلاك والمسالك التعليمية، طرح ازدواجية لغوية في عقول المتعلمين وجعلنا نطرح سؤال الآفاق المستقبلية لولوج مهن ومسارات تكوينية ذات طابع عملي أو مهني؟
ما جدوى التدريس باللغة العربية؟ ما مصير ركائز النظام التعليمي خاصة ميثاق التربية والتكوين، الذي أشار إلى التعريب وحرصه عليه. هل فشلت الأنظمة المعربة لبرامجها ومقرراتها الدراسية ؟ لماذا سطع نجم علماء في مواد علمية درست باللغة العربية في مساراتها العلمية؟
المحور الثاني : اشكالات الترجمة بين اللغة المنتجة للعلم واللغة المستقبلة
إن الترجمة العلمية شكلت إحدى الأسباب في تداول اللغة العربية العلمية، وذلك يفرض ضرورة خلق مجمع علمي، يساهم في ترجمة الإنتاجات العلمية، مواز للمجمع العالمي للغة العربية.
- ما أسباب الاشكالات وقضايا الترجمة من وإلى اللغة العربية؟
- وهل هناك ارتباط بين الإنتاج والتداول اللغوي باللغة المنتجة؟
- هل اللغة المنتجة تفرض سيطرتها وهيمنتها الفكرية وحمولتها الثقافية عند الترجمة؟
- ما السبيل للإنتاج العلمي باللغة العربية العلمية؟
كل هذه الأسئلة التي تدخل في صميم قضايا الترجمة، واشكالاتها تجعل من الأحكام المطلقة، التي تشاع حول اللغة العربية، في شتى التخصصات والمجالات العلمية، والمعرفية، والفكرية. بتفرعاتها الممتدة والدقيقة مجرد أحكام لا تخضع للعلمية والبرهنة.
إن الباحث عن الإنتاجات العلمية باللغة العربية العلمية، لن ينكر مكانة الكتب العلمية في الطب لابن النفيس وابن زهر والخوارزمي وابن رشد وغيرهم من علماء سطع بريقهم ومزال إلى القرن الواحد والعشرين، وكلها كتب ترجمت من اللغة العربية إلى اللغات اللاتينية والأجنبية للاستفادة منها، وتطوير مباحثها وتخصصاتها.
إن اللغة العربية منتجة. فكيف السبيل لتداولها؟
اللغة العربية ورهانات التداول
تعريف داول
يعرف المعجم الوسيط التداول "داول كذا بينهم جعله متداولا تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء ويقال داول الله الأيام بين الناس أدارها وصرفها.
تداولت الأيدي الشيء أخذته هذه مرة وهذه مرة ويقال تداول القوم الأمر
إن التعريف اللغوي يفيد الشيوع والذيوع والانتشار وعليه فاللغة باستمراريتها في إنتاج العلوم ومواكبة عصر التكنولوجيا قادرة على ذلك من خلال نقاط نجملها:
رهانات التداول
- اللغة القائمة بذاتها والغنية بمفرداتها ومعجمها وتراكيبها وأساليبها قادرة على توليد مصطلحات ومفاهيم دقيقة للعلوم كيفما كانت تخصصاتها وطبيعتها، وبمفردات أكثر دقة وشمولية وتعبيرية، إذا تحقق شرط الاهتمام، والبحث والتدقيق اللغوي.
- الحرص الداعم على تثبيت اللغة في البرامج، والمقررات، والمناهج، ثم السياسات التربوية للدول الناطقة باللغة العربية.
- تشجيع المبادرات العلمية الداعمة لتداول اللغة العربية العلمية.
- إحياء العلوم التي كانت النواة الأولى لبزوغ العلوم العصر الجديدة، عبر تكثيف الجهود وتربية النشء على توظيف اللغة العربية في التواصل الشفهي والكتابي والمطالعة والقراءة بها.
- تشجيع العلماء على الإنتاج العلمي، وتطوير الترجمة، والاهتمام بها، من خلال خلق آليات تساعد عليها ومختصين فيها.
صفوة القول إن اللغة هي ركيزة الأمة فلا إنتاج ولا تتطور لحضارة لا تنتج بلغتها، والتجارب الدولية خير دليل على ذلك الصين واليابان والدول الصاعدة جميعها.
ثم إن تعزيز ثقافة الانفتاح على اللغات لن يهمل ويقصي اللغة العربية وريادتها في ابتكار العلوم والإبداع بها لكي تحقق الغايات الكبرى وتحافظ على الهوية وتاريخ الحضارة. ونحن في حاجة إلى مسايرة التطور التكنولوجي والعلمي عبر مناهج تربوية ترقى إلى المستوى المطلوب وخلق انسجام وتكامل ثقافي مع اللغات الحية ، يخدم التطور العلمي الكوني للحضارة الإنسانية جمعاء .
المراجع:
- العرفي وافي : أي تعليم لمغرب الغد ، ط1،2005،ص100 .
- المعجم الوسيط ص 304، مادة داول ، الجزء الأول ، ط2
- مريم عبد الحسين التميمي: أثر اللغة العربية في اللغات الحية، الانجليزية والاسبانية مثلا، ط1، 2010 .
البريد الإلكتروني: bakadermohmed2012@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة