كما علمنا، أن التواصل العلمي بشكل عام، يتعلق بإيصال الموضوعات المعقدة والتقنية والعلمية إلى مجموعة متنوعة من الجماهير. يمكن أن يشمل هذا العلماء، وعامة الناس، والمشرعين، ومتخذي القرارات، وما إلى ذلك. ويتطلب العمل مع كل فئة أساليب مختلفة للتواصل. في هذا المقال سنركز على فئة مهمة، تستلزم كل الاهتمام والعناية، الأطفال واليافعين. إنهم فئة لها خصوصية، من المهم أن تثير حماسهم وتلفت انتباههم للعلم.
ماذا لو كان جمهورك الأساسي من الأطفال واليافعين؟ كيف يمكنك أن توصل لهم موضوعات علمية معقدة؟
الأمر قد يبدو صعبا أو سهلاً، لكن الحقيقة هي أن أي جهود تواصل علمي تستهدف الأطفال واليافعين – جيلنا القادم من العلماء والقادة – تستحق بالتأكيد هذا الجهد!
قبل كل شيء، يجب الأخذ بعين الاعتبار والحرص عندما تكون الفئة التي تريد التعامل معها ومشاركتها من الأطفال، فهم فئة تستلزم الكثير من الحرص والخصوصية، ويجب التعاون مع مدرسيهم ومدارسهم في ذلك.
قد يكون الأطفال هم أول الفئات الخارجية التي يتعامل معها كثير من العلميين. لذا فقد رأينا أنه من المفيد أن نفصّل بعض الشيء في تطوير وتنفيذ مبادرات التواصل العلمي لهذه الفئة من الجمهور. غالباً، هذه المبادرات ستأخذ نموذج النقل أحادي الاتجاه للمعلومات حول العلم من الخبراء إلى الجمهور، (نموذج النشر)، وقد تتخذ أساليب أخرى، وقد تكون جزء من مشروع للعلم التشاركي. ولكن غالباً سيكون التعامل مع الأطفال ضمن مشروع مشترك بين الجامعة أو المؤسسة التي يعمل فيها العلمي والمدرسة.
العمل مع الأطفال يمكن أن يكون خبرة وتجربة مفيدة وممتعة جداً، ويمكن أن يكون أيضاً، تجربة صعبة ومحبطة. لا تستهن بالأمر وتظن أنك ستتمكن ببساطة من العمل معهم في الفصل الدراسي أو في أي مكان آخر، والسيطرة على الجو والغرفة فورًا لأنك "عالم". بل، قبل تطوير وتقديم مبادرة تستهدف الأطفال، يُنصح أولاً بالحصول على بعض التدريب والخبرة في التعامل مع الأطفال.
وجود المعلم أو مشرف معك في غرفة الدرس طوال الوقت مهم جدا، للحماية من أي ادعاء بسوء التصرف، كما أن وجود المعلم يسهل تفاعلك من التلاميذ إلى حد بعيد، فهو سيساعد في تقديمك لهم ويدير الجو، بالإضافة إلى أنه يمكن أن يساعدك في توصيل مبادرتك من خلال مساعدتك في تصميمها.
من نافلة القول، أن عمر الأطفال الذين ستتعامل معهم يحدد نوع المبادرة وأسلوب التعامل، وهل هي من جانب واحد أم تشاركي. فمن هم دون العاشرة يختلفون عن من هم أكبر وعن المراهقين. كما أنه من الخطأ التعميم بأن كل المراهقين متقلبي المزاج، وأنه ليس لديهم اهتمام أو شغف بالعلوم. طبعاً، هناك البعض منهم لا يحب العلوم لأسباب متعددة، منها عدم المشاركة، أو ضعف في التدريس، أو حتى موقف سابق ليس جيدا مع العلوم. بالمقابل، العمل مع الأطفال الأصغر سناً يمكن أن يكون تجربة أكثر تحررا وبهجة.
التعامل مع الصغار بجميع أعمارهم، يخضع لنفس المبدأ الذي تكلمنا عليه عند التعامل مع الأقران، حاول أن تعرف جمهورك، احتياجاتهم وخبراتهم وقم بتطوير أو تقديم مبادرتك وفقاً لذلك. إن التواصل العلمي المُعدّ بعناية وبشكل جيد ومدروس يمكن أن يدفع الأطفال ويشجعهم للمشاركة في العلوم، ويزرع فيهم محبة العلم والشغف به في سن مبكرة.
الأطفال في بيئة نظامية
معظم مبادرات التواصل العلمي مع الأطفال في بيئة نظامية (أي في فصل دراسي مدرسي) تكون من نوع التواصل أحادي الاتجاه. والغرض من هذه المبادرات يكون عادة للتشارك مع مجموعة من أطفال المدارس في مجال معين من العلوم، لزيادة الطموح والشغف لديهم للعلم، وتعريفهم بما يقوم به العلماء، وزيادة معرفتهم بالعلم وتوسيع مداركهم. ومع ذلك، بدلاً من التركيز على افتقار الأطفال المُفترض إلى المعرفة، ينبغي النظر في نهج يعتمد على فهم التلميذ المتعلم وعملية التعلم، أي تركيز المشاركة حول خبرات ومعرفة الأطفال المتعلمين، البناء على الموجود.
يتضمن تركيز المشاركة حول خبرات ومعرفة أطفال المدارس فهمًا تفصيليًا للمناهج الدراسية ووعيًا عميقًا باحتياجات وقدرات كل طفل في الفصل الدراسي. وهذه عملية تتطلب تأني ولا تؤخذ باستعجال، ولا يمكن القيام بها حتى يوفر لك مدرس الفصل كل هذه المعلومات. ومن هنا، ينبغي إشراك المدرس في تطوير عملية التواصل منذ البداية. فمعرفة المدرسين بالمنهج الدراسي وأساليب التعليم في المدرسة وقدرات تلاميذهم كلها معلومات حيوية لإنجاح مبادرتك في التواصل مع أولئك التلاميذ. بالإضافة إلى أنهم قادرين على توفير النصائح والنقد البناء لما يجب وما لا يجب عمله في بيئاتهم التعليمية. كما أن المعلمين يمكنهم المساعدة في تهيئة الأمور اللوجستية الأساسية مثل إعداد الفصل الدراسي وتهيئته، ماديا ومعنويا. وعلى هذا، فإن تعاملك مع المدرس وإعطاءه حقه ومكانته وعدم النظر إليه بأنه أقل منك أيها (العلمي)، لها أبلغ الأثر في نجاحك ونجاح مهمتك، فانتبه لذلك.
نجاحك في مبادرة تواصل علمي معينة في بيئة فصل دراسي رسمية، لا يعني أنك لن تحتاج للتواصل مع المدرسين لتنظيم مبادرة تواصل جديدة. فمن الخطأ افتراض أن ما يصلح لمجموعة من تلاميذ المدارس يصلح لغيرها، فلا بد لك من التعاون مع المدرسين في كل مرة.
وهنا بعض النصائح الإضافية للتعامل مع الأطفال في البيئات النظامية:
- الأطفال ليسوا أصدقائك. إنهم هنا للتعلم، وبينما يمكنهم اللهو والمزاح خلال العملية، يجب أن توضع حدود لذلك،
- التزم بالوقت. لا تأخذ من وقت فسحتهم أو تأخرهم عن موعد انصرافهم.
- أنت تعرف العلم أكثر منهم. فلا تقلق من سؤال قد يوجهه إليك أحدهم. فمعظم الأسئلة ستجد لها جوابا علميا لديك، وفي حال الأسئلة النادرة التي لا تعرف إجابتها، يمكنك بسهولة أن تثني على السائل والسؤال، وتقول لهم أنه يتعين عليك الرجوع إلى بعض الأبحاث في الموضوع قبل العودة إليهم بالإجابة، أو يمكنك أن تقترح فرصة لهم للعمل معك في البحث عن الإجابة. مع الحذر الشديد، من أن تعطي جواباً لست متأكداً منه، فنتائج هذا كارثية عليك وعليهم.
- توقع غير المتوقع. كن مستعدًا للإجابة على الأسئلة المتعلقة بحياتك كعالم، وحياتك بشكل عام. الأطفال الصغار، على وجه الخصوص، سيكونون مفتونين بما يعنيه كونك عالمًا، والمواقع الغريبة التي زرتها في عملك الميداني، … وغير ذلك. كن لطيفا وصادقا وقدوة حسنة.
- لا تثبط عزيمتك وتحبط نفسك. أحياناً لا تسير الأمر كما هو مخطط ومرسوم لها. وهذا قد يكون لعدة أسباب، منها الأطفال، أو الخدمات المتوفرة أو الظروف غير المواتية، وغيرها. فلا تجعل ذلك سببا في إحباطك، بل حاول أن تعرف السبب لتجنبه في المرات القادمة وتوفير ظروف النجاح.
وهنا بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها عند إعدادك لمبادرة تواصل مع تلاميذ في فصل دراسي، ابدأ بالتفكير العميق ومحاورة نفسك ، أو أحد أصدقائك، وسجل..
- ما هو هدفك؟ هل ترغب في رفع مستوى الوعي بموضوع معين؟ هل تمهد لتقديم الفصل لعالم مشهور؟ فهم أفضل لما يعرفونه عن فيزياء الجسيمات؟ … إن تحديد الهدف يسهل التخطيط للوصول إليه.
- ما هو الشكل الأنسب لتحقيق هدفك مع هذا الجمهور؟ هل هو من خلال عرض تقديمي قصير، أو سلسلة من العروض التوضيحية، أو بعض التجارب العملية، أو شيء أكثر إبداعًا؟
- كيف يرتبط هذا الموضوع بالمنهج الدراسي؟ ستكون مبادرتك أكثر فاعلية إذا كان من الممكن ربط الموضوعات التي تغطيها بالمنهج الدراسي. وهذا ينطبق بشكل خاص على طلاب المدارس الأكثر نضجًا. وحيث أن وقت الفصل الدراسي في كثير من الأحيان محدد وفقًا لجدول زمني ضيق، والمنهج الدراسي المقرر مفصل على عدد الحصص الدراسية، فمن المفيد أن تكون مبادرتك العلمية ضمن موضوعات منهجهم الدراسي .
- رتب أفكارك وخطط لها بعيداً عن المدرس. دوره يأتي في تقديم المشورة بشأن ما سينجح وما لن ينجح في فصوله الدراسي، وسيكون أيضًا قادر على المساعدة في ربط خططك بالمنهج الدراسي.
- أجرِ اختبار تجريبي لمبادرتك. اعمد إلى إجراء بضع دورات تجريبية قبل أخذ زمام المبادرة وتنفيذها في المدرسة، حيث سيساعدك ذلك على حل أي مشكلات مسبقًا. يمكنك الاستعانة بطلاب البكالوريوس والدراسات العليا في جامعتك، ويمكنهم المساعدة في هذه المرحلة.
- تطبيق المبادرة. تواصل مع مدرس الفصل الذي تحدثت إليه أثناء عملية التطوير والإعداد، استأذن، واعرف ما إذا كان على استعداد للسماح لك بتجربة مبادرتك في فصله.
- التقييم والتقويم. بعد الانتهاء من المبادرة، انقدها بنفسك، وفكر ما الخطأ الذي حدث وما الذي حدث بشكل صحيح؟ اطلب تعليقات من المعلم وفصله وأيضًا من الأشخاص الذين شاركوا في عملية الاختبار التجريبي. وفكر، كيف يمكنك استخدام هذه التعليقات لتحسين مبادرتك، وهل تحتاج إلى أي دعم و / أو موارد إضافية لتنفيذها بشكل أفضل؟
الأطفال في بيئة غير نظامية
التعلم ليس محصوراً في الفصل الدراسي. هناك بيئات كثيرة ومتنوعة خارج أسوار المدرسة حيث يمكن للأطفال الاستمرار في تعلم العلوم، ومن أمثلتها: المتاحف، مراكز العلوم، حدائق الحيوانات، وغيرها. التعليم غير النظامي للعلم ليس المقصود به فقط التعليم خارج الفصل الدراسي، بل هو تعلم له دوافع ذاتية وموجهة باحتياجات المتعلم واهتماماته.
مبادرات كبيرة وكثيرة لتعليم الأطفال في بيئات غير نظامية، وتتضمن المهرجانات العلمية والمعارض العلمية والمحاضرات العامة. وزيارات للمتاحف وحدائق الحيوان وحدائق الأسماك، وما إلى ذلك. لقد أثبتت مثل هذه المبادرات للتواصل العلمي أنها تعزز التزامًا قويًا بالعلم وبتعلم العلوم، ولها تأثير قوي على الخيارات المهنية المستقبلية للأطفال.
عندما تقوم بمبادرة للتواصل مع تلاميذ خارج البيئة المدرسية، خذ باعتبارك أنه قد لا يكون المدرس موجود معكم، وسيتصرف الأطفال بشكل مختلف خارج بيئة المدرسة. قد يشعرون بأنهم أقل حرجًا، وقد تكون هناك مشكلات سلوكية تحتاج إلى المراقبة دون حضور المعلم. في مثل هذه البيئات غير النظامية، من الضروري أن لا تبقى لوحدك مع الأطفال. ويجب أن يكون معك مرشد من المدرسة.
بإذن الله، قد نزيد تفصيلاً في هذا الموضوع حين نتكلم عن العلم التشاركي، كنوع من التواصل العلمي مع الجمهور، في مقالات لاحقة.
البريد الإلكتروني: mmr@arsco.org
التواصل العلمي – المقدمة
التواصل الداخلي
– النشر في المجلات الأكاديمية
– تقديم العروض العلمية الشفوية – الجزء الأول "المقدمة"
– تقديم العروض العلمية الشفوية – الجزء الثاني "كُن بليغاً"
– تقديم العروض العلمية الشفوية – الجزء الثالث "تصميم الشرائح"
– تقديم العروض العلمية الشفوية – الجزء الرابع "البداية والنهاية
– الملصقات العلمية
التواصل الخارجي
– التواصل مع المجتمع – المقدمة
– أهداف وأنواع التواصل العلمي مع المجتمع
– التواصل العلمي مع الأطفال (أنت هنا)
– أشكال متعددة من التواصل العلمي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة