المقدمة
دعونا لا ننسى في بحر الحملات المضادة للبلاستيك، أن للبلاستيك مزايا وأن البلاستيك أصبح مهمًا في حياتنا. الشيء الأساسي الذي يجب أن نضعه في الاعتبار عند وجود رد فعل عنيف على المواد البلاستيكية واستخدامها؛ هو أنها تحل الكثير من المشاكل وتجعل حياتنا أسهل. تساعد العبوات البلاستيكية (الستايروفوم الماص للصدمات) على حماية البضائع والحفاظ عليها مع تقليل الوزن أثناء النقل، مما يوفر السعر للمستهلك، حيث يقل استهلاك الوقود، مما يقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويستخدم الستايروفوم أيضا في صنع معدات السلامة الرياضية من خوذات ووسائد لحماية الجسم.
ساعدت المواد البلاستيكية المتينة وخفيفة الوزن وذات الأسعار المعقولة في إحداث ثورة في الإلكترونيات، فستجد بلاستيك أينما تخطو من المطبخ لمحطة الفضاء الدولية. ومن المتعارف عليه وجود إمكانية لإعادة استخدامه أو لإعادة تدويره، ولكن هل تجدي إعادة التدوير نفعا وهل يعاد تدوير كل البلاستيك الذي نستهلكه؟ وهل توجد مواد منافسة للبلاستيك التقليدي كبديل؟
لحسن الحظ يعمل العلماء منذ عقدان على أيجاد بدائل للبلاستيك، فبين البامبو والأوراق المقواه قد طور العلماء ما يسمى بالبلاستيك الحيوي؛ وهو عبارة عن بلاستيك شبيه بالبلاستيك التقليدي ويتكون كليًا أو 20 في المائة على الأقل من مصادر حيوية متجددة، مثل النشا أو السليلوز أو السكر. بسبب أصله العضوي، فإمكانية تحلله الحيوي دارجة. ولكن هل خصائص البلاستيك الحيوي منافسة لخصائص البلاستيك التقليدي؟ وهل هذا النظير للبلاستيك يفوقه بالسعر؟ هل يمكن استبدال المواد البلاستيكية القائمة على الوقود الأحفوري (التقليدية) بالكامل بالبلاستيك الحيوي؟ وهل لدينا ما يكفي من موارد
طبيعية ومحاصيل لسد الاحتياجات الغذائية ولصنع البلاستيك الحيوي معا على المدى الطويل؟
يهدف البحث إلى النظر في البلاستيك بشكل عام وفي البلاستيك الحيوي بشكل خاص حيث سنعرض خصائص وآثار البلاستيك الحيوي من حيث العديد من النواحي، ونرى إن كانت خصائصه تخلق مشكلات أم تنهيها، فهل البلاستيك القابل للتحلل مثلا يعد حلاً لمشكلة مكبات النفايات؟ وكيف تتصرف المواد البلاستيكية الحيوية في مدافن النفايات؟ هل تطلق غازات دفيئة؟ وهل البلاستيك الحيوي أكثر استدامة من البلاستيك التقليدي؟
البلاستيك التقليدي
البلاستيك التقليدي هو أكثر أنواع البلاستيك شيوعا حيث يشكل 99.3% من اجمالي البلاستيك المنتج كل عام. يمتاز هذا البلاستيك التقليدي بسهولة تحديد القوام فعلى حسب كيفية تصنيعه يمكننا انتاج مواد بلاستيكية مختلفة ومتعددة الخواص، ولهذا تتعدد استخدامات البلاستيك التقليدي، فأشكاله المتعددة تسهل تصنيع منتجات مختلفة.
ينتمي البلاستيك لمجموعة من الجزيئات الكبيرة تسمى البوليمرات، التي تتكون بدورها من وحدات أصغر متكررة مرتبطة كيميائيا في سلسلة تسمى المونوميرات. اغلب جزيئات البلاستيك تحتوي على ما بين 500 و20،000 مونومير. وتسمى عملية تكوين رابطة بين المونوميرات بالبلمرة.
على سبيل المثال يتم تكوين بوليمير بلاستيك البولي ايثيلين، والذي يشيع استخدامه في أكياس البقالة البلاستيكية وعبوات الطعام والتغليف، عن طريق بلمرة جزيئات (مونوميرات) الإيثيلين يمكن تشكيل البلاستيك تحت حرارة أو ضغط لأي شكل تقريبا. خصائص البلاستيك من مرونة وصلابة وعزل للكهرباء ومقاومة للصدمات تعتمد على نوع الروابط الكيميائية بين المونوميرات وعددها وتشابك هيكل البوليمير. يزيد تشابك المونوميرات من صلابة البوليمر والاستقرار الحراري وإمكانية الذوبان وإعادة التشكيل. وعادة ما يتم مزجها مع الإضافات من الكيمياويات التي تعطي المنتجات خصائص مرغوبة.
يصنع اغلب البلاستيك التقليدي من النفط الخام. تخضع الجزيئات الموجودة في النفط الخام لتفاعلات كيميائية تنتج المونوميرات؛ التي يتم تجميعها معًا في مصانع ذات استهلاك مكثف للطاقة لصنع بوليمرات يمكن معالجتها وتحويلها إلى بلاستيك. مما يطلق كميات مهولة من ثاني أكسيد الكربون (CO_2) ، الذي يساهم في الاحتباس الحراري. بالإضافة للطلب المتضخم للنفط في جميع قطاعات الصناعة ومجالات الحياة، يقدر العلماء أنه وفقًا لمعدل الاستهلاك الحالي، قد تنفد إمدادات النفط العالمية خلال 30 عام من الآن، مما يؤول الى زوال إمكانية انتاج البلاستيك التقليدي في المستقبل.
أخطار البلاستيك التقليدي
أخطار من حيث الاستدامة
البلاستيك مادة لا تتآكل ولا تتحلل في مكبات النفايات. و 33 في المائة من المواد البلاستيكية يستخدم لمرة واحدة فقط. يمكن أن تظل المواد البلاستيكية في البيئة لـ2000 سنة وأكثر قبل ان تبدأ آثار التحلل بالظهور عليها. إمكانية إعادة تدوير بعض أنواع البلاستيك في مصانع معدة للفرز وإعادة التشكيل واردة ولكن وجودها يعتمد على سياسات الدولة فيما يخص حماية البيئة ووعي المواطنين.
تتم إعادة تدوير البلاستيك بشرط ان يكون نظيفا ونقيها (عبارة عن البوليميرات فقط لا يحتوي مواد دخيلة)، على سبيل المثال لا يمكن إعادة تدوير كوب قهوة بلاستيكي بسبب آثار القهوة التي عليه وبالتالي نسبة ضئيلة تمثل 7% من المواد البلاستيكية هي التي يعاد تدويرها في الولايات المتحدة التي تنتج أكثر من 30 مليون طن من النفايات البلاستيكية سنويًا. ينتهي الأمر بالباقي في مكبات النفايات أو يتم حرقه. ومع إعادة تدوير البلاستيك لأكثر من مرة تضعف الروابط بين البوليميرات ولا يكون قوام البلاستيك المعاد تدويره كقوام جديد الصنع منه، فبالتالي سنضطر إلى معالجة المزيد من النفط لإنتاج بلاستيك ذو جودة عالية.
أخطار صحية
بالإضافة إلى آثار صحية مثيرة للجدل بسبب إمكانية حدوث تسرب للمواد الكيميائية التي تمنح البلاستيك الصلابة والمرونة، مثل مثبطات اللهب، بيسفينول، فثالات، وهي سموم زيتية سامة. يرتبط التعرض لها بالسرطان والعيوب الخلقية وضعف المناعة واضطراب الغدد الصماء وأمراض أخرى وتوجد هذه الكيمياويات بالفعل في دم وأنسجة كل منا تقريبًا سواء من الغذاء (نباتات نمت في تربة قد تسربت اليها المواد الكيميائية من البلاستيك أو حيوانات وأسماك تعرضت للبلاستيك) أو من التعامل المباشر مع البلاستيك.
أخطار بيئية
عند تراكم النفايات البلاستيكية في المكبات، تتسرب المواد الكيميائية السامة من البلاستيك إلى المياه الجوفية، وتتدفق في اتجاه البحيرات والأنهار. هناك مخاطر طويلة المدى من تلوث التربة والمياه الجوفية ببعض المواد المضافة للبلاستيك، حيث تصبح ملوثات ثابتة في البيئة. حتى العوالق، أصغر الكائنات في محيطاتنا، تأكل المواد البلاستيكية الدقيقة وتمتص المواد الكيميائية الخطرة؛ فتدخل هذه الملوثات في الهرم الغذائي البحري، مما يسبب خطرًا على النظم الإيكولوجية.
– في محيطاتنا وحدها، يفوق الحطام البلاستيكي العوالق بنسبة 36 إلى 1.
– أكثر من 5 تريليون قطعة بلاستيكية تزن أكثر من 250 ألف طن نفايات تطفو في البحار.
– الأسماك التي تتعرض لمزيج من البولي إيثيلين تعاني من الأمراض.
– ابتلاع أو تشابك اللافقاريات، والسلاحف، والأسماك، والطيور البحرية، والثدييات في حطام البلاستيك، يسبب ضعف الحركة، والتمزقات، والقروح للكائن الحي وقد يؤول أحيانا إلى موته.
بسبب التلوث الناتج عن تصنيع واستخدام البلاستيك، تعاني جميع مجالات الحياة؛ السياحة والاقتصاد والصحة والبيئة والحياة البحرية والبرية. الضرر البيئي الناتج عن البلاستيك قد تم بالفعل ولا يمكن التراجع ولكن بإمكاننا اتخاذ خطوات في الطريق السليم للحفاظ على كوكبنا. لمعالجة هذه المشاكل والعواقب الناتجة، بحث العلماء خلال العقدين الماضيين عن طرق جديدة اقل ضررا لصنع مادة تحل محل البلاستيك. تتضمن إحدى الطرق استخدام النباتات كمواد خام بدلاً من النفط الخام لصنع البلاستيك. هذا النوع من البلاستيك يسمى بالبلاستيك الحيوي.
البلاستيك الحيوي
يستخدم مصطلح "البلاستيك الحيوي" لتعريف البلاستيك المصنوع من مواد عضوية جزئيا أو كليا، والذي يمكن تحت ظروف معينة تكسيره بالكامل في إطار زمني معقول سواء كان في بيئة طبيعية أو مصنعة، بشرط أن المواد تكون الناتجة عن تفككه غير ضارة بالبيئة. هل البلاستيك الحيوي مفيد للبيئة؟ هل البلاستيك النباتي هو حلم كل دعاة حماية البيئة؟ قد تجعل بعض الإعلانات عن البلاستيك الحيوي الأمر يبدو كذلك، خاصةً عندما تدعي هذه الإعلانات أن البلاستيك الحيوي لا ينتج أي نفايات ولا ينتج عنه أي ملوثات. دعونا نفحص الحقائق.
منذ أن بدأ الإنتاج الضخم في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت المادة الأساسية للبلاستيك هي النفط والغاز بشكل أساسي. ولكن الآن يتم تصنيع البلاستيك الحيوي عن طريق تحويل السكر الموجود في النباتات إلى بوليميرات بلاستيكية. مما يجعل البلاستيك الحيوي متجددًا وأفضل للبيئة من البلاستيك التقليدي.
يدعي بعض مصنعي البلاستيك الحيوي أن تصنيعه لا يستهلك وقودا أحفوريا (نفط وغاز طبيعي وفحم) وهذا ليس بصحيح بالضرورة. فعلى الرغم من أن الوقود الأحفوري لا يستخدم كمادة أولية في صنع منتجات البلاستيك حيوي، إلا أنه يستخدم عادة لتزويد محطات التصنيع بالطاقة. وغالبًا ما يتطلب إنتاج البلاستيك الحيوي قدرًا مساويا من الطاقة اللازمة لإنتاج البلاستيك التقليدي. يشير بعض علماء البيئة إلى التكاليف البيئية المخفية، مثل رش المبيدات السامة على المحاصيل وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من مركبات الحصاد. ومن الجدير بالذكر، أنه مع الاهتمام المتزايد باستخدام الطاقات المتجددة والنظيفة وانتشارهما فإن انتاج البلاستيك الحيوي بطرق غير مؤذية للبيئة ليس ببعيد المنال.
ويعد عديد حمض اللاكتيك polylactide acid (PLA) وبولي هيدروكسيل كانوتيه polyhydroxyalkanoate (PHA) نوعا البلاستيك الحيوي الأكثر شيوعا.
عديد حمض اللاكتيك (PLA)
الـ PLA هو من البوليمرات الحيوية الواعدة المستخدمة اليوم، ولديه عدد كبير من التطبيقات من الرعاية الصحية والصناعات الطبية إلى التعبئة والتغليف وهو شائع الاستخدام في الطباعة ثلاثية الأبعاد. ومن مميزاته الجذابة هو إنه غير سام (لا يحوي كيمياويات ضارة) ولديه قابلية أفضل للمعالجة الحرارية (عملية تسخين لتحسين الخصائص الفيزيائية ماده وينتج عن ذلك التحكم في مدى صلابة وليونة المنتج) وبفضل قابليته للتحلل البيولوجي، تم اعتماد الـ PLA للتطبيقات والأجهزة الطبية مثل أغطية الجروح والمسامير والخيوط. وبما أنه غير سام فهو بوليمر معتمد من إدارة الغذاء والدواء (FDA) لملامسة الأغذية. فيمكن استخدامه لتغليف المنتجات الغذائية.
أكبر منتج للـ PLA هو NatureWorks، وهي شركة تقع في بلير، نيبراسكا. هناك، يتم استخراج الدكستروز (سكر بسيط له تركيب كيميائي مشابه للجلوكوز) الموجود في الذرة والقمح والبطاطس، ويتم تخميره بواسطة كائنات العصيات اللبنية، والنتيجة هي حمض اللاكتيك، الذي يعمل كوحدة مكررة لصنع .PLA
لا يمكن بلمرة حمض اللاكتيك مباشرة إلى PLA لأن التفاعل الكيميائي الذي يربط مونوميران من حمض اللاكتيك ينتج عنه الماء أيضا بسبب انه رابطة كيميائية بين جزيئات النشا (سكر أو كربوهيدرات).
تمنع جزيئات الماء السلسلة المتنامية لجزيئات حمض اللاكتيك من البقاء معًا. لذلك، بدلاً من سلسلة طويلة من جزيئات حمض اللاكتيك، يتم تشكيل العديد من السلاسل الصغيرة. يطلق عليها أوليغومرات عديد حمض اللاكتيك تتم معالجة هذه السلاسل الصغيرة في ملف تفاعل كيميائي يؤدي إلى جزيئات لاكتيد. تعمل جزيئات اللاكتيد كمونوميرات، ويتم بلمرتها لتصبح PLA في عملية مشابهة لبلمرة الإيثيلين إلى بولي إيثيلين.
للمزيد .. تابع قراءة المقال
البريد الإلكتروني: fatemaeldeeb1@gmail.com
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة