في عمل هو الأكبر من نوعه على المستوى الأفريقي، تتبع فريق يضم مئات من الباحثين من جُلّ الدول الأفريقية كيفية دخول فيروس كورونا من نوع SARS-CoV-2 للقارة وتطور الإصابة به، مستخدمين بيانات المراقبة الجينومية للمتغيرات المختلفة التي طرأت على الفيروس. ونشر الباحثون في مجلة "ساينس" Science العلمية تحليلا مفصلا لمتغيرات الفيروس هو الأول من نوعه في زيادة قدرة القارة على إنتاج وتحليل البيانات الجينومية.
أهمية المراقبة الجينومية في توفير البيانات حول انتشار فيروس كورونا
لعبت المراقبة الجينومية التي قام بها العلماء منذ بداية جائحة كورونا دورا حاسما في تحديد متغيرات فيروس SARS-CoV-2 وتوجيه استجابة الصحة العالمية. لكن ومع بداية انتشار الوباء، سرعان ما تخلف ركب إفريقيا عن بقية القارات بسبب بنيتها التحتية الصحية والعلمية الهشة وضعف القدرات الاقتصادية لمعظم دولها. وساهم في هذه الوضعية قيام الدول المتقدمة بالحدّ من تصدير الأجهزة والأدوات اللازمة لتشخيص المرض للدول السائرة في طريق النمو لا سيما الإفريقية منها، مما جعل من إفريقيا أقل قارات العالم تحصينا ضد الجائحة.
من أجل سد هذه الفجوة، عمل ما يناهز عن 300 باحث ينتمون إلى 112 منظمة أفريقية و25 منظمة دولية، بالتعاون منظمة الصحة العالمية (WHO) ، من أجل إنشاء تحليل مفصل لانتشار متغيرات الفيروس المسبب لعدوى الكوفيد19. واستخدم الباحثون بيانات لأكثر من 8700 تسلسل جينومي لمتحورات تم الكشف عنها في 33 دولة أفريقية وإقليمين خارجها. ووفقا للأستاذ الدكتور أحمد الرباعي منسق "مشروع البحث الإيلافي (التونسي) حول جينوم فيروس الكوفيد والمرضى" في تصريح لموقع منظمة المجتمع العلمي العربي، فقد "ساهمت جنوب افريقيا صاحبة المبادرة لهذا المشروع بالنصيب الأوفر من هذه التسلسلات الجينومي ( حوالي40 بالمائة) إضافة إلى كينيا التي تتمتع بدعم علمي كبير خاصة مع وجود الأكاديمية الافريقية للعلوم".
مصدر العدوى وكيفية انتشارها
وتظهر نتائج الدراسة أن انتشار الأوبئة في معظم البلدان الأفريقية بدأ خلال عام 2020 عن طريق القادمين في الغالب من أوروبا، قبل أن تتضاءل أهمية هذا المصدر بعد التطبيق المبكر لقيود السفر الدولية. إلا أن " هناك اختلاف في مصدر العدوى بين دول شمال افريقيا القريبة من أوروبا وجنوب الصحراء التي تتنوع فيها المصادر التي أتى منها الفيروس (أوروبا وآسيا والقارة الأمريكية)"، كما يقول الدكتور الرباعي الذي شارك في تأليف الورقة العلمية.
ومع تطور الوباء، برزت دول أفريقية أخرى – خاصة جنوب إفريقيا وكينيا ونيجيريا – كمصادر رئيسية للفيروس بالنسبة للعديد من الدول الأفريقية الأخرى. كما تشير نتائج التحليل أيضا إلى أن أعداد حالات الإصابة في البلدان الأفريقية كانت على الأرجح أكبر بأضعاف مما تم الإبلاغ عنه وأن موجات الوباء المتتالية كانت أكثر حدة في الواقع. وقد أدى استمرار تنقل السكان وعدم تطبيق إجراءات الحد من التنقل في العديد من البلدان إلى ظهور العديد من المتغيرات المثيرة للقلق وانتشارها على مستوى القارة.
أهمية النتائج التي توصلت إليها الورقة العلمية
يقول الرباعي في ملخص للورقة العلمية وجهه لموقع منظمة المجتمع العلمي العربي عبر البريد الالكتروني إنه "على الرغم من أن العينات التي تم الاعتماد عليها كانت محدودة نسبيا، فقد توصل العلماء الأفارقة إلى تحديد العديد من المتغيرات المثيرة للقلق (VOCs) والمتغيرات ذات الأهمية (VOIs) التي يتم نقلها عبر العالم". ويضيف الباحث في مركز البيوتكنولوجيا بصفاقس -تونس "إن التوصيف التفصيلي للمتغيرات وتأثيرها على المناعة التي يسببها اللقاح يعد أمرا في غاية الأهمية في مكافحة الفيروس، فإذا لم يتم السيطرة على الوباء في إفريقيا، فقد نرى إنتاج متغيرات من الفيروس مقاومة للقاحات وقد تؤثر بشكل كبير على سكان إفريقيا والعالم."
ونبه الباحثون في هذه الورقة العلمية المهمة إلى أنه لا ينبغي ترك إفريقيا متأخرة في الاستجابة العالمية للجائحة، وإلا فقد تصبح أرضا خصبة لمتغيرات الفيروس الجديدة.
منذ إنتاج هذه الورقة العلمية، زادت إفريقيا من مراقبة الجينوميات الخاصة بهذا الفيروس، ويتوفر إلى حد سبتمبر 2021 ما يقارب من 40 ألف جينوم أفريقي لفيروس كورونا في قاعدة البيانات الدولية GISAID المخصصة لتوفير بيانات جينومية لمتحورات لفيروس كورونا التي تم تحديد تسلسلها في مختلف دول العالم. وتعد زيادة التسلسل تحديًا تسعى دول القارة إلى التغلب عليه بدعم من الممولين، والاتحاد الأفريقي (من خلال مركز السيطرة على الأمراض في إفريقيا) ومنظمة الصحة العالمية وبالتعاون الوثيق مع وزارات الصحة ومؤسسات الصحة العامة والمجتمع العلمي الذي أنتج هذا التحليل الإفريقي.
وحول الخطوة الموالية التي سيقوم بها الباحثون الأفارقة في إطار هذا المشروع، يقول الدكتور الرباعي إن " العمل يجري حاليا لاستكمال هذه التجربة بتحليل 50 ألف تسلسل جينومي لفيروس كورونا تشمل الفترة من نهاية 2020 إلى النصف الأول من العام الحالي وسيكون التحليل الجديد أكثر أهمية وأكبر من ناحية البيانات"
المشاركة العربية في هذا المشروع
ساهم في هذه الورقة العلمية 45 باحثا من الدول العربية: مصر وتونس والجزائر والمغرب التي وفرت مجتمعة ما يزيد عن 820 تسلسل جينومي (حوالي 9 بالمائة من العينات المستخدمة). "ولم تقتصر المساهمة العربية على توفير البيانات حول السلالات المتوفرة من الفيروس بل شملت كذلك المشاركة في بلورة توجه العمل من خلال اجتماعات أسبوعية على مدى 5 أشهر لتحليل المعطيات واعداد الورقة العلمية" كما يقول الدكتور الرباعي.
وإجابة على سؤال حول إمكانية إنجاز عمل مماثل على مستوى الدول العربية، يقول الباحث التونسي "إن هناك جهودا تبذل لتحديد التسلسل الجيني للمتحورات المختلفة لفيروس كورونا في جل الدول العربية (بشكل منفرد) ولا شيء يمنع من أن تبادر إحدى هذه الدول، مثلما قامت به جنوب افريقيا، بالدعوة لإنجاز مشروع عربي مماثل. لا سيما وأن مثل هذه المشاريع لا تتطلب تمويلات إضافية فالبيانات متوفرة ولا شيء يمنع التنسيق بين الدول العربية."
المصادر
https://www.science.org/doi/10.1126/science.abj4336?fbclid=IwAR1_HovoAoseLYNgGcVewrGQuuhWtL83T6z2RvliDmtrWWnEsvFmfTQzXK8&
– حوار مع الأستاذ الدكتور أحمد الرباعي منسق "مشروع البحث الإيلافي (التونسي) حول جينوم فيروس الكوفيد والمرضى" والمشارك في الورقة العلمية
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة