جاب الماموث الصوفي أنحاء القطب الشمالي، وتعايش مع البشر الأوائل الذين اصطادوا الحيوانات العاشبة المقاومة للبرد للحصول على الطعام، واستخدموا أنيابها وعظامها كأدوات، وبعد نحو 10 آلاف عام من انقراض حيوان الماموث من على وجه الأرض، يعمل علماء على إعادة "تخليق" الكائن العملاق الذي يشبه الفيل خلال بضع سنوات، استنادا إلى تقنيات الهندسة الوراثية المتقدمة والتحرير الجيني، فهل يمكن إحياء الأنواع المنقرضة؟
تصر إحدى شركات العلوم الحيوية على أنها تستطيع، معلنة عزمها استخدام تكنولوجيا التحرير الجيني الناشئة لإعادة الماموث الصوفي إلى التندرا القطبية الشمالية.
سبق أن ناقشنا هذا الموضوع في سلسلة من المقالات المترابطة التي تناقش إمكانية "إيقاظ كائنات ما قبل التاريخ" على صفحات موقع منظمة المجتمع العلمي العربي، وجاءت المقالة الثانية في هذه السلسلة عن "إعادة الماموث للحياة"، كما تناولنا هذا الأمر في أكثر من مقال، ولعل أخرها مقال تحت عنوان "استنساخ الماموث.. متى نعيد إحياء أجدادنا البشر؟" والمنشور بتاريخ 25 مارس 2021، فما الجديد في هذا الموضوع؟
الجديد هو أن هناك شركة تُدعى "كولوسال" (Colossal) تزعم أنها ستعيد الماموث الصوفي المنقرض، وقد يسير الماموث الصوفي في القطب الشمالي مرة أخرى في المستقبل القريب إذا نجحت محاولات الشركة الجديدة والتي قالت إن جهود "إزالة الانقراض" من الأنواع التي لديها القدرة على ترسيخ نموذج عمل لاستعادة النظم البيئية التالفة أو المفقودة، وبالتالي المساعدة في إبطاء أو حتى وقف آثار تغير المناخ."
وضعت الشركة التي أسسها كل من بين لام (Ben Lamm) رائد الأعمال في مجال التكنولوجيا والبرمجيات، وجورج تشيرش (George Church) عالم الوراثة الشهير والأستاذ بكلية الطب بجامعة هارفارد خطة طموحة لإعادة حيوان الماموث الوبري الضخم الذي انقرض منذ 4 آلاف عام إلى الحياة حسبما أشار تقرير لمتحف التاريخ الطبيعي البريطاني.
وقد جمعت الشركة مؤخرا 15 مليون دولار في جولة التمويل الأولى. وإذا تكللت جهودها بالنجاح، فربما يصبح مشهد هذه الحيوانات الوبرية العملاقة التي كانت تجوب الأراضي العشبية في المنطقة القطبية الشمالية منذ 800 ألف عام من المشاهد المألوفة.
إعادة "تخليق" الكائن العملاق
كان يُنظر إلى أنماط الهجرة الواسعة للماموث الصوفي على أنها ضرورية للحفاظ على الصحة البيئية لمنطقة القطب الشمالي. وعلى مدى عقود، كان العلماء يستعيدون أجزاء من أنياب وعظام وأسنان وشعر الماموث لاستخلاصها ومحاولة فك ترتيب تسلسل الحمض النووي للماموث.
يعمل علماء على إعادة "تخليق" للكائن العملاق الذي يشبه الفيل في خلال بضع سنوات، استنادا إلى تقنيات الهندسة الوراثية، والنمو المتسارع في تقنيات التحرير الجيني، وتقول شركة "كولوسال" إنها تستهدف إدخال تسلسلات الحمض النووي الريبي (DNA) من الماموث الصوفي، التي تم جمعها من بقايا محفوظة جيدًا في التربة الصقيعية والسهوب المجمدة، في جينوم الأفيال الآسيوية، لإنشاء "هجين بين الفيل والماموث".
وتضيف الشركة على موقعها على الإنترنت إن الأفيال الآسيوية والماموث الصوفي تشترك بنسبة 99.6% في تركيبة حمض نووي مماثلة. وأن "التقنيات التي تم اكتشافها سعياً وراء هذه الرؤية العظيمة – وكيل حي لماموث صوفي – يمكن أن تخلق فرصًا مهمة للغاية في الحفاظ على البيئة وما وراءها".
ترى الشركة أن استعادة هذه الكائنات، وعودتها للحياة ستعمل على تنشيط الأراضي العشبية في القطب الشمالي، خصوصاً أنها منطقة شاسعة تتمتع بخصائص رئيسية لمكافحة تغير المناخ، مثل عزل الكربون وقمع الميثان. ولأكثر من عقد، جرت مناقشات بشأن تخليق ماموث وإطلاقه في القطب الشمالي، حتى أعلن باحثون عن بدء ما يمكن تحويل حلمهم إلى حقيقة.
عودة الماموث
تنصب أنظار العلماء أولاً على تخليق هجين بين الفيل والماموث، عن طريق تحضير أجنة تحمل الحمض النووي (دي إن إيه) معمليا للماموث. وتتضمن نقطة بداية المشروع استخلاص خلايا جلد الفيل الآسيوي المهدد بالانقراض، ودمجها مع خلايا جذعية للماموث (من جثث مجمدة له) تحمل حمضه النووي، وبالتالي بعض صفاته المميزة مثل الشعر الكثيف وطبقات الدهون السميكة.
تُنقل الأجنة المحضرة إلى أم بديلة، أو ربما تُنمى في أرحام اصطناعية، وإذا سارت التجارب كما هو مخطط لها يأمل الباحثون في الحصول على أول مجموعة من الحيوانات في غضون 6 سنوات.
قال جورج تشيرش أستاذ علم الوراثة وتحرير الجينات في كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية لـصحيفة "الـغارديان": "هدفنا تخليق فيل مقاوم للبرد، لكنه سيبدو ويتصرف مثل الماموث. ليس لأننا نحاول خداع أحد، لكن لأننا نريد شيئا معادلاً وظيفيا للماموث. سيستمتع بوقته عند درجة حرارة 40 تحت الصفر، ويفعل كل الأشياء التي تفعلها الأفيال والماموث، ولا سيما اقتلاع الأشجار".
قال الرئيس التنفيذي لشركة "كولوسال" والمؤسس المشارك، بن لام، وهو رائد أعمال تكنولوجي ناشئ: "لم تكن البشرية من قبل قادرة على تسخير قوة هذه التكنولوجيا لإعادة بناء النظم البيئية، وتضميد جراح الأرض والحفاظ على مستقبلها من خلال إعادة توطين الحيوانات المنقرضة".
وأضاف: "بالإضافة إلى إعادة الأنواع المنقرضة القديمة مثل الماموث الصوفي، سنكون قادرين على الاستفادة من تقنياتنا للمساعدة في الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض بشكل خطير والتي هي على وشك الانقراض واستعادة الحيوانات حيث كان للجنس البشري يد في زوالها."
ما هو الهدف؟
أولاً، يجب الإشارة إلى أن سهول سيبيريا الشاسعة تتكون من تربة صقيعية، مجمدة باستمرار، وتحتجز في داخلها كميات ضخمة من ثاني أوكسيد الكربون. ومع انخفاض أعداد الحيوانات في هذه المنطقة، يعتبر العلماء أن إعادة إحياء حيوانات ضخمة سيكون لها أثر إيجابيا على نمو الأعشاب بشكل سريع وبالتالي المساهمة في انخفاض حرارة الأراضي في هذه السهول مثل سيبيريا حتى 9.4 درجات مئوية، مما يمنع تسرب الكربون المحبوس داخلها.
عاش الماموث، الذي يُصنف ضمن الحيوانات الآكلة للأعشاب، في العديد من المناطق الشمالية الباردة مستفيدا من فرائه الكثيف الذي يحميه ضد البرد القارس، وينحدر الماموث والفيلة الآسيوية من سلف واحد وهم متشابهان جينيا إلى حد بعيد.
لذلك فنحن لا نتكلم عن استنساخ الماموث، بل استخدام جينات الفيلة الآسيوية التي تتشابه بنسبة 99% مع الماموث. لذلك تكمن الفكرة، بتلقيح جينات جنين فيل آسيوي بجينات الماموث، وإعادتها إلى رحم الأم. وسيكون الهدف إنجاب أول فيل يحمل أهم خصائص الماموث في أقل من ثلاث سنوات.
ويهدف المشروع إلى الحفاظ على الأفيال الآسيوية، أيضا من خلال تزويدها بسمات تسمح لها بالعيش في القطب الشمالي، وذلك بعد انتقال جينات الماموث إليها. ويعتقد العلماء أن اقتلاع الحيوانات "الجديدة" للأشجار من مناطق في القطب الشمالي، قد يساعدها في استعادة الأراضي العشبية السابقة الصالحة لحياتها هناك.
قال بن لام: "حلمنا ليس فقط إعادة الماموث، لكن إعادة القطعان القابلة للتكاثر التي أعيد تخليقها بنجاح إلى منطقة القطب الشمالي".
آفاق الاستنساخ في عصر الجينوم
جدير بالذكر أن كل عمليات الاستنساخ الناجحة منذ استنساخ العنزة دوللي عام 1996 وحتى الآن قد تمت عن طريق نزع نواة خلية من حيوان بالغ ووضعها داخل بويضة خالية ثم استخدام مواد كيميائية وطاقة كهربائية لحفزها على التكاثر.
كان الخبراء يعتقدون أن استخدام خلايا مجمدة لن يكون ممكنا لأن الثلج يتلف الحمض النووي ونجح علماء يابانيون في إجراء عملية استنساخ فئران ظلت مجمدة لمدة 16 عاما، وتوصلوا إلى أن الخلايا المجمدة لن تتضرر بفعل الثلج، بعد أن نجحوا في إجراء عمليات استنساخ باستخدام خلايا المخ المأخوذة من جسد فأر ظل محفوظا في درجة حرارة 20 تحت الصفر. وقال العلماء إن التقنية التي استخدمت تطرح امكانية اعادة خلق كائنات منقرضة من الثدييات من البقايا المتجمدة لها.
قد يتضمن الاستنساخ إزالة النواة المحتوية على الحمض النووي لخلية بويضة أنثى الفيل، واستبدالها بنواة من نسيج الماموث الصوفي، وهي عملية تسمى نقل نواة الخلية الجسدية – على سبيل المثال- ثم يتم تحفيز الخلية إلى الانقسام، وزرعها في أنثى فيل.
سيكون للعجل الناتج جينات الماموث الصوفي. وعلى الرغم من أنه لم يعثر أحد حتى الآن على خلية قابلة للحياة، بسبب ظروف الحفظ، وتدهور الحمض النووي للماموث المجمد بشكل كبير، ومع ذلك، يعتقد الدكتور ساياكا أكاياما من كوبي من اليابان، أنه يمكن استخدام التقنية التي سبق واستخدمت بنجاح لاستنساخ الفئران من العينات المجمدة في استنساخ الماموث.
طرق بديلة لإحياء الماموث الصوفي
بعد التقدم العلمي الحديث في مجال الجينوم صرف الباحثون النظر عن فكرة الاستنساخ المباشر لصعوبة الحصول على كميات كافية من جزيئات الحمض النووي "دي ان ايه" صالحة للاستخدام، وفكر العلماء في سلوك طريق جديد لتحقيق هذا الحلم.
أدى وجود بقايا الأنسجة الرخوة المجمدة والحمض النووي للماموث الصوفي إلى فكرة أنه يمكن إعادة إنشاء الأنواع بالوسائل العلمية، وتم اقتراح عدة طرق لتحقيق ذلك. ويحتفظ مركز "غيفو" للعلوم والتكنولوجيا التابع لجامعة كينكي بغرب اليابان بعينات من نخاع العظام، والجلد والعضلات مجمدة في النيتروجين المسال، وبعد التأكد من التركيب الوراثي الفريد للحمض النووي، يعتزم العلماء استخدام بويضات من أنثى فيل حالي لاستكمال عملية استنساخ "الماموث".
أحد الاستخدامات العلمية المقترحة لهذه المادة الجينية المحفوظة هو إعادة تكوين الماموث الحي. حيث تمت مناقشة هذا الأمر من الناحية النظرية منذ فترة طويلة، ولكنه لم يصبح موضوعاً للجهد الرسمي إلا مؤخراً بسبب التقدم في تقنيات البيولوجيا الجزيئية واستنساخ الثدييات في العقدين الماضيين، ولكن لم يتم العثور على أنسجة ماموث قابلة للحياة لمحاولة الاستنساخ.
وفقًا لأحد المشاركين في فريق البحث، أنه لا يمكن إعادة إحياء الماموث، لكنهم سيحاولون في النهاية أن ينمو في "رحم اصطناعي" كفيل هجين مع بعض سمات الماموث الصوفي. يُظهر علم الجينوم المقارن أن جينوم الماموث يطابق 99٪ من جينوم الفيل، لذلك يهدف بعض الباحثين إلى هندسة فيل معاصر ببعض جينات الماموث التي ترمز إلى المظهر الخارجي وسمات الماموث. ستكون النتيجة هجينًا من الفيل والماموث مع ما لا يزيد عن 1٪ من جينات الماموث. وتعمل مشاريع منفصلة على إضافة جينات الماموث تدريجيًا إلى خلايا الفيل في المختبر.
ترجم العلماء جينوم حيوان الماموث الصوفي المنقرض، بعد ن تحصلوا على عينات منْ شعيرات من بقايا حيوان بعمر 60,000 سنةً وَجدتْ مجمّدةً في سايبيريا. وتمكن فريق البحث الذي ترأسه ستيفن شوستر أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة بن سيتي بالولايات المتحدة من استخلاص الحمض النووي من الشعر المأخوذ من هياكل متجمدة محفوظة في الجليد في سهول سيبيريا، وهذه الأوضاع مثالية لحفظ الشعر الذي يعد أفضل مصدر لاستخراج الحمض النووي العتيق، لأن معظمه يعود في الأصل للحيوان الذي أُخذت منه الشعرة. أما إذا أخذت العينة من العظم مثلا فيكون الحمض النووي للحيوان غالبا مختلطا بالحمض النووي للكائنات الدقيقة مثل الفطر والبكتيريا.
تأكد العلماء من نسب جينوم الماموث الصوفي المنقرض عن طريق مقارنته بالحمض النووي لأقرب حيوان منه وهو الفيل الإفريقي. وثبت أن التباين بين الإثنين لا يزيد عن 0.6%، وهو أقل من نصف نسبة التباين بين الحمض النووي للإنسان وأقرب حيوان مشابه له في التركيب الوراثي وهو الشمبانزي. قد تكون هناك طرق أخرى لاستنساخ الماموث، مثل الجمع بين الحمض النووي من "الماموث الصوفي" المنقرض مع حيوان الفيل من العصر الحديث، الذي يعد من أقارب فصيلة هذا الحيوان المنقرض.
يأمل الباحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا، في المضي قدما أملاً في إعادة الماموث إلى الحياة عن طريق إدراج تسلسل الحمض النووي للماموث في جينوم فيل من العصر الحديث، ونقل ذلك إلى خلية بويضة وبدوره إلى رحم فيلة بوصفها اما بديلة.
في يناير 2011، قالت صحيفة يوميوري شيمبون أن فريقاً من العلماء برئاسة أرتاني أكيرا من جامعة كيوتو قد بنيت على البحث من قبل الدكتور أكاياما المذكورة أعلاه، قائلين إنهم سوف يعملون على استخراج الحمض النووي من جثة الصغيرة العملاقة التي تم الحفاظ عليها في المختبر الروسي وإدخاله في بيضة أنثي فيل أفريقي لإنتاج ماموث رضيع في غضون ست سنوات فقط. وقد يكون نجاح هذه التجربة بصيص أمل لنجاحها على الماموث الذي تم استكشافه متجمداً في سيبيريا لإعادة عصر الماموث من جديد، وكذلك لإحياء أي كائنات أخرى متجمدة ومنقرضة منذ زمن بعيد.
يرى العلماء أن وجود تسلسل جيني لطاقمين وراثيين (جينومين) للماموث الوبري قد يساعد في جهود بعث الماموث إلى الحياة، مع الاستعانة بالفيلة كأم بديلة مثلما حدث في الفيلم الشهير (حديقة الديناصورات). وتبشر هذه الخطوة بتحقيق خيال راود الكتاب والسينمائيين المعاصرين بإعادة استنساخ الماموث، وتقدم طريقة غير مسبوقة لإعادة نوعاً منقرضاً من الحيوانات إلى الحياة مرة أخرى.
تتضمن الطريقة الثانية التلقيح الاصطناعي لخلية بويضة الفيل بخلايا الحيوانات المنوية من جثة الماموث الصوفي المجمدة. سيكون النسل الناتج هجينًا من الفيل والماموث، وسيتعين تكرار العملية حتى يمكن استخدام المزيد من الحيوانات الهجينة في التكاثر.
بعد عدة أجيال من تهجين هذه الأنواع، سيتم إنتاج ماموث صوفي نقي تقريباً. ومن غير المعروف ما إذا كان سيتم حمل الجنين الهجين خلال فترة الحمل التي تبلغ عامين؛ في إحدى الحالات. حقيقة أن خلايا الحيوانات المنوية للثدييات الحديثة قابلة للحياة لمدة 15 عامًا على الأكثر بعد التجميد العميق تجعل هذه الطريقة غير مجدية.
في أبريل 2015، نشر علماء سويديون الجينوم الكامل للماموث الصوفي. وتعمل العديد من المشاريع على استبدال الجينات في خلايا الفيل تدريجيًا بجينات الماموث. أحد هذه المشاريع هو مشروع عالم الوراثة بجامعة هارفارد جورج تشيرش، وهو يحاول إنشاء هجين من الماموث والفيل باستخدام الحمض النووي من جثث الماموث المجمدة. وفقًا للباحثين، لا يمكن إعادة تكوين الماموث، لكنهم سيحاولون في النهاية إنماء فيل هجين مع بعض سمات الماموث الصوفي في "رحم اصطناعي".
يحاول فريق جامعة هارفارد دراسة خصائص الحيوانات في المختبر عن طريق استبدال أو تعديل بعض جينات الماموث المحددة في خلايا جلد الفيل الآسيوي، وبحلول مارس/آذار 2015 وباستخدام تقنية كريسبر الجديدة لتحرير الحمض النووي، كان لدى فريق تشيرش بعض جينات الماموث الصوفي التي تم تعديلها في جينوم فيل آسيوي. وبحلول فبراير 2017، أجرى فريقه 45 استبدالًا لجينوم الفيل.
يبحث مشروع جينوم الماموث في جامعة ولاية بنسلفانيا أيضًا عن تعديل الحمض النووي للفيل الأفريقي لإنشاء هجين بين الفيل والماموث. إذا تم الحصول على جنين هجين قابل للحياة عن طريق إجراءات تحرير الجينات، فقد يكون من الممكن زرعه في أنثى فيل آسيوي موجود في حديقة حيوانات.
استنساخ الماموث يثير جدلاً واسعاً
الباحث البيولوجي ألكس غرينوود، من معهد لايبنتس لبحوث الحيوانات البرية في برلين، لا يرى أي فرص لنجاح هذا المشروع. ورغم أن النظرة الأولية عبر المجهر يمكن أن تعطي بعض الأمل، لأن أنسجة الماموث تتيح للعلماء أن يستخلصوا منها خلايا وجزئياً نواة الخلية أيضاً. ولكنها ليست ذات بنية سليمة، وإنما مجرد آثار لخلايا متجمدة جداً، على حد قوله.
وحول إمكانية وجود أنسجة سليمة تحتوي على خلايا صالحة للاستخدام في سيبيريا، يرى ألكس غرينوود بأن هذا الأمر غير ممكن أبداً: "عشرة آلاف سنة من التجمد أمر مختلف كلياً عن تجميد اصطناعي لمدة 16 عاماً فقط". لأن درجة الحرارة الموجودة في سيبيريا ليست ثابتة.
أنسجة الماموث تتعرض للتجمد القاسي ثم ينفك الجليد قليلاً، ويعود الثلج من جديد، وبهذا تحطمت كل ملامح الخلايا، بما فيها الشفرة الوراثية. أما الحمض النووي فهو مفتت، وبالتأكيد غير قابل للاستخدام، يؤكد غرينوود.
وحتى عالم البيولوجيا الجزيئي الألماني الأصل ستيفان شوستر، من جامعة بنسلفانيا الأمريكية، لا يرى أي فرصة لإعادة بعث الماموث. لكن يمكن التفكير بإيجاد طرق التفافية، كما يرى. فقد نجح في 2009 مع فريقه في إعادة هيكلة 70 بالمائة من الشفرة الوراثية لأحد حيوانات الماموث. وهنا لم يستخدموا نواة الخلايا وإنما جزيئات صغيرة من المادة الوراثية الموجودة في فراء الحيوان المتجمد. وتمكنوا بمساعدة الكمبيوتر من وضع أجزاء الشفرة الوراثية في ترتيبها الصحيح.
ويرى بعض الباحثين أن الطريق أصعب من ذلك من كثير، وقد يستمر الأمر لقرون حتى يتمكن الباحثون من تقديم ماموث قابل للحياة. ولكن حتى ولو تمكنوا من ذلك، فلن يعود الماموث كما كان قبل آلاف السنين، وإنما عودته ستكون إلى حديقة الحيوان في أحسن الأحوال.
هَلْ نَحتاجُ حقاً لإعادة الماموث للحياة؟
لطالما حلم الكثيرون بإمكانية استخدام الحمض النووي القديم لإعادة الحيوانات المنقرضة إلى الحياة، إلا أن معظم العلماء يشككون في إمكانية تحقيق ذلك نظراً لأن التغييرات التي تحدث في الجينوم بعد الموت تشكل تحديا كبير أمام هذا الإنجاز.. ولكن هذه البحوث قد تقدم المادة الخام لإعادة استنساخ الماموث، وإعادته مره أخرى إلى الحياة هو وغيره من الحيوانات الثديية المجمدة التي انقرضت بالفعل.
وهنا تبرز أسئلة هامة مثل: هل من السهل استنساخ مثل هذه الحيوانات المنقرضة؟ أو هل يمكن استنساخ أبناء عمومتنا من رجال الجليد النياندرتاليون الذين انقرضوا منذ حوالي 30,000 سنةً، والذي تجري الأبحاث على قدم وساق لسلسلة الجينوم الخاص بهم أيضاً، والمتوقع أن يماط اللثام عنه عما قريب؟
يؤكد العلماء بالإجماع على أن الإنجازات الحديثة ماهي إلا خطوات للأمام في طريق مرهق وصعب وغالي الكلفة لاستنساخ حيوان كامل منقرض بناء على معلومات الجينوم الخاص به، ويَقُول الدّكتور جيرمي أوستن، نائب مدير المركزِ الأسترالي للـ "دي إن أيه" العتيق في جامعةِ أديلَيد: "لدينا حالياً جزء كبير فقط من جينوم الماموث به عدد كبير مِنْ الأخطاء في الرموزِ، وهو ما يشبه مُحَاوَلَة َبْناء سيارة بـثمانين بالمائة مِنْ الأجزاء المكونة لها مع العلم أن بعض هذه الأجزاء غير صالح للعمل."
وقال عالم الوراثة بجامعة شيكاغو، فينسنت لينش: "من الممكن من الوجهة التقنية عما قريب إعادة بعث الماموث، إلا أنه موضوع لا يتعين علينا الإقدام عليه لأن الإنسان الحديث غير مسؤول عن انقراض الماموث، لذا فإنه غير مدين للطبيعة."
ومن ناحية عملية تطبيقة فمنهج الدّكتور "شوستر" البحثي يعتمد على استعمال جينوم حيوان قريب من الماموث وهو الفيل الأفريقي. وعن طريق استعمال تقنيات هندسة جينات يتم دمج الجينوم المكتشف حديثا مع جينوم الفيل الأفريقى، ثم يتم زرع هذا التتابع الجيني في جنين في رحم أنثى فيل ويرى العلماء ماسوف تسفر عنه هذه التجربة.
لكن هل إعادة هذا النوع من الكائنات الهاجعة التي أتمت دورتها الطبيعية في الحياة فكرة جيدة؟ " يجيب الدكتور باري فولير، الخبير في علم درجة الحرارة المنخفض وحفظ النسيج في جامعة يونفيرستي كوليدج لندن على هذا السؤال بقوله: "هل يمكننا أن نلعب مباريات كأس العالم القادم على القمر، نعم، لكن المال المطلوب سيكون غير قابل للتصديق"، ويضيف: "أنه من الأفضل التركيز على حفظ الحيوانات الموجودة لدينا حالياً."
ويوافقه في الرأي أدريان ليستر، من متحف التأريخ الطبيعي الذي قال: "ماهي الغاية من هذا العمل؟ نحن نعيد خلق حيوان اختفت بيئته الطبيعية التي يعيش فيها. أنه تصرف يشتبه بأنه غير أخلاقي إذا ما تم وضعه في متنزه ألعاب، أو بوضعه في مكان أسوأ من ذلك كالمختبر.. ومن ناحية المصادر فهناك العديد من الحيوانات الحالية القريبة من الانقراض والتي تحتاج لمحاولة حفظها أولاً." ويعتقد ليستر بأنّ إعادة الحيوانات المنقرضة حديثاً سيكون أكثر واقعية، مثل حيوان "كواجا" قريب الحمار الوحشي أو النمر التسماني، فكلاهما أبادهم الإنسان في السنوات الـمئة الماضية، ويجب عليه رد الاعتبار لهما عن طريق إعادة استنساخهما من جديد.
إنه عالم من الخيال بات على وشك التحقق لأن إصرار العلماء على المضي في هذا الطريق الوعر، ونهمهم لرؤية الحيوانات التي عاشت في القرون السحيقة لا يمكن أن يمنعه رادع أو قانون، ولننتظر ماذا يحدث في المستقبل القريب.
استنساخ الماموث عن طريق نقل نواة الخلية الجسدية
د. طارق قابيل
أكاديمي، كاتب، ومترجم، ومحرر علمي
عضو هيئة التدريس – كلية العلوم – جامعة القاهرة
متخصص في الوراثة الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية
تواصل مع الكاتب: tkapiel@sci.cu.edu.eg | tarekkapiel@hotmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة