من المحتمل أن تصبح الأحداث المناخية المتطرفة مثل تلك التي شهدتها العديد من المناطق حول العالم هذا الصيف 2021، أكثر تواترا وتدميرا في المستقبل. وستكون الفيضانات وموجات الحر والجفاف الشديدة، والتي يمكن أن تؤدي بدورها إلى حرائق الغابات المدمرة، أبرز هذه الظواهر. هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه أكثر من 200 عالم من 66 دولة، في تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) على الأساس العلمي لتغير المناخ والصادر في التاسع من شهر آب/ أغسطس الماضي 2021. ويركز التقرير الذي اعتمد على نتائج تقييم 14 ألف دراسة علمية سابقة، على الآثار الإقليمية للاحتباس الحراري في جميع المناطق في العالم بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط.
من أهم نتائج التقرير
في التقرير الجديد للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، يظهر الارتباط بين التغيرات المرصودة في الظواهر الجوية المتطرفة والأنشطة البشرية بشكل أوضح، مقارنة بالتقرير السابق. تؤكد الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ وبقدر كبير من اليقين، ارتفاع عدد الأحداث المناخية المتطرفة كهطول الأمطار الغزيرة وموجات الحر الشديد والجفاف وزيادة شدتها منذ الخمسينيات من القرن الماضي. وسجلت الهيئة ارتفاع في متوسط الحرارة بحوالي 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه في بداية العصر الصناعي.
وفقا لجميع السيناريوهات المأخوذة في الاعتبار، سيزداد الاحترار بحلول عام 2050 ليتجاوز 1.5 درجة مئوية أو حتى 2 درجة مئوية، ما لم تحدث تخفيضات كبيرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى خلال العقود القادمة.
ويتوقع التقرير أن التغيرات المناخية في العقود القادمة ستزداد في جميع المناطق. وسيؤدي الاحترار العالمي بمقدار 1.5درجة مئوية إلى موجات حرارة متزايدة ومواسم دافئة أطول ومواسم باردة أقصر. وسينجر عن زيادة بدرجتين مئويتين بلوغ درجات الحرارة القصوى مستويات حرجة بالنسبة للزراعة والصحة. كما يؤكد أن بعض آثار الاحترار العالمي كارتفاع متوسط درجة الحرارة وذوبان الجليد وارتفاع مستوى البحار، لم يعد بالإمكان كبحها على المدى المتوسط، حتى وإن توقفت انبعاثات الغازات المسببة للدفيئة فورا.
وتوقع التقرير أن تزداد هذه الأحداث من حيث الشدة والعدد في معظم المناطق من العالم مع اشتداد الاحتباس الحراري، وأن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة بشكل متزايد إلى حدوث فترات شديدة الرطوبة تسفر عن وقوع فيضانات وأخرى شديدة الجفاف. وأكد التقرير على ضرورة الحدّ بشكل كبير وبسرعة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى، ولا سيما غاز الميثان. وسيكون لمثل هذا الاجراء تأثيرات كبيرة على تكوين الغلاف الجوي ونوعية الهواء على المدى القصير، لكن تأثيرها على خفض درجات حرارة سطح الأرض لن يكون ملموسا قبل عقدين على الأقل.
المنطقة العربية والتغير المناخي
وفقا للتقرير، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط (التي تقع ضمنها الدول العربية) لن تكون بمنأى عن آثار هذه التغيرات، بل قد يكون وقعها أشد، مقارنة بالآثار المتوقعة في مناطق أخرى من العالم. ومن المرجح أن تكون منطقة البحر الأبيض المتوسط من بين المناطق الأكثر تضررا بشكل خاص من الظواهر المتطرفة كموجات الحر والجفاف والحرائق، وأن تتكرر في المستقبل حرائق الغابات في المنطقة على غرار ما وقع هذا الصيف في الجزائر وتونس وتركيا واليونان بسبب زيادة حدوث موجات الجفاف وموجات الحر.
وبحسب المؤلفين، فإن موجات الحر، التي حدثت حتى نهاية القرن التاسع عشر مرة واحدة فقط كل 50 عاما، أصبحت الآن أكثر تواترا بخمس مرات تقريبا في المنطقة. وسيزيد هذا التواتر ليصل إلى تسع مرات إذا ما بلغ متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمي1.5 درجة مئوية، وحوالي 14 مرة مع ارتفاع بدرجتين مئويتين. وسيكون متوسط ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة أعلى من متوسط الارتفاع العالمي ليبلغ درجتين و2.7 درجة على التوالي، وفقا للسيناريوهين المذكورين.
ومن المحتمل، كذلك، إذا ما ارتفعت درجة الحرارة ب1.5 درجة، أن تكون حالات الجفاف أكثر تواترا بمقدار 1.7 مرة بسبب تغير المناخ، ومع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، فإن عددها سيزيد بمقدار 2.4 مرة.
وتوقعت بعض النماذج المناخية أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمقدار يصل إلى درجتين مئويتين بحلول عام 2050، مما سيتسبب في انتشار موجات الحرارة الشديدة في مناطق أوسع ولفترات زمنية أطول. وقد تواجه معظم العواصم في الشرق الأوسط أربعة أشهر من الأيام شديدة الحرارة كل عام مما يزيد الضغط على انتاج المحاصيل الزراعية والموارد المائية الشحيحة.
كما ستؤدي درجات الحرارة المرتفعة هذه إلى زيادة حدوث الظواهر الجوية المتطرفة، مثل موجة الجفاف التي تتعرض لها دول المغرب العربي وسوريا في السنوات الأخيرة والأعاصير التي تهب في بحر عمان وعلى سواحلها.
تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من جفاف شبه مستمر منذ عام 1998 وهو أشد موجة جفاف منذ 900 عام. ووفقا لتقرير للبنك الدولي، فإن المنطقة تضم 6 في المائة من سكان العالم، ولكنها لا تملك سوى 1 في المائة فقط من موارد المياه العذبة في العالم. ومع وجود 17 دولة في المنطقة تحت خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة، وفي ظل توقعات بانخفاض هطول الأمطار بنسبة 20 إلى 40 في المائة في عالم أكثر سخونة بمقدار درجتين مئويتين، وقد يصل إلى 60 في المائة في عالم أكثر سخونة بمقدار 4 درجات مئوية، فإن قدرة المنطقة على توفير المياه لسكانها واقتصاداتها سيمثل تحديا صعبا لدول المنطقة.
يشكل تغير المناخ تهديدا خطيرا للمنطقة بحسب التقرير، ومن المرجح أن توفر استراتيجيات التكيف التي تنفذها بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تتضمن تنفيذ تدابير للحفاظ على المياه أو إعادة استخدامها والاعتماد بشكل متزايد على الطاقات المتجددة وتحسين إدارة النظم الإيكولوجية الزراعية، فرصا هامة للحفاظ على الموارد المتوفرة في المنطقة، فضلا عن تعويض آثار تغير المناخ.
المصادر
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة