مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

الكوكب الأحمر ومريخ الدين المرتقَب

الكاتب

م. عبدالحفيظ العمري

الوقت

11:59 مساءً

تاريخ النشر

24, أغسطس 2021

كل حدث علمي يقع في زماننا المتسارع يحرك أشجانا في القلب، فنحاول أن نعبّر عنها في كلمات تستحضر المعلومات عن الحدث الجديد وربطه بجذوره القديمة، وهي تكاد تلملم شتات الأفكار المتناثرة حول ذلك الحدث بقدر الإمكان نظراً للانفجار المعرفي والمعلوماتي، خصوصاً ونحن في بداية العقد الثالث من الألفية الثالثة للميلاد، ونوشك أن نلهث مع تلاحق أخبار الاكتشافات العلمية كل يوم!

اسم المريخ

المريخ ذلك الكوكب المهيب بلونه الأحمر المميز له عن باقي كواكب المجموعة الشمسية، هذا المنظر المهيب له جعل الرومان يُطلقون عليه اسم Mars وهو اسم إله الحرب لديهم لأنه بلون الدم، أما العرب فسمته المريخ من لونه الأحمر أيضاً، جاء في (صبح الأعشى): "وأما المريخ فمأخوذ من المَرْخ وهو شجر تحتك أغصانه فتوري النار فسمي بذلك لشبهه بالنار في احمراره"، وفي (لسان العرب): "ثَوْرٌ أمْرَخُ: به نُقَطٌ بيضٌ وحُمْرٌ"، وهم يعرفون المريخ كنجم؛ ذكر صاحب (تاج العروس): "المِرِّيخُ: نَجْمٌ مِنْ الخُنَّسِ في السَّمَاءِ الخامسة، وهو بَهْرَامُ. قال:

 

فعِنْدَ ذَاكَ يَطْلُعُ المِرِّيخُ

بالصُّبْح يَحْكِي لَوْنَهُ زَخِيخُ

من شُعْلَةٍ سَاعَدَهَا النَّفِيحُ".

 

والمريخ من أسماء الذئب أيضا؛ جاء في (لسان العرب): "والمِرِّيخ: الذِّئب، جاءَ ذلك في قَول عَمْرو ذِي الكَلْب:

يا لَيْتَ شعْري عَنْكَ والأَمْرُ عَمَمْ

ما فَعَلَ اليَوْمَ أُوَيْسٌ في الغَنَمْ

صُبَّ لها في الرِّيحِ مِرِّيخٌ أَشَمّ

فاجْتَالَ منها لَجْبَةً ذاتَ هَزَمْ

يريد ذِئباً، كنّى عنه بالمِرِّيخُ المُحدّد، مثَّله به في سُرْعَته ومَضَائهِ"، وذلك "لأن المِرِّيخ- أيضا: سهمٌ طويل يُقتَدَرُ به الغِلاء- أي المغالاة بالسهم ليعرف كم مدى ذهابه- له أربع قُذَذ- وهي ريش السهم".

ويجمع لفظ المَرِيخ على أَمْرخة.

ولو ذكرنا لفظة "آزر" الواردة في القرآن الكريم والتي تُطلق – خطأً- اسماً لأبي سيدنا إبراهيم – عليه السلام-، لأنها أصلاً لقبه حيث كان من طرائق قومه، أما اسمه فهو تارح بن ناحور، وآزر لفظ قديم معناه النار، وأطلقه قدماء الفرس والكلدانيين والآشوريين على كوكب المريخ لظنهم أنه من نار، ثم عبدوه في صورة عمود.

وإلى تلك النار يشير المعرّي بقوله:

ولنارِ المرِّيخ من حدثانِ الد … هرِ مطفٍ وإنْ عَلتْ في اتِّقادِ

 

ولو عدنا إلى المريخ الكوكب لعرفنا أن سبب احمرار سطحه راجع إلى نسبة غبار أكسيد الحديد الثلاثي العالية على سطحه وفي جوه، ولا يزال العلماء محتارين في سبب تكونه على السطح.

السباق إلى المريخ

حظي المريخ باهتمام البشر منذ القدم وحتى زماننا الحالي؛ نذكر أنه في عصر النهضة العلمية كان العالم الإيطالي جاليليو جاليلي أول من تمكن مشاهدة المريخ بالتلسكوب عام 1610م، ثم تلاحقت المشاهدات والرصد حتى زماننا الحالي، وفي ستينيات القرن العشرين تسابق كل من الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية على إرسال مركبات فضائية لاستكشاف المريخ عن قرب.

إن أول مسبار نجح في مهمته هو مسبار مارينر  Mariner 4– أي ملّاح- الذي أطلقته ناسا في 28 نوفمبر 1964م، وتمكن من إرسال أول صورة يراها البشر عن قرب لسطح المريخ في 15 يوليو 1965م، وكانت الصور تلتقط عن بُعد من المريخ فلم يكن مقرراً هبوط المسبار على سطحه.

ثم أُطلق مسبارا مارينر 6 و7 في 24 فبراير و27 مارس من عام 1969م، وتلاهما مسبار مارينر 9 في 30 مايو 1971م الذي اتخذ مداراً حول المريخ وأرسل أكثر من سبعة آلاف صورة عن سطحه، ووفرت للعلماء كمّا ثرياً من المعلومات عن المريخ، لدرجة أن أحدهم صرّح: "إن مارينر 9 قد جعلت المريخ يشغل واحداً من أهم اهتماماتنا على مدى المائة سنة المقبلة".

أما الاتحاد السوفيتي السابق فقد أرسل مسبارين نجحا في مهمتهما وهما مارس Mars 2 و3 في 19 و29 مايو 1971م.

ثم توجه الأمريكان بمشروع يحمل اسم الفايكينج Viking – وهو اسم القراصنة الاسكندنافيين الذين سيطروا على السواحل الأوروبية في القرون الوسطى- لإنزال مسبار على سطح المريخ وليس مجرد تصويره من بعد؛ فكانت رحلتا فايكينج 1 و2 اللتان أطلقتا في صيف عام 1975م، وهبط الأول في 20 يوليو 1976م في المنطقة الصحراوية قرب خط الاستواء المريخي، وبعد ذلك هبط فايكنج2 في الشمال يوم 3 سبتمبر من نفس العام، وهكذا وصلت آليات الإنسان إلى سطح المريخ. 

ثم عاد الالتفات إلى المريخ ثانية بعد انقطاع طويل، وقد استأثرت الولايات المتحدة الأمريكية بالأمر؛ فأرسلت ناسا مسبار مارس باثفايندر Mars Pathfinder – أي مستكشف الطريق- الذي هبط على سطح المريخ في 4 يوليو 1997م (في ذكرى عيد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية)، وبعده مسباري سبيريت Spirit – أي الروح- وأبورتيونيتي Opportunity – أي الفرصة- في يناير 2004م (بفارق ثلاثة أسابيع بينهما)، ثم مسبار فينيكس Phoenix – أي العنقاء- الذي هبط على سطح المريخ في 25 مايو 2008م، ثم مسبار كوريوسيتي Curiosity – أي الفضول- في أغسطس 2012م، ثم مسبار إنسايت InSight– أي البصيرة – الذي هبط على سطح المريخ في 26 نوفمبر 2018م، وأخيراً مسبار برسيفيرانس Perseverance – أي المثابرَة – الذي هبط على سطح المريخ في 18 من شهر فبراير 2021م.

ولو سألنا: لماذا الاهتمام بالمريخ؟

يجيب عالم الفلك الراحل كارل ساجان في كتابه (الكون): "السبب هو أن المريخ يبدو للوهلة الأولى شبيهاً جداً بالأرض، فهو أقرب كوكب يمكن أن نرى سطحه، ويوجد فيه قطبان متجمدان وغيوم بيضاء تندفع من مكان لآخر وعواصف غبارية شديدة، ونماذج تتغير في كل فصل على سطحه، وحتى يومه مؤلف من 24 ساعة". 

نحن والتاريخيات

ماذا عنّا – نحن العرب- مما يجري في المريخ؟

لا أظن أننا سكان جغرافية الوطن العربي (الكسير) الملتهبة لنا علاقة بما يجري في كوكبنا الأرض أصلاً حتى يكون لنا علاقة بما يجري خارجه!

لذا أعتقد أن الإجابة الموجزة لهذا السؤال العويص تكمن في مقولة الكاتب الساخر جلال عامر: "هذه الأمة لا علاقة لها بالفضاء إلا في الأسماء؛ فمعنا «قمر الدين» و«شمس الدين» و«نجم الدين» … ولمّا أمريكا تروح المريخ سيكون عندنا «مريخ الدين»"!

فمتى يولد مريخ الدين؟!

أخيراً، يصف الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن عملية هبوط مسبار برسيفيرانس أنه تاريخي!

شدتني لفظة "تاريخي"، لأني كنتُ أظنها استخدام حصري للساسة العرب وحدهم؛ فهم يصفون كل عمل لهم أنه تاريخي؛ فهذا خطاب تاريخي، وخطة تاريخية، ومرحلة تاريخية مفصلية إلى غيرها من التاريخيات التي لا تنتهي!

لكن يبدو أن الساسة جميعهم لديهم هوس بالتاريخ.

يعلّق الكاتب الساخر جلال عامر على تاريخياتنا الفذة قائلاً: "كل شوية نمر بمرحلة تاريخيةكل شوية نمر بمرحلة حاسمة ما فيش مرة نمر على واحد بتاع عصير؟!".

 

المصادر

1- أحمد بن علي القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، تحقيق: محمد حسين شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت).
2- أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا، مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط2 (بيروت: دار الفكر، 1979).
3- حسين محمد نصار، كتب غريب القرآن الكريم (المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1422هـ).
4- سعد شعبان، الطريق على المريخ، العدد 228 (الكويت: سلسلة عالم المعرفة، ديسمبر 1997).
5- كارل ساجان، الكون، ترجمة: نافع أيوب لبّس، العدد 178 (الكويت: سلسلة عالم المعرفة، أكتوبر 1993).
6- محمّد بن محمّد الملقّب بمرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحققين (القاهرة: دار الهداية، د.ت).
7- محمد بن مكرم بن منظور المصري، لسان العرب، ط3 (بيروت: دار صادر، 1414هـ).
8 – الموسوعة العربية العالمية، (الرياض: مكتب الشويخات للترجمة والاستشارات التربوية، 2004) (نسخة إلكترونية).

تواصل مع الكاتب: abdualamri.75@gmail.com

 


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

    

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x