وفقا لمنظمة الصحة العالمية، تعد أمراض السرطان (عافانا وعافاكم الله) ثاني أسباب الوفاة على مستوى العالم بعد أمراض القلب، فقد سجلت في عام 2020 عشرة ملايين حالة وفاة إضافة إلى حوالي 19.3 مليون إصابة جديدة. ويصاب بهذه الأورام الخبيثة واحد من بين كل 5 أشخاص تقريبا خلال حياته، وتتسبب في وفاة واحد من بين كل 8 رجال مصابين وواحدة من بين كل 11 امرأة مصابة.
وتظهر احصائيات الإصابة بالسرطان في الوطن العربي أن نسب الإصابات تتراوح بين 0.43 بالمائة في اليمن و1 بالمائة في قطر وليبيا عام 2017، وهي نسب إصابة متوسطة مقارنة بالدول الأوروبية وشمال أمريكا. لكن ماذا عن جهود البحث العلمي العربية في مجابهة هذه الآفة التي تحصد سنويا عشرات الآلاف من الأرواح في المنطقة؟ للإجابة على هذا السؤال، قام فريق من الباحثين من الجامعة اللبنانية بتقييم نشاط أبحاث السرطان في العالم العربي وتطوره بين عامي 2005 و2019. ونشرت الدراسة على موقع (researchsquare) في شهر أبريل الماضي قبل مراجعتها من الأقران.
إنتاج علمي متفاوت حسب الدول
كشفت النتائج التي توصل إليها الباحثون أنه تم نشر 26656 دراسة متعلقة بالسرطان في العالم العربي بين عامي 2005 و2019، ويمثل هذا العدد 13.4% من إجمالي الأوراق البحثية الطبية العربية، لكنه لا يمثل سوى 1.52% فقط من إجمالي الدراسات العالمية المتعلقة بالسرطان المنشورة خلال نفس الفترة رغم أن نسبة سكان الدول العربية تبلغ حوالي 5.5 بالمائة من سكان العالم.
وأظهرت النتائج كذلك أن مصر نشرت أكبر عدد من الدراسات المتعلقة بالسرطان (8917 ورقة) بين الدول العربية، تليها السعودية (6589 روقة). وبذلك يكون هذان البلدان قد ساهما وحدهما في حوالي 58.2% من إجمالي المنشورات المتعلقة بالسرطان بين الدول العربية خلال فترة الدراسة.
في المقابل ومن بين 22 دولة عربية، سجلت الدراسة أن دولة عربية وحيدة هي جزر القمر لم يكن لها منشورات متعلقة بالسرطان خلال هذه السنوات الخمس عشرة. وأن ثلاث دول هي جيبوتي وموريتانيا والصومال نشرت أقل من أربع ورقات علمية في نفس الفترة.
من حيث عدد المنشورات لكل مليون نسمة، احتلت قطر المرتبة الأولى بنسبة 394.74 ورقة لكل مليون شخص، تليها لبنان والسعودية. أما بالنسبة لحصة كل بلد من الأوراق البحثية المتعلقة بالسرطان من إجمالي أبحاثه المنشورة، فقد احتل المغرب المرتبة الأولى، حيث كانت نسبة 16.75% من إجمالي منشوراته متعلقة بالسرطان، متقدما على مصر (16.73%) ولبنان (16.51%).
وسجل الباحثون كذلك نموا مطردا في عدد المنشورات الخاصة بالسرطان في الدول العربية منذ عام 2005، حيث شهدت السنوات السبع الماضية وحدها 75.69% من إجمالي المنشورات العربية المتعلقة بالسرطان.
توزيع الأوراق العلمية حسب أنواع السرطان
تناولت الأوراق العلمية العربية المنشورة المتعلقة بالسرطان خلال فترة الدراسة 27 نوعًا من السرطانات، وحاز سرطان الثدي على النصيب الأكبر من هذه الأوراق (2241). وكان لكل من سرطانات القولون والمستقيم وسرطان الكبد أكثر من 1000 ورقة، في حين أن سرطانات الخصية والفرج والمرارة كان لها أقل عدد من المنشورات.
بحسب الباحثين، فإن التباين في عدد الأوراق المنشورة حسب نوع السرطان يعكس تفاوت الإصابة بها في المنطقة العربية. فمصر على سبيل المثال، الدولة الأعلى إنتاجية في نشر الأبحاث المتعلقة بالسرطان بين الدول العربية وأكثرها سكانا، تعاني من معدلات الإصابة بالسرطان المتزايدة بشكل مثير للقلق تشمل التشخيصات الأكثر شيوعا بين السكان سرطان الكبد عند الذكور (33.6%) وسرطان الثدي عند الإناث (32.0%).
فيما يتعلق بجميع أنحاء العالم العربي، فإن سرطانات الثدي والقولون والمستقيم والكبد التي حصلت على معظم المنشورات المتعلقة بالسرطان، هي أكثر أنواع السرطانات انتشارا في الدول العربية ونسبة حدوثها في ازدياد مستمر. ويعتبر سرطان الكبد مشكلة حرجة لدى الذكور في مصر والمملكة العربية السعودية، وسجلت دول الخليج معدلات إصابة عالية بسرطان القولون والمستقيم.
عوائق تحول دون تطوير البحوث في مجال السرطان
على الرغم من العبء الثقيل للرعاية الصحية للسرطان، لا تزال الجهود البحثية في مجال الأورام محدودة في العالم العربي، وفقا للباحثين الذين كشفوا أن عدة عوامل اجتماعية واقتصادية قد تلعب دورا في إعاقة تطور عدد الأوراق العلمية الخاصة بالسرطان والنشاط البحثي في العالم العربي. ويأتي على رأس العوامل إشكالية التمويل الذي لا يزال متواضعا نسبيا. ففي عام 2013، شكل إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في العالم العربي بأكمله 1.0% فقط من إجمالي الإنفاق العالمي على البحث. وكانت الدول العربية ذات المنشورات الأقل في أبحاث السرطان في الغالب من البلدان ذات الدخل المنخفض مثل جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والصومال. وتعاني هذه البلدان من سوء الخدمات الصحية وانتشار الفقر ونقص التعليم. في المقابل، فإن دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة تضخ بشكل متزايد عائدات النفط في أبحاث التكنولوجيا والعلوم، ويمكن لنقص التمويل، كما كتب الباحثون في الدراسة، أن يعيق إنشاء بنى تحتية بحثية قوية داخل العرب كليات الطب والمراكز الطبية. وفي واقع الأمر، تظل معظم كليات الطب والمستشفيات العربية تتمحور حول المريض وتوجهها الإكلينيكي، حيث لم يتم إعطاء الأولوية لثقافة البحث إلا مؤخرا.
علاوة على ذلك، تساهم عوامل عدم الاستقرار في بعض البلدان العربية في إعاقة تطور عدد الأوراق العلمية الخاصة بالسرطان. فقد تؤدي الحروب والاضطرابات الداخلية والصراعات المستمرة إلى تعريض النشاط البحثي في العالم العربي للخطر بشكل أكبر من خلال توجيه الأموال المخصصة عادة لنشاط البحوث الطبية الحيوية نحو العمل العسكري وتلبية الاحتياجات الأساسية.
تعاني البلدان التي مزقتها الحروب أيضا من هجرة الأدمغة والبيئات غير الآمنة التي يمكن أن تعرقل نشاط البحث. وهذا من شأنه أن يفسر لماذا كان أداء العراق وليبيا وفلسطين والصومال والسودان وسوريا واليمن ضعيفا نسبيا من حيث نتائج البحث في فترة الدراسة.
رغم أن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها في تقييم مساهمة العالم العربي في مجال علم الأورام وتوزيع الأوراق العلمية المنشورة المتعلقة بكل نوع من أنواع السرطان، فقد نبّه الباحثون إلى أن التحليل الببليومتري الذي قاموا به، استخدم قاعدة بيانات واحدة فقط (PubMed) للحصول على الأوراق العلمية المنشورة والمكتوبة بالإنكليزية دون غيرها من اللغات.
المصادر
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة