مرض التهاب الأمعاء (IBD) يشير إلى العديد من الحالات طويلة الأمد التي تنطوي على التهاب في الجهاز الهضمي أو الأمعاء. ووفقًا لتقرير مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن ما يصل إلى ثلاثة ملايين شخص في الولايات المتحدة يعانون من مرض التهاب الأمعاء في الوقت الحالي. وغالبية الأشخاص المصابين بأمراض الأمعاء الالتهابية يصابون بها قبل بلوغهم سن الثلاثين.
يوجد نوعان رئيسيان من مرض التهاب الأمعاء، هما التهاب القولون التقرحي ومرض كرون. والحالات المزمنة منها تتميز بأعراض متقطعة، مثل الإسهال وآلام البطن، فضلاً عن وجود دم في البراز كما يعاني المرضى من التعب والهزال.
يمكن أن يؤثر مرض كرون على أي جزء من الجهاز الهضمي بين الفم وفتحة الشرج. ومع ذلك، فإنه يتطور بشكل شائع في القسم الأخير من الأمعاء الدقيقة والقولون. وقد أصبح هذا النوع من مرض التهاب الأمعاء أكثر شيوعًا بمرور الوقت. في الواقع، يعاني منه حالياً حوالي نصف مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك فقًا لتقرير المعهد الوطني للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى (NIDDK).
لما كانت الأمعاء البشرية موطن لمجتمع متنوع من الكائنات الدقيقة (ميكروبيوم)، ما يقرب من مائة تريليون، غالبيتها من البكتيريا ويوجد كذلك فيروسات وفطريات. تعيش هذه الكائنات الدقيقة عادة في وئام وتكافل مع مضيفيها من البشر في صورة علاقات معقدة مفيدة للطرفين. وإذا حدث خلل في التوازن الميكروبي نتيجة لعوامل عديدة يتعرض لها الإنسان، مثل تناول المضادات الحيوية بكثرة مثلاً، فقد يترتب على ذلك حدوث أضرار مرضية للإنسان، ويمكن أن تؤدي إلى تفاقم مرض التهاب الأمعاء.
الفطريات التي تعيش في الأمعاء البشرية هي غير ضارة في الوضع الطبيعي لمعظم الأشخاص الأصحاء، ولكن في حالة حدوث خلل في وضع الاتزان الميكروبي يؤدي إلى أن تصبح ضارة ومفاقمة للالتهاب وخاصة لمرضى كرون.
أمل جديد لمرضى داء كرون يأتي من باب تصحيح ذلك الخلل الميكروبي. فقد يساعد مضاد للفطريات في علاج هذه المشكلة التي يعاني منها الكثير. يسعى الباحثون والأطباء لإيجاد علاج أو لقاح للتخفيف من أعراض مرض كرون، ومن ضمنها لقاح جديد مضاد للفطريات.
فطر كانديدا ألبيكانز أحد الفطريات المتواجدة في القناة الهضمية، وله نسختان، إحداهما ممرضة وأخرى نافعة. على موقع ميديكال نيوز توداي 16 من يوليو 2021 كتب "جيمس كينجزلاند" عن دراسة جديدة نشرت في مجلة "نيتشر" 14يوليو 2021 ، والتي توصلت نتائجها إلى أن الجهاز المناعي يستهدف فطر كانديدا ألبيكانز C. albicans الممرض والذي يغزو خلايا الجسم مسبباً الضرر، تاركاً نسخة فطر الكانديدا ألبيكانز الغير ضارة مما يمنح النسخة النافعة ميزة تنافسية. هذا التفاعل المناعي يعمل أيضاً على تعزيز علاقة تبادل منفعة بين الفطر والإنسان وتصبح من ثم أكثر تناغمًا ومفيدة للطرفين.
من الناحية النظرية، يرى الباحثون أنه بالإمكان استخدام لقاح فطري مضاد موجود وجاهز للاستخدام من أجل تحسين علاقة تبادل المنفعة بين فطر الكانديدا النافع والأشخاص المصابين بمرض القولون العصبي (IBD) ، مما يساعد على تقليل التهاب الأمعاء.
كشفت الدراسة الجديدة عن الكيفية التي يقوم بها الجهاز المناعي للشخص الذي يتمتع بأمعاء صحية بالحفاظ على علاقة متناغمة مع الفطريات التي قد تكون ضارة، مثل C. albicans. حيث أوضح الباحثون أن الأجسام المضادة تستهدف هياكل أو تراكيب تسمى خيوط فطرية أو الهيفا، وهي خيوط طويلة رفيعة تستخدمها الفطريات لغزو أنسجة مضيفها.
استخدم فريق البحث الفئران للتجربة، وكشفت النتائج أن الأجسام المضادة التي تستهدف الخيوط الفطرية أو الهيفات الغازية قامت بصدّ أو قمع الشكل الغازي "الممرض" من الفطر وعرقلة عمله الضار. في المقابل حدث تشجيع لنمو الشكل الدائري من فطر الكانديدا "النافع" أي الغير ضار مما يصب في النهاية في مصلحة العلاقة المتبادلة بينهما أي فطر الكانديدا الغير ممرض والإنسان.
اللقاح الفطري المقترح لتخفيف أعراض مرض كرون يعمل على تحفيز جهاز المناعة على إنتاج المزيد من هذه الأجسام المضادة التي تستهدف النسخة الممرضة من فطر كانديدا مما يساعد في تقليل الالتهاب لدى الأشخاص المصابين بمرض التهاب الأمعاء.
بحث العلماء عن أجسام مضادة لأربعة أنواع شائعة من الفطريات التي تسكن الأمعاء وذلك في عينات براز من أفراد أصحاء وأشخاص مصابين بمرض التهاب الأمعاء بهدف اختبار استراتيجية التطعيم كوسيلة للعلاج أو الوقاية من مرض التهاب الأمعاء لدى الناس. وأوضحت النتائج استجابة قوية للجسم المضاد لنوع واحد بشكل خاص، وكان فطر كانديدا ألبيكانز C. albicans، سواء في المشاركين الأصحاء أو المرضى.
في الاختبارات التي أجريت على الفئران، وجد الفريق أن بعض هذه الأجسام المضادة استهدفت بروتينات لاصقة تسمى "أدهيسينس protein adhesins" والتي تسمح للخيوط الفطرية بالالتصاق بجدار الغشاء المخاطي للأمعاء وغزوها.
تشير النتائج معًا إلى أن استجابات الجسم المضاد الطبيعية في القناة الهضمية تعوق مرض التهاب الأمعاء عن طريق استهداف فطر الكانديدا C. albicans الممرض، والتي بدورها تمنح النسخة الغير ضارة أو الشكل النافع من الفطر ميزة تنافسية. من ناحية أخرى فإن اللقاح، الذي خضع لتجربة سريرية للوقاية من عدوى الخميرة المهبلية، يحمي أحشاء الفئران من التلف المرتبط بالشكل الضار من فطر الكانديدا ألبيكانز.
المراجع
تواصل مع الكاتب: redataha962@gmail.com
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة