الرضاعة الطبيعية هي أن يتغذى الطفل على حليب الأم. ويعتبر حليب الأم هو الركيزة الأساسية لتغذية الأطفال من الميلاد حتى الفطام نظرا لفوائده المتعددة في النمو السليم وتحسين الصحة العامة للطفل. ولذلك تنصح الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بضرورة الاعتماد الكلي على حليب الأم في التغذية خلال الستة أشهر الأولى من عمر الرضيع. ولكن في بعض الأحيان قد لا تتمكن الأم من إرضاع طفلها نظرا لعدة عوامل منها قلّة الحليب المنتج لديها أو الإصابة بالأمراض أو إنشغالها بظروف العمل لساعات طويلة خارج المنزل. ولذلك تستبدل الأم الرضاعة الطبيعية بتغذية طفلها على الحليب الصناعي البقري.
وقد وجد الباحثون أن 81% من الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية يتناولون الحليب الصناعي خلال السنة الأولى من أعمارهم. وبالتزامن مع إحلال الحليب الصناعي للرضاعة الطبيعية فقد تزايدت حالات إصابة الأطفال بإضطرابات في الجهاز الهضمي وإنخفاض المناعة مما ترتب عليه الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي لديهم. ويرجع ذلك إلى أن حليب الأم يحتوي على العديد من المكونات الأساسية لتقوية مناعة الطفل والتي تحميه من الأمراض خلال فترة حياته.
وفي اكتشافات حديثة، وجد الباحثون مكونات في حليب الأم تسهم بشكل رئيسي في تطور مناعة الطفل منها " سكريات الأوليجو" و"الميكروبيوم" و"الحمض النووي الريبوزي الصغير أو الرنا الصغير" وهو ما لا يتوافر في الحليب الصناعي البقري. وفي هذا المقال سوف نتعرف على تلك المكونات المكتشفة حديثاً في حليب الأم وكيف تعمل على تحسين مناعة الأطفال.
سكريات الأوليجو
سكريات الأوليجو هي سكريات قليلة التعدد تحتوي على خمسة أنواع من السكريات الأحادية هي الجلوكوز والجلاكتوز والجلوكوز أمين والفوكوز وحمض السياليك. يحتوى الليتر من حليب الأم على 5-15 جرام من سكريات الأوليجو وهي بذلك تعتبر ثالث أكبر مكون في الحليب بعد سكر اللاكتوز والدهون. هذا وقد تم اكتشاف أكثر من 150 نوع من سكريات الأوليجو في حليب الأم. في المقابل، يحتوي الحليب البقري على تركيز وتنوع أقل في سكريات الأوليجو عن حليب الأم حيث يحتوى على 0.1 جرام و50 نوع فقط من سكريات الأوليجو، وهذا الفرق الكبير يلعب دوراً في انخفاض مناعة الأطفال الذين لا يتغذون على حليب الأم. وتكمن أهمية سكريات الأوليجو في أنها تحمي الأطفال من الميكروبات المرضية التي قد تستوطن القناة الهضمية، وذلك عن طريق مجموعة متنوعة من الآليات. فعلى سبيل المثال، تقوم سكريات الأوليجو بتنمية الميكروبيات النافعة والضرورية للطفل والتي تنمو بصورة طبيعية في القناة الهضمية بما لا يسمح للميكروبات المرضية أن تصل للقناة الهضمية وبذلك تحمي الطفل.
على عكس العديد من السكريات، فإن سكريات الأوليجو لا تستطيع أمعاء الطفل هضمها لعدم قيام جسم الطفل بتصنيع الأنزيمات المطلوبة لتكسير تلك السكريات والإستفادة منها. ولكن يقوم بهذا الدور الميكروبات النافعة في القناة الهضمية مثل البيفيدوبكتريا والبكترويديس بما يسهم في نمو تلك الميكروبات النافعة بدلا من الضارة في القناة الهضمية. بالإضافة إلى ذلك، تلتصق سكريات الأوليجو بالخلايا الطلائية للقناة الهضمية في الأماكن التي تحتاجها البكتريا الضارة للنمو، وبذلك تمنع سكريات الأوليجو البكتريا الضارة من استكمال دورة النمو. أضف إلى ذلك، أن سكريات الأوليجو ضرورية للحفاظ على الخلايا الطلائية للقناة الهضمية من أي جروح قد تسمح للميكروبات الضارة من خلالها أن تصل لداخل جسم الطفل وتسبب الأمراض. وتشير الدراسات الحديثة أن إضافة سكريات الأوليجو للحليب الصناعي البقري يمكن أن يحمي من الإصابة بالميكروبات الضارة التي تسبب اضطرابات في القناة الهضمية ومنها الإسهال الشديد. ولذلك فقد تم مؤخراً إضافة سكريات الأوليجو المعزولة من حليب الأم للحليب الصناعي البقري لرفع مناعة الأطفال الذين لا يتمتعون بالرضاعة الطبيعية.
ميكروبيوم الحليب
يحتوي حليب الأم كذلك على المليارات من الخلايا الميكروبية التي تتواجد بصورة طبيعية في الحليب فيما يعرف بالميكروبيوم. وتشكل هذه التجمعات الميكروبية في الحليب النواة الأساسية لتواجد الميكروبات النافعة في القناة الهضمية للطفل منها "البيفيدوبكتريام بريفي"، "اللاكتوباسيلاس جاسيرى"، "الاستربتوكوكاس ساليفاريس" وغيرها العديد من الميكروبات النافعة التي تحد من نمو الميكروبات الضارة المسببة للأمراض في القناة الهضمية للطفل الرضيع. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الميكروبات النافعة تعمل على تدريب الجهاز المناعي للطفل في التعرف على الميكروبات الضارة التي قد تهاجمه وكيفيه التخلص منها عن طريق إنتاج العديد من مكونات الحماية في دم الطفل. كذلك تعمل الميكروبات النافعة على إلتئام جروح القناة الهضمية إن وجدت، بما يساهم في رفع كفاءة عمل الجهاز الهضمي وتحسين الحالة الصحية العامة. وعلى الرغم من الدور الفعّال لميكروبيوم حليب الأم فما زال العلماء يبحثون عن إجابات للعديد من الأسئلة المهمة التي قد تساعد على فهم آلية عمل الميكروبيوم في حليب الأم.
ومن هذه الأسئلة: كيف تنتقل تلك الميكروبات من الأم للحليب أثناء الحمل وتصنيع الحليب في الغدد اللبنية بالثدي؟ ما هو مدى إسهام الميكروبات المتواجدة خارج الثدي في تكوين ميكروبيوم الحليب ومنها الميكروبيات المتواجدة على جلد الأم وفي فم الطفل، أو المتواجدة في البيئة المحيطة بالأم والطفل؟ ما هي العلاقة بين ميكروبيوم الحليب والمكونات المناعية والغذائية الأخرى بالحليب؟ وكيف يمكن أن يؤثر كل منها على الآخر بما ينعكس على صحة الطفل؟ وغيرها العديد من الأسئلة التي نتوقع أن تجيب عليها أبحاث العلماء في الوقت القريب.
الحمض النووي الريبوزي الصغير (الرنا الصغير)
الحمض النووي الريبوزي الصغير أو الرنا الصغير يتكون من 22 نيكولوتيدة غير مترجمة إلى بروتين ولكن تعمل على تنظيم التعبير الجيني للجينات التي تتم ترجمتها إلى بروتينات على المستوى الخلوي. يحتوي حليب الأم على العديد من الرنا الصغير الذى يصل إلى القناة الهضمية للطفل ويتم إمتصاصه وانتقاله لداخل الجسم، حيث يمكن أن يغير من عمل جينات الطفل وانتاج البروتينات في جميع أنحاء الجسم. ومن هنا يتجلى دور الأم وما تفرزه من مكونات في الحليب مثل الرنا الصغير للتحكم في نمو وتطور الطفل. ومن الملاحظ أن الحليب الصناعي البقري يحتوى على تركيب وتركيز أقل بكثير بالمقارنة بحليب الأم. وأشارت العديد من الدراسات إلى أن محتوى حليب الأم من الرنا الصغير يلعب دوراً حيوياً في زيادة مناعة الأطفال عن طريق تقليل الالتهابات في القناة الهضمية والحد من الإصابة بالأمراض مثل الأنلفونزا وتقليل الموت المبرمج لخلايا القناة الهضمية. كما أن الرنا الصغير في حليب الأم يتم امتصاصه في الخلايا الميكروبية بالقناة الهضمية، وعليه فإنه يؤثر على المحتوى الميكروبي في الطفل ويرفع من نمو الميكروبات النافعة المطلوبة لنمو وتطور القناة الهضمية بشكل سليم لديه.
حليب الأم هو نعمة من نعم الله يضمن تركيبة مغذية ويمنح مناعة قوية للرضيع لحمايته من الأمراض. ولكن قد لا تتوافر الرضاعة الطبيعية للطفل في الكثير من الأحيان مما يضطر الأم للاستعانة بالحليب الصناعي البقري الذى قد يصاحبه اضطرابات في الهضم وإنخفاض في مناعة الطفل. وعليه يجب إضافة المكونات المميزة لحليب الأم مثل سكريات الأوليجو والميكروبيوم والرنا الصغير في الحليب الصناعي لمساعدة الأطفال على مجابهة المضاعفات الصحية والمناعية المصاحبة للتغذية على اللبن الصناعي البقري خلال فترة ماقبل الفطام.
المصادر
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة