أ.د. عبد الرؤوف علي المناعمة
الجامعة الإسلامية – غزة/دولة فلسطين
البريد الإلكتروني: elmanama_144@yahoo.com
إسلام المناعمة
الجامعة الإسلامية – غزة/دولة فلسطين
البريد الإلكتروني: elmanama1996@gmail.com
مقدمة
الحصبة مرض فيروسي حاد ينتقل عبر الجهاز التنفسي، وقد تم وصف مرض الحصبة منذ أوائل القرن السابع. وقد وصف هذا المرض من قبل الطبيب أبو بكر الرازي في القرن العاشر وأوضح بأن هذا المرض "أكثر رعباً من الجدري". وقبل توفر اللقاح، فإن الإصابة بفيروس الحصبة كان شائعاً خلال الطفولة، وأكثر من 90 % من الأشخاص يصابون بالحصبة قبل بلوغهم 15 سنة.
قبل انتشار التطعيم على نطاق واسع، كان هذا المرض يودي بحياة نحو 2.6 مليون نسمة كل عام. لا تزال الحصبة من الأمراض الشائعة والمميتة في بعض البلدان النامية الى وقتنا الحالي حيث انها لا تزال من الأسباب الرئيسية لوفاة الأطفال وذلك على الرغم من توافر لقاح مأمون وناجع لمكافحتها. فقد شهد عام 2015 وقوع 134,200 حالة وفاة بسبب هذا المرض في جميع أنحاء العالم، علماً بأنّ معظم تلك الوفيات طالت أطفالاً دون سن الخامسة. وشهدت السنوات الأخيرة تفشيات للحصبة في الولايات المتحدة ودول أوروبية مختلفة. وتعزى هذه التفشيات الى عزوف الكثيرين عن تطعيم أطفالهم وذلك بسبب بروز حركات مجتمعية مناهضة للتطعيم تحت مزاعم بان اللقاحات تسبب امراض مثل التوحد. انخفاض نسبة الأطفال المطعمين يوفر بيئة خصبة لانتشار فيروس الحصبة الذي يعتبر أكثر فيروس على وجه الأرض سهولة في الانتقال حيث يقدر العلماء ان الشخص المصاب قد ينقل المرض الى حوالي 18 شخص اخرين خلال فترة مرضه.
لقد كان لتسريع أنشطة التمنيع (التطعيم) أثر كبير في خفض عدد الوفيات الناجمة عن الحصبة. فلقد حال التمنيع ضد الحصبة خلال الفترة 2000–2015 دون وقوع وفيات يُقدّر عددها بنحو 20.3 مليون وفاة. ولقد انخفضت الوفيات الناجمة عن الحصبة على الصعيد العالمي انخفاضاً بنسبة 79% بما يقدر بـ 651,600 في 2000 إلى 134,200 في عام 2015.
الكائن المسبب
تنتج الحصبة عن فيروس الحصبة (Measles virus)، من جنس Morbillivirus الذي ينتمي إلى عائلة Paramyxovirus، وهو فيروس RNA سلبي أحادي السلسلة، ومغلف وغير مجزّأ. إنه سبب الحصبة. يعتبر الانسان المضيف الطبيعي للفيروس.
يُشفّر جينوم الفيروس RNA ستة بروتينات رئيسية: بروتينات نووية (N) والبروتين الفسفوري (P) وبروتين المصفوفةmatrix (M) وبروتين الدمج (F) و بروتين تخثر الدم( Hemagglutinin (H والبروتين الكبير (L] والذي يمثل البوليميرز. ويشّفر الجينوم الفيروسي أيضاً نوعين من البروتينات غير هيكلية C و V. هذه البروتينات غير الهيكلية هي مضادات المناعة الفطرية التي تساعد الفيروس على الهروب من الاستجابة المناعية للعائل. يُغلف الفيروس بغشاء دهني والبروتينات السكرية H و F هي بروتينات سطحية مرتبطة بهذا الغشاء الدهني.
انتقال الحصبة
الحصبة هي عدوى تنتقل عبر الجهاز التنفسي ومن المعروف أن فيروس الحصبة هو فيروس معدٍ جداً، لدرجة أنه إذا أصيب شخص ما بهذا الفيروس، فسوف ينقل مرض الحصبة إلى ما يقارب 90% من الذين حوله، من غير الملقـّحين ضد الفيروس، وسيصابون بداء الحصبة. ويتربع على عرش الفيروسات في نسبة العدوى حيث يصل رقم تضاعف العدوى R0 الى . 18 يعيش هذا الفيروس في الجيوب الأنفية وفي الفم لدى الطفل أو البالغ، المصاب بداء الحصبة. ويمكن للشخص المصاب بداء الحصبة أن ينقل المرض إلى من حوله في فترة تتراوح بين أربعة أيام قبل ظهور الطفح حتى أربعة أيام بعد ظهوره.
عندما يسعل الشخص المصاب بداء الحصبة، يعطس أو يتكلم، تنتشر قطرات صغيرة من اللعاب الحاملة للفيروس في الهواء، وهكذا يمكن أن يستنشقها كل من يتواجد في المكان نفسه. كما يمكن لهذه القطرات الحاملة للفيروس أن تتساقط على أسطح أماكن تحيط بالشخص المصاب، حيث يبقى الفيروس فعّالاً ومعدياً لمدة تصل حتى 4 ساعات. وهكذا يمكن حدوث العدوى بالفيروس عن طريق إدخال الأصابع إلى داخل الفم أو الأنف بعد لمس السطح الملوّث بالفيروس.
الإمراضية
عند دخول الفيروس إلى الجسم، يبدأ بالتكاثر في خلايا النسيج المخاطية في الحنجرة والرئتين. بعد ذلك ينتشر الفيروس في كل أنحاء الجسم، بما في ذلك الجهاز التنفسي والجلد. تظهر أعراض الحصبة بعد 7 إلى 14 يوماً من ملامستها للفيروس وتشمل عادةً الحمى المرتفعة والسعال وسيلان الأنف والعينين المائيتين. يظهر طفح الحصبة بعد 3 إلى 5 أيام من ظهور الأعراض الأولى.
الأعراض
يبدأ غالباً، بظهور حمّى بسيطة حتى متوسطة، ترافقها أعراض أخرى مثل: سعال متواصل، زكام، تهيّج في العينين واحمرارهما (التهاب الملتحمة) وأوجاع في الحلق. بعد يومين أو ثلاثة تبدأ بقع كوبليك Koplik`s spots بالظهور، وهي العلامة الأكثر وضوحاً على الإصابة بداء الحصبة.
بعد ذلك، ترتفع درجة حرارة الجسم أكثر، حتى تصل أحياناً إلى 40 أو 40.5 درجة مئوية. بالمقابل، يبدأ الطفح المتمثل بالبقع الحمراء الكبيرة بالظهور، عادة تبدأ في منطقة الوجه، على طول خط الشعر وما وراء الأذنين. حيث يثير الطفح حكّة بسيطة، تبدأ بالنزول الى أسفل منطقة الصدر والظهر، وفي النهاية إلى ما تحت الفخذ وحتى أخمص القدم. بعد مرور أسبوع، تبدأ بالاختفاء بنفس المسار الذي سلكته.
المضاعفات المحتملة للحصبة
يمكن أن تتسبب الحصبة في مضاعفات شديدة في الجهاز التنفسي والعصبي. يصاب حوالي ثلث المرضى بمضاعفات مثل التهاب الأذن الوسطى والإسهال الشديد والتهاب القرنية وبالتالي خطورة الاصابة بالعمى. ومن المضاعفات الأكثر ندرة هي الالتهاب الرئوي والالتهاب الدماغي.
المضاعفات النادرة جداً التي قد تحدث بعد عشر سنوات من ظهور الحصبة هو تطور مرض تنكسي في الدماغ مسبباً ضرر غير قابل للإصلاح في الجهاز العصبي المركزي، بما في ذلك التدهور المعرفي والتشنجات. يعتبر خطر حدوث المضاعفات أعلى لدى الأطفال دون سن الخامسة، الذين يعانون من سوء التغذية، وبخاصة الذين لا يتلقون الكمية الكافية من فيتامين"أ"، ولدى البالغين فوق سن 20 عاماً، والمرضى الذين يعانون من نقص المناعة.
تقريباً 10% من حالات الحصبة قد تؤدي إلى الوفاة لدى الفئات السكانية التي ترتفع فيها معدلات سوء التغذية وتنقص فيها فرص الحصول على الرعاية الصحية. وتواجه النساء اللاتي يُصَبْن بالحصبة أثناء الحمل خطر الإصابة أيضاً بمضاعفات شديدة وقد ينتهي حملهن بالإجهاض أو الولادة المبكرة. وتتكوّن لدى الأشخاص الذي يتعافون من الحصبة مناعة تدوم مدى الحياة.
الفئات المعرضة لخط الاصابة
الأطفال غير المطعّمين هم أكثر الفئات عرضة لخطر الإصابة بالحصبة ومضاعفاتها، وخطر الوفاة. أيضاً النساء الحوامل غير المُطَعَّمات عرضة لخطر الاصابة. ويواجه خطر الإصابة بالعدوى جميع من لم يتلق التطعيم اللازم أو من لم يكتسب المناعة الكافية بعد التعرّض للمرض في الصغر.
وقد تكون فاشيات الحصبة فتاكة بشكل خاص في البلدان التي تمرّ بعدم استقرار (حروب, كوارث طبيعية) وذات بنية تحتية صحية هشة. التي من شأنها إيقاف أو عرقلة عمليات التطعيم الروتيني، كما تزيد ظاهرة التكدّس في المخيّمات بشكل كبير من خطر الإصابة بالعدوى.
العلاج
لا يوجد دواء محدد مضاد للفيروسات Antiviral لعلاج فيروس الحصبة. لكن من الممكن تقليل المضاعفات الوخيمة الناجمة عن الحصبة من خلال الرعاية الداعمة التي تضمن التغذية السليمة وكميات كافية من السوائل وعلاج التجفاف بإعطاء محاليل إماهة فموية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية. هذا المحاليل تستبدل السوائل والعناصر المغذية الأساسية الأخرى التي تضيع جرّاء الإسهال والتقيّؤ. كما ينبغي وصف المضادات الحيوية لعلاج أنواع العدوى التي تصيب العين والأذن والالتهاب الرئوي.
الوقاية
أفضل وأضمن طريقة لمنع الإصابة بالمرض هي عن طريق تلقي تطعيم ضد الحصبة، حيث حال التطعيم ضد الحصبة دون وقوع وفيات تقدر بالملايين، ليصبح بذلك لقاح الحصبة واحداً من أفضل اللقاحات المنقذة لحياة البشر.
اللقاح عبارة عن فيروس الحصبة المضعّف (الموهن)، يحقن تحت الجلد أو في عضلة الذراع اليسرى ومن المفضل أن يعطى تحت الجلد للتقليل من الآثار الجانبية المحتملة بعد تلقي الجرعة. واللقاح حساس للحرارة والضوء. ويدمج اللقاح مع فيروسات أخرى (MMR أو (MMRV ضد الحصبة (Measles) والنكاف (Mumps) والحصبة الألمانية (Rubella) وجدري الماء (Varicella).
يُعطى اللقاح كإجراء روتيني بثلاث جرعات على فترات زمنية متفاوتة، الأولى للطفل بعمر 9 أشهر حيث أن فعالية اللقاح بهذا العمر %85 لذا يتم إعادة إعطاء الطفل اللقاح ضمن اللقاح المركب بعمر 15 شهر وعمر 4-6 سنوات. لضمان وصول الفعالية إلى 95%. عدد قليل من الأشخاص الذين تلقوا التطعيم وبالرغم من ذلك أصيبوا بالمرض، وتكون حدّة المرض خفيفة مقارنة مع من لم يتلقوا التطعيم.
في حالات الكوارث وتفشي الأوبئة بالإمكان اجراء حملات تطعيم بلقاح الحصبة المنفرد، وتلقيح الأطفال من عمر 6 أشهر فما فوق. فبالرغم من أن فعالية اللقاح ستكون 60% لكن الفائدة المرجوة ستكون نوعا ما كبيرة للتقليل من آثار انتشار مرض الحصبة على أن يعاد إعطاء جرعة أخرى بعمر 9 أشهر، بحيث أن تكون الفترة ما بين إعطاء جرعة لقاح الحصبة والأخرى على الأقل شهر.
بالنسبة للذي لم يتلقى التطعيم وتعرض لعدوى الحصبة، يمكن استخدام التطعيم بعد التعرض. وهناك نوعان من التطعيم في مثل هذه الحالة:
- التطعيم الفعال Active immunization ، يُعطى في غضون 72 ساعة من التعرض للمرض.
- التطعيم السلبي Passive immunization، يُعطى في غضون 6 أيام من التعرض للمرض للأشخاص الذين لا ينصح أن يتلقوا تطعيم فعال و/أو المعرضين لخطر عال للإصابة بهذا المرض.
في حالة التعرض للحصبة وتطور أعراض مثل الحمّى أو الطفح الجلدي، يجب الاتصال بالطبيب المعالج حتى تستعد المؤسسة الصحية لاستقبال الحالة واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمنع تعريض مرضى آخرين للإصابة بالفيروس الذي اتفق على انه شديد العدوى.
تنبيهات مهمة عند تلقي اللقاح
يوصي مركز السيطرة ومكافحة الامراض بأن يفصح الشخص الذي يرغب في التطعيم او مرافقه لمقدم اللقاح الخاص ما إذا كان:
- لديه رد فعل تحسسي بعد جرعة سابقة من لقاح MMRV أو MMR أو الحماق، أو لديه أي حساسية شديدة تهدد الحياة.
- حامل أو تعتقد أنها قد تكون حاملاً.
- يعاني من ضعف في جهاز المناعة، أو أن أحد الوالدين أو الأخ أو الأخت لديهم تاريخ من مشاكل الجهاز المناعي الوراثية أو الخلقية.
- سبق أن أُصيب بحالة تجعله يصاب بكدمة أو ينزف بسهولة.
- لديه تاريخ من النوبات، أو لديه أحد الوالدين أو الأخ أو الأخت بتاريخ من النوبات.
- يأخذ أو يخطط لتناول أدوية الساليسيلات (مثل الأسبرين).
- هل خضع لعملية نقل دم مؤخرًا أو تلقى مشتقات دم أخرى.
- إذا كان يعاني من مرض السل.
- ما إذا حصل على أي لقاحات أخرى في الأسابيع الأربعة الماضية.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة