في 11 مارس 2020، صنفت منظمة الصحة العالمية الأزمة المرتبطة بفيروس كورونا (كوفيد-19) على أنها وباء. وتبنت جل دول العالم استراتيجيات وقاية تعتمد على التباعد الاجتماعي من أجل كسر سلسلة الانتقال بين الأفراد. مع هذا الوباء الجديد، واجه العاملون في المجال الطبي وضعا غير مسبوق، حيث أصبحت المستشفيات والمكاتب الطبية أماكن تلوث محتملة ووجب أن تنظم نفسها للحدّ من إصابة الموظفين، مع مواصلة رعاية المصابين بأمراض أخرى. وقد مثلت الأشكال الحادة من متلازمة الضائقة التنفسية المرتبطة بكوفيد-19 (ARDS) تحديا كبيرا أمام الأطباء لاسيما عندما تصبح الوسائل المعتادة للإنعاش غير كافية. في نفس الوقت شهد الطب عن بعد طفرة غير مسبوقة، حيث تبنى المشتغلون في المجال بسرعة تقنيات جديدة تجعل من الممكن التوقي من الفيروس مع مواصلة تقديم الخدمات الصحية بنفس الكفاءة إضافة إلى إتاحة الاستفادة من الكفاءات الطبية لأكبر عدد ممكن من المرضى دون الحاجة للتنقل.
رعاية طبية عن بعد
وقد شهدت تونس مثل جل البلدان في العالم موجة ثانية من الفيروس منذ سبتمبر 2020، تجاوز خلالها عدد الإصابات طاقة استيعاب غرف الإنعاش المتوفرة وقدرة الأطباء المختصين والتجهيزات المتوفرة لديهم، مما دفعهم إلى استخدام وسائل مبتكرة لتوفير الرعاية الصحية عن بعد.
في ورقة علمية جديدة نشرت في دورية Annales de Cardiologie et d'Angéiologie العلمية في شهر فبراير 2021، وصف فريق من الباحثين والأطباء من مستشفى الرابطة الجامعي (أحد أكبر مستشفيات تونس الحكومية) تجربة استخدام تقنيات الطب عن بعد في توفير رعاية صحية لمرضى الكوفيد القاطنين في مناطق بعيدة عن العاصمة والذين ظهرت عليهم أشكال حادة من متلازمة الضائقة التنفسية المرتبطة بكوفيد-19. ونجح الفريق الطبي خلال هذه التجربة في توفير الرعاية الصحية لهؤلاء المرضى عبر توفير أجهزة "أكسجة الغشاء خارج الجسم"Extracorporeal membrane oxygenation أو ECMO اللازمة لمعالجة متلازمة الضائقة التنفسية الحادة وإدارتها عن بعد.
يقول الدكتور صبحي الملايحي الطبيب الجراح بقسم جراحة القلب والشرايين بالمستشفى والأستاذ المساعد بكلية الطب بتونس في حوار خاص مع موقع منظمة المجتمع العلمي العربي: "تونس مثل بقية دول العالم، تعاني من مشكلة العدوى خلال جائحة كوفيد-19، لذلك لجأ الأطباء إلى إجراء عمليات التشخيص عن بعد لا يتنقل فيها المريض إلى المستشفى إلا عند الضرورة".
إلى جانب مشكلة العدوى وجد الأطباء وأعوان الصحة المتدخلون لعلاج المرضى المصابين بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة والذين هم بحاجة لأجهزة ECMO، أمام جملة من التحديات الأخرى " إذ لا يوجد سوى خمسة أقسام طبية مجهزة بهذه الآلة في تونس، كما أن العاملين في أقسام الإنعاش في أغلب المستشفيات ليس لديهم أي فكرة عن كيفية استخدامها" كما يقول والمؤلف الرئيس للورقة العلمية.
ومع تكليف مستشفى الرابطة بإسناد (بمساعدة) مستشفيات الشمال التونسي في رعاية المرضى الذين هم في حاجة لتلك الأجهزة، وهو ما يتطلب نقلها إلى هناك عند الحاجة مع توفير الإطار الطبي والتقني اللازم لتشغيلها، كان لا بد من إيجاد حل مناسب باستخدام تقنيات التواصل عن بعد المتوفرة على نطاق واسع للقيام بهذه المهام عن بعد.
وتم لهذا الغرض تشكيل فرق لتشغيل أجهزة ECMO عن بعد، مكونة من فريق طبي محلي (من المستشفى حيث يوجد المريض) يضم أطباء الإنعاش والمقيمين والمتدربين والممرضات ومساعدي التمريض وأخصائيي العلاج الطبيعي، ومن جراحي القلب والأوعية الدموية وأخصائيي الإنعاش والتروية (في مستشفى الرابطة) الذين يشرفون على إدارة جهاز ECMO إضافة إلى تقديم الإرشادات والنصائح في حالة الطوارئ باستخدام التطبيب عن بُعد.
استخدام وسائل التواصل في الطب عن بعد
وللتواصل بين الفريقين وإدارة الجهاز عن بعد، تم إنشاء مجموعة مغلقة تضم جميع المتدخلين على موقع التواصل الاجتماعي باستخدام تطبيق ميسنجر. وبحسب الدكتور صبحي "فقد تم تحديد خيار استخدام هذه الشبكة الاجتماعية بسبب وظائفها وإمكانية الوصول إليها وإتاحتها للتفاعل السريع وبشكل فوري".
وقد سمحت هذه الأداة بالقيام بعدة مهام عن بعد مثل الاطلاع على جميع مؤشرات الجهاز عن بعد وتقديم خدمات الاستشارة وإعطاء التعليمات والنصائح لمساعدة الفريق المحلي، علاوة على تنظيم لقاءات فيديو عن بعد بين أعضاء المجموعة لمناقشة الحالات المرضية وهو ما يعادل الطاقم الطبي.
"قام فريق أطباء مستشفى الرابطة بتركيز سبع وحدات ECMO في مستشفيات موجودة في مناطق مختلفة من الشمال التونسي وإدارتها عن بعد من خلال منصة المجموعة المغلقة هذه مع السفر والتدخل في الموقع من قبل أخصائيي الإرواء أو جراحي القلب والشرايين عندما يتجاوز نوع التدخل مهارات الفريق المحلي"، وفقا للدكتور الجراح في اختصاص القلب والشرايين.
وقد مكّن التواصل المرئي المباشر عبر الفيديو، بحسب مؤلفي الورقة، من مناقشة الجراحين وأخصائيي الإرواء في الوقت الفعلي للمضاعفات أو المشكلات التي يطرحها المرضى. ومشاركة حالتهم السريرية وعلاماتهم الحيوية باستمرار. وباتباع توجيهات الجراحين الخبراء والمناقشات التي أجريت على المجموعة، أمكن أن يتدخل جهاز الإنعاش بعد ذلك في حالات معينة.
وسائل التواصل والأخلاقيات الطبية
رغم أهمية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في توفير الخدمات الطبية خلال الأزمات الصحية مثل تلك التي يسببها حاليا فيروس كوفيد-19، "إلا أن استخدامها يجب أن يخضع لضوابط أخلاقية من جانب الأطباء وأعوان الصحة" كما يقول الدكتور الملايحي.
فالمشاركة اللانهائية للمعلومات في هذا "الفضاء السيبراني" الذي توفره الشبكات الاجتماعية، تخلق انطباعا خاطئا بالسريّة، وتم توجيه انتقادات بخصوص الشبكات الاجتماعية واحترام السريّة المهنية. ويعد نشر المعلومات العامة التي من المفترض أن تكون سريّة تمامًا عن المرضى، انتهاكًا لمدونة الأخلاق الطبية، كما كتب المؤلفون في الورقة.
بهدف الحفاظ على هوية المرضى واحتراما للأخلاقيات الطبية، نظرت المجتمعات العلمية في قواعد استخدام الشبكات الاجتماعية في المجال الطبي، ونشرت توصيات الممارسات الجيدة للشبكات الاجتماعية.
ورغم أن استخدام الشبكات الاجتماعية في أوقات الوباء، يُعدّ أداة أساسية للتواصل بين المهنيين الصحيين إلا أن هذا الاتصال باستخدام هذه التطبيقات غالبًا ما يكون مصدر قلق.
لذلك يؤكد الدكتور صبحي الملايحي على "ضرورة الإسراع بإصدار قوانين تنظم استخدام هذه الوسائل في مجال الطب عن بعد (هناك مشروع قانون أمام أنظار مجلس النواب التونسي)، من ناحية، وإحداث منصة الكترونية شاملة لكامل قطاع الصحة، فالتطبيقات المتوفرة حاليا DMI Dossier Medical Informatisé غير مرتبطة ببعضها ولا تستخدم إلا داخل نطاق كل مستشفى على حدة".
المصادر
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة