أ.د. عبد الرؤوف علي المناعمة
الجامعة الإسلامية – غزة/دولة فلسطين
البريد الإلكتروني: elmanama_144@yahoo.com
إسلام المناعمة
الجامعة الإسلامية – غزة/دولة فلسطين
البريد الإلكتروني: elmanama1996@gmail.com
مقدمة
الدفتيريا (الخنّاق) Diphtheria مرض بكتيري حاد، ينتج بالدرجة الأولى عن السم الذي تفرزه البكتيريا العصوية موجبة الجرام والتي تعرف باسم وتدية خناقية أو الاسم العلمي Corynebacterium diphtheria. تم التعريف بالمرض في القرن الخامس قبل الميلاد بواسطة أبقراط، وتم تسجيل تفشيات للمرض في القرن السادس بعد الميلاد. تم التعرف على هذه البكتيريا لأول مرة في 1883 على يد العالم كلبس وزرعها العالم لوفلر في 1884. تم تطوير مضادات للسم في أواخر القرن التاسع عشر، تم تطوير الtoxoid في عشرينيات القرن العشرين. سمي المرض بالخنّاق لأن الأطفال الذين يموتون بهذا المرض تظهر عليهم علامات الازرقاق الناجم عن نقص الأكسجين. السبب يعود بالدرجة الأولى إلى تكَوّن ما يشبه الأغشية في منطقة الحلق تكبر وتمتد تدريجاً حتى تغلق القصبة الهوائية.
الكائن المسبب
الوتدية الخناقية Corynebacterium diphtheria بكتيريا هوائية عصوية موجبة غرام. غير متحركة تظهر تحت المجهر على شكل رموز صينية وبشكل حروف V و L بالإنجليزية. نفس البكتيريا يوجد منها صنفان أحدهما مسالم ولا يسبب أي مرض للإنسان والآخر مُنتِج للسم وهو المسئول عن مرض الخنّاق. إنتاج السم يحدث عندما تصاب البكتيريا بفيروس خاص (بكتيريوفاج) يحمل المعلومات الوراثية(الجينات) المسؤولة عن السم. حيث أن السلالات المفرزة للسم هي التي بإمكانها التسبب بالمرض. ولعزل هذه البكتيريا نحتاج وسط غذائي يحتوي على مركب تيلوريت البوتاسيوم Potassium tellurite. عند عزله، يجب التمييز بينه وبين الأنواع الأخرى من Corynebacterium التي عادةً ما تكون في الحلق أو على الجلد بشكل طبيعي وتشبهها إلى حد كبير. تخضع جميع عزلات C. diphtheria لاختبار السميّة (القدرة على انتاج السم).
السم الذي تنتجه C. diphtheria يثبط تصنيع بروتينات الخلية، والخلية التي يتوقف تصنيع البروتين فيها لفترة طويلة محكوم عليها بالموت، حيث أن البروتينات تشكل جزء مهم جداً من عمليات الأيض بالخلية، لذلك يعتبر سم الوتدية مسؤول عن تدمير الأنسجة الموضعي. السم الذي تم انتاجه من الخلايا البكتيرية يتم امتصاصه ودخوله لمجرى الدم من ثم ينتشر إلى أنسجة الجسم. وأيضاً يعتبر مسؤول عن المضاعفات التي قد تحصل مثل التهاب عضلة القلب والتهاب الأعصاب وأيضاً وقد يسبب انخفاض عدد الصفائح الدموية thrombocytopenia ووجود البروتينات في البول.
فترة الحضانة والأعراض
فترة حضانة المرض من 2-5 وقد تمتد إلى 10أيام. المرض ممكن أن يصيب أي غشاء مخاطي في الجسم مثل العينين وربما الجهاز التناسلي لدى الأطفال من الإناث. من الأعراض: تعب عام وإرهاق، حمّى، التهاب متوسط في الحلق ومشاكل في البلع. الأطفال المصابون يظهر لديهم أعراض كالغثيان والتقيؤ والقشعريرة وحمّى بدرجات حرارة عالية، على الرغم من أن بعضهم لا تظهر عليهم العلامات لحين تطور المرض. في 10% من الحالات، المريض يعاني من انتفاخ في الرقبة "bull neck". تلك الحالات تمثل خطراً أعلى للوفاة. قد يكون الإنسان حاملاً للمرض (قد يكون مصدراً للعدوى) ولا تظهر عليه الأعراض، ينتقل من شخص لآخر عبر الجهاز التنفسي. نادراً ما ينتقل بوساطة الجلد أو أدوات المريض.
المضاعفات
معظم مضاعفات الخنّاق بما فيها الوفاة، ناتجة عن آثار السم. عندما يتم امتصاص السم، قد يؤثر على أنسجة أعضاء بعيدة عن موقع الإصابة. فالتهاب عضلة القلب قد تظهر مصحوبة بعدم انتظام في نبضات القلب، ومن المحتمل أن تظهر في أول المرض أو بعد أسابيع، قد تؤدي لفشل في عضلة القلب. إذا ظهرت في وقت مبكر عادة ما تكون قاتلة.
بينما التهاب الأعصاب الذي قد يؤثر على الأعصاب الحركية، وعادة ما يُشفى المصاب تماماً. إذا ما أصيب بشلل في سقف الحلق (soft palate) فإنه قد يحدث خلال الأسبوع الثالث من المرض. شلل عضلات العين، الأطراف وعضلة الحجاب الحاجز قد تحدث بعد الأسبوع الخامس من المرض. قد يعاني المريض من فشل الجهاز التنفسي والتهاب الرئة نتيجة الشلل الذي أصاب الحجاب الحاجز. مضاعفات أخرى تتضمن التهاب الأذن الوسطى وصعوبة التنفس عند الرضّع نتيجة انسداد مجرى التنفس.
معدل الوفيات من مرض الخنّاق يشكل 5-10% من المصابين، وبمعدلات أعلى 20% فما فوق بين الأطفال دون سن الخامسة والبالغين فوق سن الأربعين.
انتشار المرض
قد يصيب الخنّاق أي مكان بالعالم، لكن الحالات السريرة تكون أكثر في المناطق معتدلة الجو خاصة في فصلي الشتاء والربيع. في الولايات المتحدة في عصر ما قبل اللقاح، أعلى معدل انتشار للمرض كان في جنوب شرق أميركا. وبمعدلات إصابة أكثر في سكان أميركا الأصليين. لم يتم ملاحظة تركيز المرض بمنطقة جغرافية معينة.
في أوائل 1990، وباء كبير حدث في دول الاتحاد السوفييتي. بحلول 1994، أصاب الوباء جميع الولايات المستقلة حديثاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وعددها 15. أصيبت أكثر من 157 ألف حالة وتوفي أكثر من خمسة آلاف. خلال ست سنوات من 1990 إلى 1995، حسب منظمة الصحة العالمية فإن أكثر من 90% من حالات الدفتيريا حول العالم ترجع إلى تلك الولايات. 80% منهم كانوا من البالغين، لذا يُعتقد أن سبب هذا العدد الكبير أو الوباء وتوزيع الأعمار هو نقص برامج التطعيم للكبار في هذه الدول.
التشخيص
يعتمد التشخيص على الأعراض السريرية، ويتم عمل مزرعة لتأكيد التشخيص. إذا تم عزل بكتيريا الوتدية الخناقية، فلا بد من فحص السمّية.
الوقاية والحماية
تم إنتاج مضاد سم الدفتيريا لأول مرة في العام 1891من خلال حقن حصان ببكتيريا الدفتيريا في الولايات المتحدة. واستخدم للعلاج فقط ولا يُستعمل للوقاية. ويعمل هذا المضاد على معادلة السم غير المرتبط فقط ولا يستطيع معادلة السم المرتبط بالأنسجة، يمكننا القول إنه يمنع أو يحد من تطور المرض. يجب عمل فحص حساسية للمريض قبل أن يُعطى مضاد السم.
هذه التقنية هي نفسها المستخدمة في كثير من الأمراض، وتندرج تحت عنوان رئيسي كبير "المناعة السلبية Passive immunity حيث يعطى المرضى أجسام مضادة تم تجهيزها خارج الجسم (في حصان، أو أرنب أو من إنسان).
في ظل انتشار وباء كورونا الحالي 2019 تم توظيف هذه التقنية لعلاج المصابين من خلال حقنهم ببلازما تبرع بها مرضى سابقين تشكلت لديهم أجسام مضادة.
يجب إعطاء الشخص المحتمل أو المؤكد إصابته بالخنّاق المضادات الحيوية ومضاد السم بجرعات مناسبة ويتم عزله وسحب عينة لعمل مزرعة. كما يجب دعم الجهاز التنفسي والتأكد من مجرى التنفس.
من المضادات الحيوية المستخدمة: erythromycin (الذي يُعطى بالفم أو بالحقن) لمدة 14 يوم، أو باستخدام penicillin G بحقنه بالعضل أيضاً لمدة 14 يوم. عادةّ الخناّق غير معدٍ بعد تلقي المضاد الحيوي ب48 ساعة. بعد الانتهاء من كورس العلاج يجب فحص وجود البكتيريا من خلال عمل مزرعتين بحيث تكون النتيجة سالبة في المرتين.
تاريخ اللقاح
في أوائل القرن العشرين تم تطوير التوكسيد في 1921 لكن لم يكن واسع الانتشار حتى بدايات 1930 (التوكسيد عبارة سم البكتيريا تمت معالجته، بحيث يفقد سميته لكنه يحتفظ بقدرته على إحداث ردة فعل مناعية). ويتم إنتاج توكسيد الدفتيريا بتنمية C. diphtheria المنتجة للسم في وسط غذائي سائل. يؤخذ السائل الراشح ويوضع مع الفورمالديهايد حتى يتحول السم إلى توكسيد ومن ثم استخلاصه مرة أخرى.
اللقاح المتوفر: DPT لقاح ثلاثي موجه لثلاث أمراض Diphtheria, pertussis, tetanus vaccine
يدمج لقاح الدفتيريا مع لقاح السعال الديكي وتوكسيد الكزاز (التيتانوس) وقد تم استعمال هذا اللقاح بشكل روتيني في أربعينات القرن الماضي. يوجد أيضاً توكسيد الدفتيريا المتوفر مدمج مع توكسيد الكزاز؛ DT للأطفال، Td للبالغين، مع توكسيد الكزاز ولقاح السعال الديكي مثل DTaPو Tdap. ومن غير المألوف إيجاد لقاح الدفتيريا منفرداً. فعالية التوكسيد تصل إلى 95% ويستمر المفعول لعشر سنوات.
يجب أن يتلقى الأطفال دون عمر سبع سنوات إما DTaP أو DT للأطفال. أم الذين تعدت أعمارهم سن السابعة فما فوق يتم إعطاؤهم Td الكبار، حتى لو لم يكملوا سلسلة التطعيمات السابقة DTaP أو DT للأطفال. هناك علامتان تجاريتان متوفرتان من Tdap: Boostrix ويُعطى للأطفال من 10-18 سنة، بينما Adacel للأشخاص من11-64 عاماً.
يوصي مركز مكافحة والسيطرة على الأمراض CDC بأن يتم إعطاء الأطفال خمس جرعات من اللقاح على الأعمار التالية
شهران، 4 شهور، 6 شهور، 15-18 شهر، 4-6 سنوات.
أعراض جانبية للّقاح
هناك بعض ردود الفعل التي قد تحصل إثر تناول اللقاح المحتوي على توكسيد الدفتيريا، منها: يحدث ألم أو تورم في مكان إعطاء الحقنة والحمى والانزعاج والشعور بالتعب وفقدان الشهية والقيء أحياناً بعد التطعيم. تحدث ردود فعل أكثر خطورة، مثل نوبات التشنج، والبكاء المستمر لمدة ثلاث ساعات أو أكثر، أو ارتفاع درجة الحرارة بعد التطعيم DTaP بشكل أقل بكثير. نادراً ما يتبع اللقاح انتفاخ الذراع أو الساق بالكامل، خاصة عند الأطفال الأكبر سنًا عندما يتلقون الجرعة الرابعة أو الخامسة. نادراً جداً، ما تحدث نوبات طويلة الأمد، غيبوبة، انخفاض في الوعي، أو تلف دائم في الدماغ بعد التطعيم DTaP. لا يُعطى للأشخاص الذين يعانون من حساسية لأحد مكونات اللقاح.
تأثير استخدام اللقاح على وبائية الدفتيريا في العالم
هناك تأثير ملحوظ لاستخدام لقاح الدفتيريا على وبائية المرض من ناحيتين، الأولى الانخفاض العالمي في نسب حدوث الدفتيريا حتى أن كثير من الأطباء من المرجّح أنهم لن يروا حالة مرضية واحدة خلال مسيرتهم المهنية. أما الناحية الثانية وهي أن الذين تلقوا اللقاح وأُصيبوا بالمرض كانت الأعراض لديهم أقل حدة وغالباً غير مميتة. ونستعرض هنا بعض المؤشرات التاريخية في بلدان مختلفة:
وباء هاليفاكس (كندا) 1940-1941: من بين الذين تم تحصينهم (معظم الأفراد تلقوا ثلاث جرعات أولية) ، انخفض معدل الإصابة بالدفتيريا شهرياً إلى 24.5 لكل مئة ألف من السكان ، أي حوالي سُبع المعدل لدى الأطفال غير المحصنين خلال نفس الفترة (168.9 لكل مئة ألف) .
بريطانيا 19433: كان معدل الخناق السريري بين غير المحصنين 3.5 مرة أعلى من المحصنين، وكان معدل الوفيات 25 ضعفاً.
تكساس 1970: خلال تفشي المرض، أُصيب اثنان فقط من بين 205 من تلاميذ المدارس الابتدائية المعرضين للتحصين الكامل بالمرض.
اليمن: تم تحديد الفعالية الوقائية للقاح الخناق بنسبة 87% بين أولئك الذين تلقوا ثلاث جرعات أو أكثر.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة