المحرر
منظمة المجتمع العلمي العربي
البريد الإلكتروني: info@arsco.org
ما جرى من أحداث في عام 2020 سلّط الضوء على أهمية العلماء في حياتنا اليومية. فقد سعى أطباء وعلماء اللقاحات لتصنيع التطعيمات للمساعدة في الوقاية من ومعالجة وباء covid-19. وقام علماء الفيروسات وعلماء الأوبئة وعلماء السلوك بتوجيه واضعي السياسات الحكومية التي تتحكم في تحركاتنا بشكل مباشر لإبقائنا أكثر أمانًا.
منذ انتشار وباء كورونا أحس الناس بقيمة ما يقوم به العلماء والأطباء والباحثين في المجال الصحي خاصة، وهم يستحقون ذلك التقدير بجدارة. ولكن العلماء والباحثون في جميع التخصصات يقومون بأدوار كبيرة جداً لحماية حياة الناس ورفاههم والتخفيف من آلامهم المختلفة، ولكن لا يسلّط الضوء على ما يقومون به إلا في حالات واضحة كما أظهرت كورونا دور الأطباء وعلماء الفيروسات واللقاحات وغيرهم. فدور المجتمع العلمي في أغلب الأحيان كدور الجندي المجهول يقوم بكل شيء ولا يعرفه أحد.
ولأن الوباء هدد حياة الناس بشكل مباشر، اهتم الجميع به، ولكن هناك تحديات أخرى كبيرة قد تهدد الحياة على سطح الأرض، لا يهتم الناس بها لأن تأثيرها غير واضح تماما. من ذلك مثلاً، الاحتباس الحراري؟
سيظل هذا التهديد على البيئة والصحة العالمية ورفاهنا الاقتصادي، مستمراً لأجيال بعد كوفيد -19 وأيضاً، من الواضح أن للعلماء دور محوري في فهم الوضع ورسم السياسات التي تهدف إلى التخفيف من آثاره والإبلاغ عنها في نهاية المطاف – وللجيولوجيين دور أساسي في ذلك.
من المفاهيم الخاطئة والشائعة أن الجيولوجيا تتعلق بالصخور(فقط). صحيح أن الجيولوجيين مدربون على قراءة ما تخبرنا به الصخور عن ماضي الأرض وحاضرها وبنيتها المستقبلية المحتملة وتطورها. ولكن، يجب أن نعلم أن العمليات الجيولوجية والمناخ يرتبطان ارتباطًا وثيقًا. ويجب أن نعلم أن الكون كله والأرض ومن وما عليها كلٌ واحد، مترابط يؤثر بعضه في بعض ويسير وفق نواميس ربانية دقيقة تضبط ايقاعه، وأن أي اختلال في ذلك الاتزان سوف يدمر الأرض ومن عليها، {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ. أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}. فأي إخلال في هذا الميزان سوف يتسبب في اختلال في كل شيء.
توجد هناك العديد من الروابط الفيزيائية والكيميائية المعقدة والتغذية المرتدة بين سطح الأرض والصخور الجوفية والغلاف الجوي والمحيطات والقمم الجليدية والحياة في جميع هذه الأماكن. تجلب الانفجارات البركانية الكربون من أعماق الأرض إلى السطح والهواء، مما يعزز تأثير الاحتباس الحراري. وعلى العكس من ذلك، فإن تجوية الصخور المكشوفة على السطح وما تقوم به الحيوانات والرخويات في أعماق المحيطات وهي تصنع صدفاتها يزيلان ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، مما يقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري. اتزان عجيب ودورات تعمل بدقة فسبحان الله أحسن الخالقين.
تشهد الصخور والحفريات في السجل الجيولوجي على هذه العمليات، حيث توضح لنا أن مناخ الأرض يتغير باستمرار منذ تشكل الكوكب قبل حوالي 4.6 مليار سنة. كما أن هذا السجل نفسه يُظهر أن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هو في أعلى مستوى له منذ ما لا يقل عن الثلاثة ملايين سنة الماضية، وأن الوتيرة الحالية من ارتفاع درجة حرارة الكوكب لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأرض. يمكن أيضًا استخدام السجل الجيولوجي لتقييم دقة النماذج العددية المعقدة المستخدمة للتنبؤ بالمناخ المستقبلي. حسّنت الجيولوجيا فهمنا لظاهرة الاحتباس الحراري ونأمل أن تساعدنا في التخفيف من حدته.
الآن، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى تبني مفهوم "علم الأرض المستدام" بشكل كامل. هذه ليست فكرة جديدة ولا تقتصر على تغير المناخ. ويمكن رؤية المساهمات التاريخية العديدة والمتنوعة للجيولوجيا في معالجة بعض أكبر التحديات المجتمعية، على سبيل المثال لا الحصر، يدرس الجيولوجيون أصل الملوثات مثل الزرنيخ والرصاص وتنقلها الطبيعي وومآلها، وهما أمران مهمان لتوفير إمدادات مياه آمنة وموثوق بها، ويستكشف الجيولوجيون أصل المخاطر الطبيعية مثل الانهيارات الأرضية والزلازل، وهذا يساعد في تقليل آثار تلك المخاطر على المجتمعات في جميع أنحاء العالم. ولا يخفى دور الجيولوجيا وعلم طبقات الأرض في تغذية الخزانات الأرضية ومشاريع المباني الضخمة والسدود والتي تحافظ على حياة البشر وأمنهم ورفاههم.
لكن يجب على الجيولوجيين مضاعفة مشاركتهم مع علماء وسياسيين آخرين لتطوير حلول للعديد من التحديات البيئية والموارد التي نواجهها والمساعدة في تنفيذها في نهاية المطاف. ويجب أن يكون طلاب الجيولوجيا على دراية بالمساهمات الأوسع نطاقًا التي يمكن أن تقدمها مجموعة مهاراتهم متعددة التخصصات للرفاهية العالمية. ومن خلال إعادة تصور الجيولوجيا من منظور الاستدامة، يمكن التأكد من جعلها مركزية في وعي الجمهور، كما كان علم الفيروسات وعلم الأوبئة في عام 2020 وإلى اليوم.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة