مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

مقدمة

سلسلة أمراض يمكن منعها باللقاحات

الكاتب

ثقافة علمية

الوقت

02:23 مساءً

تاريخ النشر

25, يناير 2021

     أ.د. عبد الرؤوف علي المناعمة
  الجامعة الإسلامية – غزة/دولة فلسطين
  البريد الإلكتروني: elmanama_144@yahoo.com

 

       إسلام المناعمة
           الجامعة الإسلامية – غزة/دولة فلسطين
           البريد الإلكتروني: elmanama1996@gmail.com
 


الأمراض المعدية على مدار التاريخ شكّلت هاجساً لكل المجتمعات وربما يستحضر الكثير منا أمراضاً مثل: الطاعون، والكوليرا، والجدري، وشلل الأطفال والانفلونزا الاسبانية. وقد يستحضر المختصون أمراضاً أخرى عديدة منها ما هو منتشر في الوقت الحالي كالإيدز والسلّ الرئوي. وتشير كثير من التقديرات أن نسب الوفيات من الأمراض المعدية في الأزمنة السابقة فاق كل مسببات الوفيات مجتمعة.

تفاوت فهم وتصور البشر لهذه الأمراض بحسب الأزمنة والثقافات والمعتقدات الدينية، لكن المؤكد أن المعرفة الحقيقية والفهم لهذه الأمراض بدأ بعد اكتشاف مخلوقات أصغر من أن يمكن رؤيتها بالعين المجردة. وذلك بعد اكتشاف العالم الهولندي أنتوني فان ليفينهوك للمجهر الضوئي. الاكتشاف الذي فتح الآفاق على عوالم متناهية في الصغر تعيش فينا ومعنا وعلينا، تتفاعل مع مكونات البيئة بالإيجاب في معظم الأحيان وسلباً في بعض الأحيان. عالم تتطور فروع علومه بشكل مذهل يجعل من إلمام شخص بكافة فروعه أمراً مستحيلاً. وتتوإلى الاكتشافات بشكل قفزات كميّة، ويستغل العلماء والأطباء والشركات الطبية والصناعية هذه المعرفة لتقديم خدمات فعلية في مجالات متنوعة.

سيتناول هذا المقال الافتتاحي مجالاً واحداً منها ألا وهو اللقاحات، وسيتم نشر سلسلة من المقالات تغطي الأمراض التي يمكن منعها باللقاحات تباعاً إن شاء الله.

نبذة تاريخية حول اللقاحات

يُعتقد أن البشر قاموا بممارسة التحصين منذ القدم حتى قبل اكتشاف الجراثيم ودون معرفة أن الميكروبات تسبب الأمراض. شرب بعض السكان في ثقافات مختلفة سُم الثعابين لمنح مناعة ضد لدغة الثعابين، وتم ممارسة التجدير (حقن الجلد لشخص سليم باستخدام إفرازات لمريض الجدري بعد وضعها في الشمس لعدة أيام) في الصين في القرن السابع عشر. أيضاً في المجتمعات العربية خاصة في الخليج العربي كانت هناك ممارسة شبيهة للتجدير لوقاية الفتيات بشكل خاص من طفيل الليشمانيا.

يعتبر إدوارد جينر مؤسس علم التطعيمات في الغرب عام 1796، بعد أن استطاع أن يحصّن صبي يبلغ من العمر 13 عاماً بفيروس اللقاح (جدري البقر)، وأظهر مناعة ضد الجدري. وفي عام 1798، تم تطوير أول لقاح للجدري. على مدى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكن التنفيذ المنهجي الجماعي للقاح ضد الجدري ذروته في القضاء عليه عالمياً في عام 1979.

في عام 1923، استطاع الكسندر جليني تطوير طريقة لإبطال مفعول سم التيتانوس tetanus بالفورمالديهايد. تم استخدام نفس الطريقة لتطوير لقاح ضد الدفتيريا Diptheria في عام 1926. في العام 1948 تم ترخيص لقاح الشاهوق Pertussis كامل الخلية لأول مرة في الولايات المتحدة. ثم تم دمج اللقاحات الثلاثة في لقاح ثلاثي عرف ب DPT وهو اختصار للأحرف الأولى من الأمراض الثلاث التي يقي منها.

حيث تُزرع الفيروسات في البيض المخصّب الذي يحتوي على جنين ثم تحصد الفيروسات وتُنقّى وتعالج لتشكل أيّ من ثلاثة أنواع من اللقاحات (المعطّل، الموهّن، أو البروتينات). كانت هذه التقنية جيدة ولكنها لا تخلو من عيوب منها: التلوث، المساحة الواسعة التي تحتاجها هذه التقنية، بطء عملية تنمية الفيروسات، الحساسية التي قد تنتج بسبب البيض. وكان لتطوير طرق زراعة الأنسجة الفيروسية من 1950-1985الفضل في ظهور لقاح شلل الأطفال Salk (المعطّل) ولقاح شلل الأطفال Sabin (الفموي الموهّن الحي). وقد قضى التحصين الجماعي ضد شلل الأطفال الآن على المرض من مناطق عديدة حول العالم وخفض نسب الإصابة به في دول أخرى بدرجة شجّعت منظمة الصحة العالمية لتبني التلقيح/التطعيم كاستراتيجية للقضاء على شلل الأطفال.

وشجعت هذه النجاحات لتصنيع لقاحات أخرى وأعطى ثقة عالمية لهذا الاختراق الطبي الكبير بين السكان وبين المجتمع الطبي بشكل عام. ومر تصنيع اللقاحات بسلسلة من النجاحات والإخفاقات وأيضاً شهد تصنيع اللقاحات قفزات في مبادئ التصنيع وساهم التقدم في مجالات البيولوجيا الجزيئية والفيروسات في استخدام بعض هذه التقنيات للحصول على لقاحات ذات فعالية أفضل أو تغطية أوسع. وسنتطرق لهذه التقنيات بشكل أوسع في مقالات منفصلة..

الفكرة العامة للقاحات

تستخدم اللقاحات التقليدية محاكاة العدوى الطبيعية كوسيلة لتحفيز جهاز المناعة على الاستجابة المناعية للميكروب قيد التلقيح. اللقاحات تستخدم ميكروب كامل ميت (معطّل Inactivated) أو موهّن ((attenuated أو جزء من الميكروب (بروتين، توكسويد). عند حقن الشخص بأي من الأشكال آنفة الذكر يقوم جهاز المناعة بالتعرف على مكونات اللقاح ويشكل مناعة تتفاوت فعاليتها بحسب الكائن الممرض والتقنية المستخدمة ولكنها توفر حماية (قد تكون قصيرة المدى أو متوسطة وقد تكون مدى الحياة) من الإصابة عند تعرض الشخص لإصابة حقيقية.

في السنوات الأخيرة ظهرت أفكار تتعلق بتوظيف المادة الوراثيةDNA  ، ثم بدأت فكرة استخدام الحمض الريبوزي الRNA  كلقاح التي جذبت الكثير من العلماء والباحثين وشركات تصنيع اللقاحات. سبب الاهتمام هو سهولة تصنيع المادة الوراثية بالتسلسل المطلوب وقصر الفترة الزمنية اللازمة للتصنيع. بالإضافة إلى الاستغناء عن تنمية الفيروس لحصد الفيروس نفسه أو أحد مكوناته والتي كانت تستلزم مساحات واسعة ووقت طويل وتكلفة مرتفعة. الآن يمكن إنتاج مليون جرعة من لقاح كورونا على سبيل المثال في إناء سعته لتر إلى لترين.

تعريف اللقاح

اللقاح مستحضر بيولوجي، يستخدم لإنتاج مناعة مكتسبة تجاه مرض معين. يحتوي اللقاح على الكائن المسبّب للمرض أو ميكروب شبيه، ويكون في شكل من اثنين: الموهّن أو المعطّل، أو من سمومه (مُحوّرة بحيث تفقد سميتها وتحتفظ بقدرتها على تحفيز جهاز المناعة)، أو أحد بروتيناته السطحية. تحفز مكونات اللقاح الجهاز المناعي للجسم ليتعرف على هذا الكائن كجسم غريب ويدمره، وينتج الجهاز المناعي أجسام مضادة مناعية تساعد في التعرف عليه وتدميره إذا ما تعرض الإنسان لهذا الكائن مرة أخرى.

استخدام اللقاحات

عملية تقديم اللقاح تدعى بعملية التلقيح. وتعد المناعة واسعة الانتشار الناتجة عن الاستخدام الواسع للقاحات مسؤولة بشكل كبير عن الاستئصال العالمي لمرض الجدري، وخفض نسب حدوث أمراض أخرى كشلل الأطفال، والحصبة، والتيتانوس (الكزاز)، والخناق والشاهوق في معظم مناطق العالم. وتشير منظمة الصحة العالمية أن اللقاحات المرخصة حالياً متاحة للوقاية أو للمساهمة في الوقاية وضبط 25 مرض معدٍ.

تستخدم اللقاحات بالدرجة الأولى للوقاية من الأمراض المعدية قبل تعرض الإنسان للعوامل المعدية، ولكن هناك استخدامات أخرى للوقاية من بعض الأمراض حتى بعد التعرض للعامل المعدي وربما من أكثر الأمثلة شهرة على استراتيجية الوقاية بعد التعرض تتمثل في إعطاء لقاح لمن يتعرض لعضّات كلبٍ مسعور الذي يسبب داء الكَلَب Rabies. ومثال آخر، هو لقاح (التهاب الكبد الوبائي ب) عند التعرض لوخز الإبر الملوثة بدماء مصابين بهذا المرض.

 لابد من التنويه أيضاً إلى دور اللقاحات في المعركة ضد السرطان. قد تتسبب مجموعة من الجراثيم للأشخاص بمرض السرطان. ويقدر العلماء بأن ما نسبته 20% من حالات السرطان في العالم سببها ميكروبات. وربما فيروس الورم الحليمي البشري human papilloma virus يشكّل مثالاً على ميكروب لديه القدرة على إحداث سرطان عنق الرحم لدى الإناث وأنواع أخرى من السرطانات لدى الإناث والذكور. ويعتبر اللقاح ضد هذا الفيروس هو لقاح ضد السرطان.

هناك أيضاً جهود لإنتاج لقاح لبكتيريا الملوية البوابية Helicobacter  Pylori والتي تصيب أكثر من نصف سكان الكوكب، وهي المسبب الأول للقرحات المعدية وسرطان المعدة. وبالتالي فإن إنتاج لقاح فعال ضد هذا الميكروب سيعتبر إنجازا طبياً كبيراً.

قائمة بالأمراض التي جرى إنتاج لقاح لها

جدول: قائمة بالأمراض التي تم منعها باللقاحات والتي سيتم التفصيل فيها في مقالات منفصلة


 


سلسلة أمراض يمكن منعها باللقاحات

 


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

    

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x