يشكّل الزرنيخ ومركباته تهديداً خطيراً للإنسان والنظم البيئية، إذ يمكن أن يتسبب التعرض طويل الأمد للزرنيخ لدى البشر في مجموعة متعددة من الآثار الصحية الضارة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية مثل النوبات القلبية والسكري والعيوب الخلقية والآفات الجلدية الحادّة والعديد من أنواع السرطان بما في ذلك سرطان الجلد والمثانة والرئة.
كما أن المستويات المرتفعة من الزرنيخ في التربة نتيجة للأنشطة البشرية مثل التعدين والصهر، أو تحلل بعض الصخور، ضارة أيضًا بالنباتات، مما يعوق النمو ويؤدي إلى خسائر فادحة في المحاصيل. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن المحاصيل الغذائية يمكن أيضا أن تمتص الزرنيخ من التربة، مما يؤدي إلى تلوث الأغذية والمنتجات التي يستهلكها البشر، إذ أن الزرنيخ يلوث العديد من المنتجات الزراعية الشائعة مثل الأرز والخضروات وأوراق الشاي. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يؤدي الزرنيخ الموجود في البيئات تحت الأرض إلى تلوث المياه الجوفية ومصادر المياه الجوفية والتي يمكن أن يتسبب استهلاكها طويل الأمد في مشاكل صحية خطيرة.
وفي اتجاه حماية البيئة الزراعية من أخطار الزرنيخ ومركباته يسعى الباحثون إلى ابتكار وتطوير أجهزة استشعار دقيقة وفعّالة وسهلة الاستخدام لمراقبة الزرنيخ في التربة الزراعية.
ومن تلك الأبحاث التي قد تكون مفيدة للبحث الزراعي والرصد البيئي، ما قام به باحثون من مؤسسة بحثية تابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في سنغافورة تُدعى تحالف سنغافورة-معهد ماساتشوستس للأبحاث والتكنولوجيا Singapore-MIT Alliance for Research and Technology (SMART) ، حيث تمكنوا من تصميم نوعًا جديدًا من أجهزة الاستشعار الضوئية النانوية النباتية والتي يمكنها اكتشاف ورصد مستويات الزرنيخ المعدني الثقيل عالي السمّية في البيئة تحت الأرض، وذلك وفقا لما جاء في ورقة بحثية نُشرت في السادس والعشرين من نوفمبر 2020 في دورية أدفانس ماتيريلز Advanced Materials.
ووفقا للبيان الصادر عن معهد ماساتشوستس للأبحاث والتكنولوجيا في سنغافورة فإن هذا الجهاز تتوفر فيه عدة مزايا مقارنة بالطرق التقليدية المستخدمة لقياس الزرنيخ في البيئة، حيث أن الطرق التقليدية لقياس مستويات الزرنيخ تشمل أخذ عينات ميدانية منتظمة، وهضم الأنسجة النباتية، والاستخراج والتحليل باستخدام مطياف الكتلة. كما أن هذه الأساليب التقليدية تستغرق وقتًا طويلاً وتتطلب معالجة مكثفة للعينات وغالبًا ما تتضمن استخدام أجهزة ضخمة ومكلفة.
ومن بين أبرز المميزات التي يتميز بها المستشعر الجديد كما جاء في البيان المذكور، أنه سيوفر مزايا كبيرة مقارنة بالطرق التقليدية في مراقبة ورصد الزرنيخ في التربة الزراعية إذ أن هذا المستشعر الذي تم تطويره يعرض إشارات في شدة التألق عند اكتشاف الزرنيخ، حيث أنه يكون ضمن أنسجة النباتات وبدون أن يسبب أي آثار ضارة على النبات، أي إنه يتبع طريقة غير مدمرة في مراقبة الديناميات الداخلية للزرنيخ الذي تمتصه النباتات من التربة.
كما يتيح تضمين هذا المستشعرات النباتية ضمن أنسجة النباتات الحية إمكانية تحويل النباتات إلى كاشفات للزرنيخ تعمل بالطاقة الذاتية وفي بيئتها الطبيعية، مما يمثل طريقة جديدة ومتقدمة من طرق أخذ عينات الزرنيخ التي تتطلب الكثير من الوقت والمعدات التي تستخدم في الطرق التقليدية الحالية.
يقول رئيس الفريق العلمي والمؤلف الرئيسي للورقة العلمية الدكتور تيدريك توماس ليو Dr Tedrick Thomas Lew، "إن جهاز الاستشعار النانوي القائم على النبات لا يبرز فقط لكونه الأول من نوعه، ولكن أيضًا بسبب المزايا المهمة التي يتميز بها عن الطرق التقليدية لقياس مستويات الزرنيخ في البيئة تحت الأرض، والتي تتطلب وقتًا أطول ومعدات وقوى العاملة. ونتصور أن هذا الابتكار سيشهد في نهاية المطاف استخدامًا واسعًا في الصناعة الزراعية وما بعدها".
لقد تم تجريب المستشعر الجديد في اكتشاف الزرنيخ في الأرز والسبانخ، كما استخدم الفريق أيضًا نوعًا من السرخس Pteris cretica، والذي يمكنه زيادة تراكم الزرنيخ. حيث يتميز هذا النوع من السرخس بقدرته على امتصاص وتحميل مستويات عالية من الزرنيخ دون أي تأثير ضار.
والجدير بالذكر أن المستشعرات النانوية الجديدة يمكن أيضًا دمجها في أنواع أخرى من النباتات، حيث أنها تمثل أول نوع لأجهزة الاستشعار النباتية الحية للزرنيخ وتمثل تقدمًا رائدًا يمكن أن يكون مفيدًا للغاية في كل من البحوث الزراعية (على سبيل المثال لرصد الزرنيخ الذي تتناوله المحاصيل الصالحة للأكل من أجل سلامة الغذاء)، وكذلك في المراقبة البيئية العامة.
المصادر
البريد الإلكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com