أظهرت دراسة علمية جديدة أن استخدام أصناف من الشعير مقاومة للملوحة في المناطق القاحلة جنوب تونس يساعد في خفض كميات مياه الري إلى ما يقارب النصف، مع تقليص انخفاض الإنتاج بسبب الملوحة والجفاف.
وبينت الدراسة التي أجراها باحثون من المعهد الوطني للبحوث الفلاحية بتونس بالتعاون مع المركز الدولي للزراعة الملحية بدبي، في ثلاث مناطق تونسية مختلفة مناخياً، هي منطقة مدنين القاحلة (جنوب تونس) ومنطقة شبه القاحلة (وسط تونس) إضافة إلى منطقة باجة شبه الرطبة (شمال تونس)، أن إنتاجية الأصناف المقاومة للملوحة لا تتأثر كثيرا عند ريها بالمياه المالحة (التي تكون فيها نسبة الأملاح أعلى بدرجات متفاوتة). وقد نشرت الدراسة في دورية "Agronomy" العلمية في شهر سبتمبر الماضي 2020.
تؤثر ندرة المياه العذبة والعوامل غير الحيوية الأخرى، مثل المناخ وملوحة التربة في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا (NENA)، على إنتاج المحاصيل. لذلك، يبحث المزارعون عن محاصيل مقاومة للملوحة يمكن زراعتها بنجاح في هذه البيئات القاسية باستخدام المياه الجوفية ذات النوعية الرديئة. ويعتبر الشعير أحد المحاصيل الغذائية الرئيسية لمعظم بلدان هذه المنطقة، بما في ذلك تونس.
يقول الدكتور زبير الشامخ الأستاذ المحاضر بالمعهد الوطني للبحوث الفلاحية والمؤلف المشارك في هذه الورقة العلمية، في تصريح لموقع منظمة المجتمع العلمي العربي: "إن هذه الدراسة تندرج ضمن سلسلة من البحوث التي تم إجراؤها على عدة أصناف محلية ومستوردة من الشعير بهدف اختبار قدرتها على تحمل الملوحة والجفاف واختيار الأفضل منها للزراعة في المناطق التي شملتها الدراسة". ويضيف الشامخ: " تم في هذه الدراسة تقييم صنفين من الشعير هما صنف "كنوز" التونسي الذي تم استنباطه في المعهد الوطني للبحوث الزراعية ويتميز بمردوديته العالية، وصنف "باطني" العماني الذي يتميز بمقاومته للملوحة والجفاف".
استخدم الباحثون نموذج المحاكاة AquaCrop أو ما يعرف بنموذج إنتاجية المياه للمحاصيل إلى جانب نموذج الملوحة لتقييم إنتاجية صنفين من الشعير متباينين من حيث مقاومتهما للملوحة في ثلاث مناطق زراعية مختلفة مناخيا في تونس. يُذكر أن نموذج إنتاجية المياه للمحاصيل هو من تطوير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، ويُستخدم لتقدير كفاءة استهلاك المياه وتحسين ممارسات إدارة الري في الزراعة.
وقام الباحثون بمعايرة النموذج مستخدمين في ذلك بيانات حقلية جُمعت على مدى موسمين زراعيين (2012 – 2014)، وفي مرحلة ثانية، قاموا باستخدام النموذج المعاير لرسم سيناريوهات مختلفة للري بمياه تتراوح ملوحتها 5، 10، 15 ديسيسيمنز/م. وأظهرت نتائج المحاكاة انخفاض الكتلة الحيوية والغلة الحبية بنسبة 70 في المائة في المنطقة القاحلة عند استخدام الصنف الحساس للملوحة. في المقابل، وضمن الظروف البيئية نفسها، فقد انحصر انخفاض الكتلة الحيوية بنسبة 16 في المائة، بينما تراجع الإنتاج بنسبة ثمانية في المائة فقط عند استخدام الصنف المتحمل للملوحة.
من ناحية أخرى بينت النتائج كذلك إمكانية خفض كميات المياه المستخدمة في الري في المناطق المتأثرة بالملوحة تصل إلى 49 في المائة عند زراعة صنف متحمل للملوحة بمستويات 15 ديسيسيمنز/م. ووجد الباحثون أنه يمكن لصنف "باطني" إنتاج طنين من الحبوب للهكتار في المناطق القاحلة التي يصل مستوى ملوحتها إلى 15 ديسيسيمنز/م، في الوقت الذي لا يزيد فيه إنتاج الصنف "كنوز" على 0.7 طن للهكتار.
وخلص الباحثون إلى أنه بوسع المزارعين في المناطق القاحلة والمتأثرة بالملوحة في تونس خفض تكاليف المياه وتقليص الخسائر في الإنتاج إذا ما اعتمدوا صنف الشعير "باطنة" العُماني المتحمل للملوحة بدلاً من صنف الشعير المحلي "كنوز" الحساس للملوحة.
ووفقاً للشامخ، فقد "تم على ضوء نتائج هذه الدراسة والدراسات السابقة، إنجاز مشروع تنموي في الجنوب التونسي – منطقة قاحلة- يهدف إلى تثمين نتائج البحث في مجال المياه بالشراكة مع وزارة الفلاحة في تحسين مردودية المستغلات الفلاحية الصغيرة للمحافظة على خصوبة التربة من خلال ترشيد الري واستعمال أصناف مقاومة للملوحة واعتماد التداول الزراعي".
المصادر